| الثقافية
** لم تستطع فرنسا حتى الآن الحد من ظاهرة المطاعم الأمريكية التي تقدم الوجبات السريعة وقد انتشرت في شوارع المدن الفرنسية بسرعة البرق، حتى الصين ودول الاتحاد السوفياتي السابق لم تسلم من هذه الهجمة الاقتصادية الثقافية في آن واحد، ونحن الان بعد أنشبعنا من هذه المطاعم الباردة نريد مقاطعتها لأن صاحبتها تقف متحيزة مع الجانب الاسرائيلي، لايستطيع العرب المقاطعة الآن، لا يستطعيون مقاطعة المطاعم الامريكية ولا يستطيعون مقاطعة الجامعات الأمريكية ولا يستطعيون مقاطعة السيارات الأمريكية لأسباب كثيرة سوف نذكرها لاحقاً!!
مجازر كثيرة ارتكبتها اسرائيل خلال 250 عاماً من الاحتلال، ولم يتحرك للعرب ساكن، إلا حين وصلت المذابح إلى منطقة الاقصى الشريف فانتفض الشارع العربي من المحيط إلى الخليج في منظر عربي وحدوي عظيم نأمل أن يستمر حتى تعود الحقوق المسلوبة إلى أصلها، وإذا كانت اتفاقات السلام السرية والعلنية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني لم تحقق شيئاً على الأرض خلال عشر سنوات، وإذا كان مؤتمر القمة العربي الأخير لم يحقق كما قال القادة رضا الشعوب العربية، فماذا تريدون من أمريكا أن تفعل، وتاريخها يشهد بضربها لآكثر من عاصمة عربية، وهذا التاريخ نفسه هو الذي أجهض الكثير من القرارات الدولية ضد عصابة بني اسرائيل.
** ولا أدري لماذا أشعر بالخجل والقنوط وأنا أشاهد بعض القنوات الفضائية العربية تفتح باب التبرعات على الهواء مباشرة أمام الجماهير لكي يقدموا هباتهم وصدقاتهم للانتفاضة الفلسطينية، في الوقت الذي يصرخ فيه شاب فلسطيني من داخل أحد مستشفيات غزة بعد استشهاد أخيه:بدناش مصاري من العرب ، وهو يقصد: لا نريد مالاً، ثم يواصل ببكاءٍ مر:افتحوا الحدود للشباب العربي وأعطونا السلاح لكي ندافع عن القدس وعن أهلنا في الوطن الذي لا زال محتلاً رغم كل اتفاقات السلام !!؟.
نقطة أخرى: لماذا التبرعات على الهواء مباشرة، هل يظن القائمون على هذه الفضائيات أن البث المباشر سوف يزيدالغلة ، بمعنى أن هناك أناس لن يتبرعوا إلا بشروط مثل إذاعة اسمائهم على الملأ وعلى الهواء مباشرة وكأن المسألة مزاد علني، وللأسف على ماذا، مزاد على قضية هي أم القضايا العربية على مر تاريخها القديم والحديث.
في الدول الاوروبية المتحضرة، عندما تتعرض دولة من الدول المجاورة لمشاكل وأزمات طبيعية تحتاج إلى مساعدة مثلاً فإن الدول الأخرى لا تفتح باب التبرعات على الهواء مباشرة، لكنها تقوم باقتطاع جزء من ميزانياتها وتقدمه مساعدة لهذه الدولة باسم الشعب، هذا مثل بسيط على كيفية المساعدة، الكيفية الراقية والمتحضرة، وهذا يجرنا إلى كاريكاتير في إحدى الصحف المحلية: تقدم صاحب البيت للمستأجر يطلب منه الدفعة المستحقة، لكن المستأجر اعتذر لأنه دفع إيجار البيت صدقة من أجل انتفاضة القدس؟!! وطبعاً لا نعرف هل صادق أم أنه يراوغ صاحب الملك لكي ينفذ بجلده من الإيجار مؤقتاً، وأيضا لا نعرف هل من حق مثل هذه الحالة أن تقدم صدقة وغيرها من الحالات المقاربة أي التي عليها التزامات، وكما قال مثقف عربي إن القضية الفلسطينية الآن تمر بمنعطف خطير وأن أحد أهم كاسب انتفاضة الأقصى 2000 هو الشارع العربي الكبير الذي ظهر بصور أكثر إشراقاً وسطوعاً من أي وقت مضى وهذا ما نريده أكثر من المال وخلافه.
** أظن أن المسألة أكبر وأعمق من مقاطعة مطاعم وسيارات، وأكبر من التبرعات، لكي نستطيع إيقاف اسرائيل عند حدود 67م على الأقل نحن بحاجة أولاً إلى رأي عربي حر، وإلى تحديث المؤسسات الحكومية والخاصة العربية، وإلى بناء اقتصادي عربي قوي ومتحد أو متعاون بأقل الأحوال، وإلى إطلاق الطاقات الإبداعية العربية الخلاقة في كل المجالات لكي تؤسس لروح عربية جديدة ولتعليم عربي جديد، يفترض أن نبدأ كعرب معركة حقيقية مع أنفسنا تبدأ من الاعتماد على الذات لتنتهي بقوة حقيقية لن يقف في وجهها أحد، وليبدأ دور الإعلام العربي الآن ودور المثقفين والمفكرين والادباء العرب لكشف مشاكل الداخل وتقديم الأفكار والصور الواقعية لما يحدث في الارض المحتلة والضغط لاستمرار التعاون العربي الحقيقي والجاد على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تأثيث البيت العربي من الداخل وإلقاء الاضواء الكاشفة على كل الزيف فيه هي أولى الخطوات لعمل حقيقي ومدروس, القضية الفلسطينية ليست زلزالاً بسيطاً وقتياً لكي نتبرع للمتضررين وينتهي الأمر، القضية مستمرة وتحتاج إلى نفس عربي مستقبلي طويل يتضمن عملاً عربياً جوهرياً يعوض عن عقود من الصمت واللامبالاة حتى وصلت الأمور الى ماوصلت إليه من سوء ومن جبروت صهيوني من الصعب السكوت الدائم عليه, جزء من ميزانيات الدول العربية ولمدة عشرة أعوام على الأقل يفترض أن يذهب إلى فلسطين بعد معاناة خمسين عاماً وبعد تهدم نفسي وروحي واقتصادي ضخم عاشه هذا اليكان العظيم، وهذا أقل ما يمكن عمله تجاه جزء من الاراضي المحررة، على أمل استعادة الجزء المتبقي بتكاتف كل الجهود العربية.
والبقية الاسبوع القادم إن شاء الله.
ص ب: 7823 الرياض : 11472
|
|
|
|
|