| متابعة
* كتب - المحرر السياسي
استكمالاً لجولته الناجحة في عدد من الدول الآسيوية يتوجه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام إلى جمهورية كازاخستان وهي احدى جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية.
وتعد الزيارة التي سيقوم بها سمو النائب الثاني إلى هذه الجمهورية الإسلامية الأولى من نوعها التي يزور فيها مسؤول سعودي على هذا المستوى الرفيع هذه الجمهورية.
والواقع ان الاهتمام السعودي بالجمهوريات الاسلامية في آسيا الوسطى الذي اتخذ زخماً هائلاً منذ مطلع التسعينيات بعد حصول هذه الدول على استقلالها عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، هذا الاهتمام السعودي انما يعزى إلى أسباب عدة.
فمن ناحية يأتي التوجه السعودي شطر هذه الجمهوريات مرتكزاً على مبادئ راسخة وقواعد رصينة تقوم عليها السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية ولا سيما مبدأ محورية الإسلام كموجه ومحدد رئيسي للتحرك السياسي والدبلوماسي السعودي على الصعيدين الاقليمي والدولي، ومن هنا حرصت الدبلوماسية السعودية ولا تزال منذ استقلال هذه الجمهوريات بل حتى قبل ذلك بعقود على أن توليها أهمية متقدمة في أولويات السياسة الخارجية السعودية لادراكها التام بالترابط الديني والحضاري والثقافي والانساني بين المملكة وهذه الدول، وانه رغم البعد الجغرافي النسبي بين المملكة والجمهوريات الإسلامية المستقلة في آسيا الوسطى فإنها قريبة منها وإليها، ومن ناحية أخرى تعي المملكة العربية السعودية ان هذه الدول مثلت عبر التاريخ طرقاً للقوافل التجارية التي سلكها العرب إلى بلاد ما وراء النهر ولعل أشهر هذه الطرق طريق الحرير التاريخي، وهذه كلها عناصر مهمة توفر سيلاً للتقارب والترابط تجعل من اليسير بناء شبكة قوية من العلاقات المشتركة القائمة على المنافع المتبادلة في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ولا سيما في وقت بدأ العالم يعيد النظر فيه من أجل اعادة اكتشاف هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية المتعاظمة التي تشهد منذ العقد الماضي تنافساً دولياً واقليمياً محموماً.
ومن جهة ثالثة فطنت الدبلوماسية السعودية إلى الحاجة الماسة لهذه الجمهوريات للتواصل مع العالم العربي والإسلامي ولا سيما لملء الفراغ الايديولوجي الناجم عن انهيار الاتحاد السوفيتي وتنافس القوى الكبرى والاقليمية لمد نفوذها إلى المنطقة كالولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وايران بل وحتى اسرائيل, فكان التوجه السعودي إلى مد جسور التعاون وبناء الثقة المتبادلة مع الجمهوريات الآسيوية الإسلامية لتعميق أواصر التعاون الثقافي والحضاري والديني معها وتعريف أبنائها بالصورة الصحيحة والمبادئ السمحة للإسلام الحنيف.
وفي هذا السياق تأتي زيارة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز تتويجاً للجهود التي تبذلها المملكة العربية السعودية من أجل خدمة الدعوة الإسلامية ورعاية المسلمين في شتى أنحاء المعمورة.
جمهورية كازاخستان: الموقع والإمكانات
تعد كازاخستان احدى الجمهوريات الإسلامية الخمس الواقعة في منطقة تركستان الغربية بآسيا الوسطى وهي أوزبكستان وتركمنستان وطاجيكستان وقيرقيزيا بالاضافة إلى أذربيجان.
وتعد منطقة التركستان الغربية من أكثر مناطق الاتحاد السوفيتي السابق كثافة بالسكان المسلمين حيث يعيش بها حوالي 75% من مسلمي الاتحاد السوفيتي السابق.
وكلمة كازاخستان تعني أرض الكازاخ أو القوزاق، وهي أكبر الجمهوريات السوفيتية الإسلامية، وثاني أكبر جمهورية في الاتحاد السوفيتي السابق بعد روسيا الاتحادية.
تبلغ مساحة كازاخستان 2,713 مليون كم2 ممتدة من دلتا نهر الفولجا في الغرب إلى حدود الصين شرقاً، ومن سيبيريا في الشمال إلى أوزبكستان في الجنوب الغربي وقرقيزيا,, في الجنوب، وتركمنستان في الجنوب الشرقي، وبهذه المساحة تعادل كازاخستان مساحة قارة أوروبا تقريباً.
أما التركيب السكاني والعرقي فيشكل فيه الكازاخ نحو 39,6% من اجمالي عدد السكان ثم الروس 37,8% فالأوكرانيون 5,4% فالأوزبك 5,4% وأخيراً المنحدرون من أصل بيلاروس 2,1%.
