| القوى العاملة
تعرض أحد الزملاء لحادث مروري أدخل على أثره المستشفى وظل يتلقى العلاج لفترة طويلة،وحالته تشهد تحسنا لكن بصورة بطيئة، كانت معنوياته مرتفعة جدا، وهو يرى أقاربه وأصدقاءه وزملاءه حوله أثناء الزيارة، ويحمدون الله على سلامته، مستذكرين دوره الذي كان يقوم به وظيفيا، وما يتمتع به من خلق حسن، وما كان يقدمه من خدمة للجميع، فظل ذلك رصيدا عندهم محتفظين به على الدوام.
عند زيارته الأخيرة لوحظ عليه بعض الضيق رغم أن حالته تتحسن أكثر فأكثر، سألته عن السبب؟
قال: النظام!!
أي نظام تقصد؟
قال: نظام الخدمة المدنية!!
سألته: كيف يتسبب النظام في هذا الضيق؟
قال: انظر الى هذا النظام كيف عالج الحالة المرضية التي يتعرض لها الموظف!! حيث يمنحه اجازة مرضية قدرها ثلاثة اشهر براتب كامل، وثلاثة أشهر بنصف الراتب، وثلاثة أشهر بربع الراتب، وستة أشهر بدون راتب.
ما موقف الموظف من هذا النص المقيد؟
وكيف يطمئن على وضعه وهو يعد الأيام عداً؟
إن معظم الاصابات الناتجة عن حوادث المرور بالذات تستغرق وقتا طويلا في العلاج قد تصل الى سنتين أو ثلاث سنوات فلماذا يضع النظام هذا الحد للاجازة؟
يجب أن ندرك أن هذا النص الوارد بنظام الخدمة المدنية انما صدر في وقت كانت الامكانات الطبية فيه محدودة، وكانت الحالات المرضية وقتها تتكيف مع هذا التنظيم لأن نسبة الحوادث في ذلك الوقت أقل مما هي عليه الآن، ثم ان تطور الطب أدى الى نقلة نوعية هائلة في الخدمة، وتحولت معظم الأمراض التي كانت ضمن قوائم الأمراض المستعصية الى أمراض قابلة للعلاج وان كانت تستغرق وقتا طويلا!!
هذا فيما يخص الجانب الفني للنص!!
أما الجانب الانساني فإن هذا الموظف الذي تعرض للمرض غير قادر على الحكم على وضعه، وكيف تقيد مدة مرضه بفترة محدودة يعامل بموجبها وكأنه راغب في ذلك؟
ألم يقدم مثل هذا الموظف خدمة للجهاز الذي يعمل فيه؟
فأين الضمان الوظيفي لتلك الخدمة؟
وماذا يترتب على ايقاف راتبه وهو في حالة المرض؟
وما ذنب أسرته ومن يعولهم؟
يجب أن ندرك أن المريض عليه التزامات مادية أكثر مما كانت في صحته، فكيف يتعامل مع هذا الوضع؟
ثم إن الجانب النفسي للمريض مهم جدا في مرحلة العلاج وقد يؤدي به هذا الواقع الى انعكاسات سيئة عندما يرى حالته وأطفاله وقد توقف راتبه!!
قد يبرر البعض بأن النظام يمنح هذه الفرصة باعتبار أن الحالة المرضية قد تكون مستعصية، ومن الصعوبة بمكان أن يبقى الموظف على رأس العمل وهو بهذه الحالة، فيعالج وضعه عن طريق الاحالة على التقاعد لظروفه الصحية، وهذه الاحالة فيها مراعاة للوضع، وتميز في الراتب.
صحيح أن هذا الموقف ايجابي ومراعيا للجانب الانساني للموظف، لكن ما نقصده هنا حالة الموظف الذي يستغرق علاجه سنتين أو أكثر، وامكانية شفائه واردة بنسبة كبيرة، والشواهد على ذلك كثيرة، خاصة حالات الأشخاص الذين يتعرضون لاصابات في الدماغ أو الجهاز العصبي، أو الذين يتعرضون لأمراض نفسية.
لو استعرضنا هذا النص لوجدناه قديما من عام 1391ه أي قبل ما يزيد على ثلاثين سنة، وربما كان قبل ذلك فهل من المعقول أن يستمر في مفهومه للحالة المرضية التي يتعرض لها الموظف بنفس المفهوم القائم عام 1391ه ، لا سيما وأن مثل تلك الاجازة تدخل ضمن الحقوق التي تكفلها الأنظمة؟
إن الواقع يفرض علينا مراجعة هذا النص، واعادة دراسته من خلال تقييم الحالة في جانبها الفني والانساني، لنجعل ذلك مخرجا لكثير من الحالات التي تسببت في عناء موظفين كانوا يتطلعون الى الأمام لكن الظروف الصحية أجبرتهم على ترك الوظيفة قسرا وليس رغبة.
لنضع مقارنة بسيطة بين الموظف المريض وبين الشخص المرافق له، نجد ان المريض يقع ضحية مرضه، بينما المرافق يكفل له النظام كامل حقوقه حتى لو استمر سنين طويلة، فأين التوازن هنا؟
قد يكون النظام في بعض مواده عالج حالات المريض الذي يصاب بسبب تأدية العمل حيث يمنحه اجازة براتب كامل لمدة سنة ونصف، لكن هذه المعالجة رغم تميزها تبدو ناقصة، لأن الواقع الحالي يؤكد على أن بعض الحوادث تستغرق وقتا أطول للمعالجة لا يمكن أن يقطع في أمرها بأنها مستعصية، وهو ما بنى عليه النظام آنذاك هذا القيد انطلاقا من مفهومه القائم وقتها بأن هذه المدة كافية للحكم على حالته المرضية، فلماذا يصرف له نصف الراتب عند تمديد الاجازة، واللجنة الطبية المختصة هي التي قررت تمديد اجازته؟؟؟, وهذا يعني أن احتفال شفائه وارد!!؟؟
إن الواقع والظروف الحالية يستلزمان اعادة النظر في هذا النص بما يتناسب معهما من أجل المحافظة على هذا الموظف الذي ليس بحاجة الى معاناة وهو مريض أصلا.
إنها خاطرة استوجبت هذا الطرح من خلال الادراك بأن المسؤولين في أجهزة الخدمة المدنية لا يألون جهدا في تطوير أنظمتها، بما يحقق المصلحة العامة للجميع، ولعل مبادرات معالي وزير الخدمة المدنية في معالجة وطرح كثير من القضايا والجوانب التي تهم الموظفين هي التي تدفعنا الى هذا الطرح وكلنا ثقة في حرص معاليه على الوقوف بجانب حقوق الموظف ودعمها لاسيما ذات الجانب الانساني، فله من كافة الموظفين كل الشكر والامتنان,وبالله التوفيق,.
سليمان بن محمد الجريش ص,ب: 26252 الرياض 11486
|
|
|
|
|