رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 2nd November,2000العدد:10262الطبعةالاولـيالخميس 6 ,شعبان 1421

الاقتصادية

في الإقتصاد
استيراد تقنية الشمال
د, سامي الغمري
تواجه بعض دول الجنوب تحديات حضارية يكاد يعد من أهمها اختيار نوعية التقنيات الصناعية المناسبة لها ولانتاج سلع عالمية سوف تقوم عليها لاحقا مشاريع الاستثمار المساندة لها.
فنوعية الاختيار وتفاضل أولويات التقنية لها من معوقات الاستيراد ما يمنع التطور المنشود في التغيرات الاقتصادية والاجتماعية, وقد أدت صعوبات المفاضلة في اختيار التقنية الملائمة الى وجود مجموعتين, المجموعة الأولى ترى أن استيراد تقنية الصناعات الثقيلة لها من المبررات الاقتصادية ما يدعم قيامها قبل غيرها في مواقعهم التنموية, وتعتقد ان أهم الأسباب الداعية الى ظهورها ما قد تساعده الصناعات الثقيلة على جذب صناعات مساندة لها ترابطات انتاجية أمامية وخلفية, فتكون بذلك فاتحة خير لآفاق استثمارية انتاجية تراكمية اخرى, بينما تفضل المجموعة الثانية التدرج في الاستثمار الصناعي بداية من تقنية الصناعات الخفيفة والاستهلاكية, وذلك لما لها من احتمالية سهولة تبنيها محليا نظرا لمحدودية المستويات التقنية, وكذلك من امكانية تكيفها مع القدرات المهنية البسيطة المتوفرة لها, والحقيقة أن هناك عاملين أساسيين يؤثران في اختيار نوع التقنيات الصناعية, أولهما حجم الطلب على السلعة المنتجة المتعمدة على وفرة الموارد الطبيعية والبشرية, وثانيهما وجود القابلية والاستعداد للجهة الحاصلة على التقنية في استيعابها وتطويعها وتطبيقها وتطويرها, فقبولية التغير وما يصاحبها من تغيرات موضعية قد تتفاوت في مستوياتها, فإذا كان الموقع المتبنى للتقنية رفيعا في مستواه الفكري الاجتماعي فمن اليسر نقل التقنية الصناعية وتطبيقها إما بطريق شرائها أو انتاجها محليا وحتى بصورة أفضل اخراجا واسرع تسويقا, ومن الملاحظ أن التقنيات تتسم حاضرا بأنها في مرحلة تحول جذري منذ بداية القرن الماضي مما وضع الصناعات الوليدة احلال الواردات في دول الجنوب في منافسة امام تحديات السلع المستوردة, وهو بدوره يملي على الفعاليات الانتاجية جهدا أكبر في حجم ونوعية السلع المنتجة لتعزيز مكانتها الاقتصادية, ان التحدي غير المنصف بين الشمال والجنوب اصبح واضحا في معدل التبادل التجاري للسلع الصناعية فمعظم صادراتها من مواد خام تتعرض لتقلبات الأسعار المنخفضة بينما وارداتها تزداد في أسعارها سنويا, ويحاول الجنوب اقامة صناعات محليا تتاقلم في تقنياتها مع عاداته وتراثه بالرغم من أن التقنيات سوف تكون مستوردة من الشمال لفترة قادمة كفيلة بأن تبقي معدل التبادل التجاري للسلع الصناعية في صالحه, وبطبيعة الواقع الاقتصادي فإن الشمال ليس من السذاجة في أن يمكن الجنوب من أن يلحق به من حيث التطور التقني أو من حيث نوعية وجودة منتجاته العالمية, وذلك حتى لا تتراجع حجم ميزانه التجاري العالمي, ومع أن الأسبقية التقنية سوف تكون فارقا واضحا بين النصفين إلا أنه قد يتوقع من جانب أن يبقى الشمال قائم بدور العاطي المانع لها كيفما شاء ومتى شاء, بينما يتوقع من جانب آخر أن يستثمر الجنوب امكاناته في توطين وتطوير التقنية رغم أن التقنية الصناعية تتغير في أطوارها بقفزات متتالية متجددة باستمرار, ولذا فقد يحبذ على الدول الحديثة العهد بالصناعة توطين التقنية أولا بأول, حيث ان سوق التقنية سوق احتكار القلة, ليس فقط هذا بل انها عادة ما تكون مقرونة بطرق ملتوية ذكية وأساليب عجيبة في ابتزاز واستنزاف دول الجنوب قبل تمكينها أو بيعها ما تحتاجه من تقنية صناعية, فقد تباع بأسعار غالية وبشروط غير منصفة, فغالبا ما تفرض دول الشمال قيوداً ورسوماً عالية التكاليف ظاهرة وباطنة مقابل تصديرها خارج مواطنها الأصلية, على أنه ليس بالضرورة