| الثقافية
يحزن الشاعر إن اعتلّت بالاصفرار ورقة في شجرة، تذكره بالاحتضار، وتنهش في قلبه بخوف من التساقط ورحيل وشيك، ويموت الماً وعذاباً لان زهرة كانت بالأمس يانعة قد اعتورتها علة الذبول، يقاسمها وجع الموت بكل وطأته وقساوته، هكذا علمنا الذين خبروا الشعر والشعراء، فعرفنا أن عالمنا بكل روعته وجماله، جحيم أبدي للشعراء إن اختل فيه في عين الشاعر أو ضميره ووجدانه أبسط الأشياء، ربما يسعدنا أن نعود الأقارب بباقة من الزهور تحمل معنى الود وحميمية المشاعر، ويسعدهم، لكن الشاعر يرى أن كل وردة في تلك الباقة، تحمل اسم قاتلها في بطاقة,, وعلمونا أيضا أن للشاعر عينا ترى ما لا نراه في كل ما تحط عليه أبصارنا، يخبره ويغوص في لبه، ثم يعود إلينا بقصيدة تؤجج فينا الدهشة، وتعقد على ألسنتنا عناد السؤال: كيف استطاع؟ لكنه، لهذا السبب ربما، غدا هو الشاعر، ونحن قراء الشعر إن أفلحنا، أو علا حظنا من الثقافة وضياء المعرفة,,!
الشعراء هم ذاكرة وجودنا المغيب في اصفرار الأيام، وحلم إنسانيتنا الجموح، الذي يمعن في الغياب كلما أطبقت عليه قبضة اليد,.
وإذن فما بال حديقة شعرائنا قد أجدبت، فما عادت قادرة على أن توعز بمعنى للموت أو للحياة، وما بال أبصارهم قد اعتراها عشى نهاري، فأصبحنا نحن الذين نرى ما لا تحط عليه عيون الشعراء,,، نرى غضاضة الحياة وبراءتها يطفئهما في مقلة الأطفال بارود عدوان كافر على أرض عربية مسلمة، باركها الله بالقدس الشريف، ونسمع نحيب الثكالى تعجز أن تصم دونه الآذان فتهتز به أركان الكون، ولا يهتز للشعر وتر، يكتب حرفا مغيبا في ظلال الرؤيا، أو كلمة متثالبة، ولو من قبيل الواجب، وإثبات حسن النوايا؟!,, ألأن المصيبة أشد ترويعا من قدرة الفهم والكلام؟، أم أن زمن الشعر قد أخلي مواقعه لعبث الفضاء؟
***
كنا نتابع الأحداث على القنوات الفضائية بحثا عن تفاصيل جديدة، علنا نتعثر في بارقة أمل أو خبر يريح القلب المفزع أو يشفي الغليل، القنوات الإخبارية بحكم طبيعتها نقلت المشاهد والصور، فإن خلت جعبتها أعادت وكررت، ومقدمو البرامج، صائدو الفرص، واصلوا برامجهم عن الرأي والرأي المعاكس، وغيروا الموضوع إلى المناسبة ، عن فلسطين، وذلك السمين، فلتة عصره وأوانه!، أعطى مساحة فضاء عربي وزمنها، معظم وقت البرنامج، لوزير خارجية إسرائيل يبرر المذابح بعدوان العرب!، أصر النابه أن يجري حواره بالانجليزية دون ترجمة، خطآن في الكلمة الواحدة، وركاكة في اللغة والطرح وحدها كافية لتعاطف العالم مع الطرف الآخر وإن كان المعتدي، نحن أمة متحضرة قسماً بالله ولسنا كهذا المتخلف، الذي ادرك ورطته فلجأ إلى اللغط والشوشرة، لكن الضيف اللعين أخرسه : أنا الشخص الذي تجري محاورته، لا أنت فصمت النابه حتى النهاية مفسحا كل المساحة للكذب والتدليس بذكاء صهيوني,,، باقي المحطات واصلت برامجها الهاتفية المعتادة، على الهواء، فتسابقت فارغات الدماغ إلا من خطوط المودة والماكياج إلى نصيبها من الفريسة، جسد فلسطين، تعالج القضية بمداعبة العينين بشعرها الهفهاف، وترسل تحيتها المعتادة بتلويحة اليد على الوجه والصدر هاي باي باي للعبقري الذي أجاب على سؤالها العويص وين ها المذابح ياللي إسرائيل بتمارسها على الأطفال الصغار؟ إلك 500 دولار اذا بتعرف !
***
نحن جميعا أو في غالبيتنا العظمى، بكتابنا وشعرائنا وفنانينا، جزء من هذا السياق الفضائي المروع، إلى أن تفيض مآقي الكلمات طلبا للصفح، واستدراكا للمواقف، لكن ذلك يتطلب وعيا، كوعي الأمهات من ربات البيوت، يبكين في منازلهن أطفالهن لوعة في أجساد اطفال فلسطين الشهداء، أو كوعي رجل الشارع العربي البسيط، لم يعدم وسيلة للتعبير عن جرحه وسخطه، وعي نعرف في ظله أن القضية ليست قضية سياسية تخص فلسطين، ولكنها قضية وجود عربي، وصراع حضارة أصيلة من أجل البقاء,,!
|
|
|
|
|