| فنون تشكيلية
على مدى خمسة وعشرين عاما وأنا أمارس تعليم مادة التربية الفنية ولا زلت متابعا لها بعد مغادرتي المجال من خلال عملي الحالي بصالة الأمير فيصل بن فهد للفنون التشكيلية بمعهد العاصمة النموذجي ومايتم من عرض لأعمال الطلاب في المعارض التي تعدها وزارة المعارف أو إدارات التعليم أجد أن ما كنت أشعر به خلال تدريسي للمادة وبعده لا زال قائما والمتمثل في أن هذه المادة لا انتماء لها بين بقية شقيقاتها المواد الأخرى وكأني بها متبناة وليست ابنة شرعية من رحم التعليم، فليس لها ما للمواد من أهمية أو متابعة غير ما يقوم به المشرفون عليها مجتهدين بحجم الاستطاعة وبأساليب لم تتجدد أو تتغير بقدر ما نرى أقل السبل وكأني بهم يطبقون المقولة (الجود من الموجود) مع ما يقوله البعض وبشكل مقنع عند البحث والاستفسار والعتب في عدم وجود الجديد المحفز فيأتيك الجواب كما يقول المثل الشعبي (انفخ يا شريم قال ما من برطم أو بيت الشعر العربي,, لقد أسمعت لو ناديت حيا,,) مع عدم علمي لمن كان النداء للمسؤولين في إدارات التعليم أم للمعنيين في وزارة المعارف لا أعلم.
أعود للحديث عن هذه المادة وباختصار شديد دون استعراض للأهداف أو الغايات السامية التي أقرت من أجلها فهذا يعني الحاجة لمساحات أكبر إضافة إلى ان المتخصصين في المجال من معلمين ومسؤولين ملمون بها تماما فمنهم من يتألم لوضعها ويترحم عليها ومنهم من رضي بما هو عليه ومنهم من لم يعد يعير المادة أي أهمية لكبر سن أو لعدم قناعة سابقة ولاحقة, مع علمهم ان مادة التربية الفنية ذات هدف تربوي وجداني يكمل بناء الإنسان مع ما يتلقاه من ثقافات أخرى مرتبطة بحاجاته العامة والعملية أكثر من أي مادة أخرى لا يحتاجها الفرد إلا في حدود الوظيفة، فالتربية عن طريق الفن مستخلصة من أهداف إنسانية عالية التأثير على السلوك ولهذا ليس من الممكن تخيل شخص يعيش في محيط لا يقدر الإبداع ويتفاعل معه مما يعني التعامل الفوضوي لفض أو فعل حركي, ولذا فنحن نستهجن أي فعل لا يحترم الذوق العام ابتداء من واقع المنزل ومرورا بالشارع وامتدادا في بقية جسد المدينة، هذه المظاهر وتلك تحتاج إلى وعي وتوعية بها وبكيفية تنظيمها والتعامل معها من منطلق جمالي كما هي الفطرة الإسلامية التي فطر عليها الإنسان ومنها الحرص على تنمية وتربية ملكات الإحساس بكل شيء جميل لا تتوفر في رجل الكهف أو إنسان الغابة بقدر ما يحمل صفاتها ويتفاعل معها ويعمل بها إنسان الحضارة بمعناها السلوكي وليس المظهر الأسمنتي مما يعني الحاجة لتربية جمالية تتمازج وتختلط مع بقية المحصلات الثقافية التعليمية الأخرى.
هذه الحاجة تتوفر بشكل مدروس وبمراحل مهمة من عمر الإنسان وهي فترة المرحلة الابتدائية والمتوسطة أو الإعدادية وهي المراحل التي أقرت لها هذه المادة في هيكل المواد فقط دون الاهتمام بآلية تفعيلها وتدريسها وتوقف مفهوم تطبيقها عند حدود دفتر التحضير ومتابعة النتائج التي يجمعها المعلم بعيد جدا عن ماهية المادة وأهدافها, للحديث بقية في الاسبوع القادم.
لنقل لمن أحسن,, أحسنت
هناك مقولة رائعة يرددها العارفون لكيفية التعامل مع المتخاذلين أو الباحثين عن سبل الركود والبحث عن مبررات الفشل أو محاولة طمس الحقائق المتمثلة في عطاءات الآخرين واستبدالها بأعذار غير مقنعة ما ينطبق على واقع الفن التشكيلي وعن بعض المنسوبين إليه، (إذا أردت إصلاح حال من لا يؤدي أمانته بإخلاص فاذكر محاسن ونجاح من هم في مجال منافسته).
هذه الجملة أو الحكمة أوالمقولة أشعرتني بأن ما كنت أقوم به من نقد لبعض التقصير أو النقص أو الخطأ في عالمنا التشكيلي كان أسلوبا غير صحيح لعدم جاهزية أولئك المقصرين وخلوهم من القدرة على الإقناع نتيجة خلو وفاضهم يقابله الصواب في إبراز جهود المتميزين والناشطين والمؤدين العمل بأمانة وصدق وتجاهل من يسعى للركون والتخاذل في وقت نحن فيه في أمس الحاجة لديناميكية العمل ومن غير الممكن مناداة من به صمم ويرى سيئ عمله حسنا.
التجديد سمة الفنان المبدع المعاصر
توقف الفنان على أسلوب واحد في عطائه الفني يشبه في ذلك من يدور حول نفسه ولا يرى سوى حدود دائرة حركته تلك وقد يقع في حالة رفع رأسه ورؤيته لما سبق به من تجارب متجددة عند غيره بتفاعل مع العصر مؤكدة قدراتهم التقنية والثقافية متعذرا بتمسكه بالتراث وكأن الانتماء يعني النقل الحرفي المباشر وبسذاجة دون علم بمعنى الاستلهام فمثل هؤلاء المكررين بإنتاجهم التشكيلي والمبتذلين بصرياً لا يتفاعل معهم إلا فئة الطائفة لترابطية كما يفسرها علم النفس وتصبح أعمالهم الفنية في حدود الديكور والزينة.
|
|
|
|
|