ما يتبناه دول الشمال هو جيد دائما, فأحيانا تصمم التقنية كما تتناسب مع ظروف وعادات الشمال ولكنها قد لا تتناسب في استخداماتها وتطبيقاتها مع سوف يصنعه ويسوقه الجنوب, وكثيرا ما تردد بعض دول الجنوب من القدوم على التقنية الصناعية الغربية معتقدة أن الفارق الحضاري كبير بين النصفين الشمالي والجنوبي مفضلة استمرار التبعية الاقتصادية, وهذا قد يفوت اذا لم يعق تعليم المواطنين من اكتساب الخبرة والمعرفة المصاحبة عن طريق التمرس في التجربة والخطأ, فعليها أن تحاول استثمار الموارد خاصة البشرية على تطوير التقنية وباختيار الصالح لها, فمثلا قد تكون الصناعات الكثيفة الأيدي العاملة ناجحة في الاستثمارات الصناعية كالغزل والنسيج ومواد البناء والمواد الغذائية مناسبة لدول جنوب آسيا وغرب افريقيا بسبب ان تعدادهم السكاني مرتفع فيتعدى بعض منه مئات الملايين نسمة, بالاضافة الى أنها لا تحتاج الى رأسمال تفوق قدرات تلك المواقع, وهناك صناعات على النقيض تتصف باكتساب درجة عالية في نقل وتكاليف وادارة وتسويق منتجاتها مثل صناعة السيارات والالكترونيات إلا أنها في غير مقدورها انشائها لضعف القدرة الشرائية فيها, وبناء عليه فقد جاءت افضلية وأولوية الصناعات الخفيفة للتوافر النسبي لعوامل الانتاج وعلى حجم السوق وقوته الشرائية في دول الجنوب, حيث يقضي قانون التوافر النسبي بأن يتخصص كل موقع بإنتاج السلع التي تمتص كميات كبيرة من عامل الانتاج المتوافر بكثرة فيه, والعكس تماما في اللايتخصص الموقع في الصناعات التي لا تمتص إلا القليل من عامل الانتاج المتوافر فيه بكميات قليلة.
وبما أن الصناعات الخفيفة اقل امتصاصا لرأس المال وأكثر امتصاصا للعمالة بالمقارنة مع تقنية الصناعات الثقيلة فانه يتحتم تبعا لقانون التوافر النسبي بأن تعطى أولوية اختيار التقنية هنا للصناعات الخفيفة, ويمكن اعتبار أن نقل التقنية الصناعية قد يتم بنجاح في أي موقع طالما استطاعت العمالة استيعابها وتطبيقها بنفس الكفاءة التي كانت تطبق في دول الشمال وان تراعى كذلك في أن تكون بعيدة عن عمليات النقل التقني العشوائي الارتجالي الذي قد يؤدي الى هدر القدرات المالية المحدودة فيها, فعالمية التصنيع تستوجب التخصص في سلعة ما يتوقع عليها طلب عالمي لفترة لا تقل عن 30 سنة قادمة, كما يستوجب زيادة حقيقة متوقعة تبرر استمرارية انتاج السلعة لتغطي نفس الفترة السابقة, فالمملكة العربية السعودية تعد مثالاً جيداً بين مجموعة دول الجنوب فقد استطاعت ان تقيم أقطابا صناعية ذات كثافة رأسمالية وتقنية عالية قليلة التواجد بين دول العالم النامي, هذه الأقطاب الصناعية المتمثلة في الجبيل وينبع تعد مفخرة من حيث الكفاءة الانتاجية ومن حيث عالمية التصدير, وقد اتبعت المملكة من بداية الانتاج في الثمانينات الميلادية استراتيجية التصدير وبأحجام انتاجية ضخمة فاقت المليون طن سنويا لمعظم الوحدات الصناعية مثل مصنع صدف والرازي وبتروكيميا وغيرها.
فمعظم هذه الوحدات تحتاج إلى انتاج سنوي يزيد مرات عديدة عن حاجة السوق المحلي, فقد كان الهدف منذ بداية التخطيط وقبل تنفيذ اقامتها أن تكون قاعدة صناعية تصديرية عالمية منافسة بحيث يتم تحقيق عنصر أساسي في الصناعة, وهو تحقيق عنصر الوفورات الاقتصادية في الانتاج, ويقصد بالوفورات الاقتصادية في أنه كلما كانت كميات الانتاج السنوي كبيرة أدى ذلك الى تخفيض واضح في تكاليف انتاج الوحدة الواحدة من السلع, وعند تخفيض تكاليف الانتاج فإن هذا بدوره يقدم المنتجات البتروكيماوية السعودية الى السوق العالمي بأسعار منافسة أمام مثيلاتها المنتجة في الأسواق الصناعية المتقدمة, وباختيار التقنية الملائمة ظهرت المملكة قطباً بتروكيمائياً صناعياً حديثاً نالت به تقدير العالم لانجازاتها الناجحة.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved