| مدارات شعبية
* مثلما نجد بيننا من لا يهتم بأولاده ولا يتابعهم وربما لا يكلف نفسه عناء اختيار الأسماء المناسبة لهم من فرط انشغاله وسلبيته وافتقاده للشعور بالمسؤولية تجاه فلذات كبده تاركاً الأمر للآخرين وكأن ذلك لا يعنيه,, فإننا نصدم بشعراء مبدعين يكتبون شعراً جميلاً يستحق العناية والاهتمام ومع ذلك فإن آخر اهتماماتهم تدوين هذا الانتاج وتنظيمه وتصنيفه وغربلته!
* هذه الفوضوية الصارخة قد لا تبدو مزعجة ما دام صاحبها على قيد الحياة لكن الوضع يختلف بمجرد أن يسلم روحه لبارئها حيث تطفو على السطح وينكشف المستور وعندها تصبح عملية جمع وفرز وترتيب هذه الكتابات الابداعية عملية شاقة محفوفة بالمخاطر ولا سيما إذا كان الشاعر ذائع الصيت حيث تغيب العقلانية وتبرز الانتهازية لدى بعض أقربائه وأصدقائه ممن تستهويهم المادة وتغريهم اضواء الشهرة مما يدفعهم الى ارتكاب افظع الجرائم الأدبية بحق من كان في حياته النافذة المشرعة التي يتسلل الضوء إليهم من خلالها!
* وليت من يُقدم على خطوة كهذه أهل لمثل هذه الأعمال الأدبية ولكننا في الغالب لا نلمس فيهم أي صفة تؤهلهم لذلك وهذا بطبيعة الحال ينعكس على مستوى العمل الأدبي الذي تطفلوا على إعداده وجمعه وهذا مربط الفرس والمحصلة المؤلمة التي يمكن تلافيها لو أن المبدع يهمل في حياته المثل القائل: بيدي لا بيد عمرو!! .
* وبنظرة سريعة على الدواوين الشعرية التي صدرت بعد وفاة أصحابها ندرك بلا جهد يذكر أنها لا تمثل شعراءها بالصورة التي يتطلعون إليها في حياتهم، فهي تضم بين دفتيها قصائد خاصة ومواقف كان من الأحرى اغفالها ناهيك عن نسبة بعض القصائد اليهم وهم براء منها والأدهى من ذلك إقدام البعض من هؤلاء الانتهازيين على العبث بالنصوص سواء بالحذف او التعديل أو الاضافة الأمر الذي لا يمكن قبوله مهما كانت النوايا!!
* ولا يكتفي هؤلاء الانتهازيون بتجاوزاتهم غير المسؤولة هذه، بل يزيدون عليها ما يدمي القلب فهم لا يخجلون عندما يضعون اسماءهم على أعمال غيرهم مسبوقة بكلمة تأليف وهي في حقيقة الأمر جمع فضلاً عن إغفال اسماء مصادرهم التي زوّدتهم بالقصائد رغم أنها تشكل معظم مواد الديوان!.
* إن تركة المبدعين الشعرية لا تقل بحال من الأحوال أهمية عن تركتهم المادية ان لم تكن أهم، خصوصاً انها الابقى لذلك يتحتم على كل شاعر يحترم شاعريته وتهمه بنات افكاره وعصارة مشاعره ان يتولى تنظيم أعماله الأدبية بنفسه قبل ان يودِّع الحياة وتُودِع ابداعاته دور الايتام!! فكثير من الشعراء غادرونا لكن أشعارهم ماثلة حتى يومنا هذا.
إننا نؤمن بأن الأعمار بيد الله لكن عمل الأسباب لا يتنافى مع ذلك ان لم يكن من الواجبات كما هي الحال في سائر شؤون الحياة فكم هو مؤلم مشهد الحراج على مشاعر الشعراء بعد وفاتهم كما لو كانت جزءاً من أثاث منازلهم، وهنا تكمن المشكلة ويتضاعف النزف وتتطاير عصافير الاسئلة!!
|
|
|
|
|