واللغة الرسمية للبلاد اللغة الروسية والكازاخستية، ومن الناحية الإدارية تنقسم كازاخستان الى 19 مقاطعة ادارية، وبوجه عام لا توجد موانىء خارجية لجمهورية كازاخستان باستثناء ميناء صغير على بحر قزوين.
عاصمتها أكاتا أي مدينة التفاح وأهم مدنها فارياب التي خرج منها الفيلسوف المسلم أبو النصر الفارابي ومدينة سمرقند التي تشتهر بمناجم الفحم، ومدينة أور تبرغ التي تمتاز بمعالمها الإسلامية ومساجدها الأثرية وهناك مدينة بايكانور التي يوجد بها أهم وأكبر مراكز الأبحاث النووية وقاعدة لاطلاق سفن الفضاء.
ومن الناحية السياسية، أعلنت كازاخستان استقلالها عن الاتحاد السوفيتي في 15 ديسمبر عام 1991 واتخذ البرلمان قرار الاستقلال والانفصال عن الكومنولث الجديد التي تكون على اثر انهيار الاتحاد السوفيتي، وتم تعيين نور سلطان نزار باييف رئيساً للجمهورية وهو الرئيس الحالي للبلاد.
وقد أصبحت جمهورية كازاخستان عضواً في الأمم المتحدة ورابطة دول الكومنولث المستقلة ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وكانت كازاخستان احدى الجمهوريات السوفيتية الخمس عشرة المكونة للاتحاد السوفيتي منذ العام 1936، وقبيل ذلك خضعت للاحتلال الروسي في العهد القيصري خلال الفترة من 1730 1853 وتاريخياً انتشر المغول في المنطقة التي تشكلها كازاخستان حالياً منذ القرن الثالث عشر الميلادي وحتى مجيء الغزو الروسي القيصري للمنطقة مطلع القرن الثامن عشر.
وعلى الصعيد الاقتصادي فقد وهب الله تعالى جمهورية كازاخستان موارد هائلة وضخمة معدنية وزراعية، فهي تمتلك كميات كبيرة من المعادن والمواد الخام كالألومنيوم والنحاس والرصاص والحديد فضلاً عن الفحم والفوسفات والنيكل، كما تنتج كازاخستان الكثير من المعادن النادرة كالذهب والفضة والزئبق والتنجستين والتيتانيوم, كما يوجد بها كميات احتياطية مؤكدة لا بأس بها من البترول وان لم يتم استغلاله بعد بالشكل الملائم مع عدم وجود موانىء بحرية يمكن التصدير عبرها، وبالرغم من هذه الامكانات الهائلة الا ان البلاد تعاني منذ استقلالها عام 1991 من أوضاع اقتصادية متدهورة ولذلك اتجهت إلى اتباع برنامج للاصلاح الاقتصادي وادخال نظام الخصخصة واقتصاد السوق بهدف رفع الانتاجية وتشجيع الاستثمارات الأجنبية واستيراد التكنولوجيا الحديثة اللازمة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
الإسلام في كازاخستان
يدين غالبية سكان جمهورية كازاخستان بالإسلام على المذهب السني وقد عرفت كازاخستان الإسلام منذ وقت مبكر ويرجع الفضل للقائد المسلم قتيبة بن مسلم الباهلي في توطيد اركان الإسلام في منطقة تركستان الغربية خلال القرن الهجري الأول حيث استطاع السيطرة على المنطقة بكاملها وبني مسجداً في بخارى سمي باسمه, وخلال العهد العباسي توسعت العلاقات مع هذه المنطقة عن طريق الدعاة والتجار المسلمين على ان المسلمين عانوا الأمرين من قتل وتعذيب وطرد واضطهاد خلال فترة الحكم القيصري ثم السوفيتي، ولولا ان الكازاخ صدوا وتميزوا بخصوبة عالية في الانجاب لانقرضوا في وطنهم كالهنود الحمر في الولايات المتحدة.
وقد حرصت المملكة العربية السعودية على التواصل مع مسلمي كازاخستان الذين بدورهم ينظرون الى المملكة نظرة إكبار وتقدير لدورها الكبير وعطائها غير المنقطع في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين, وقد كانت لفتة طيبة من خادم الحرمين الشريفين عام 1990م إصداره قراراً بتزويد مسلمي الاتحاد السوفيتي ومنهم كازاخستان بنحو مليون نسخة من القرآن الكريم كما حرصت المملكة على إشراك مسلمي الاتحاد السوفيتي في المسابقات الدولية التي تنظمها المملكة لتلاوة القرآن الكريم وذلك لحرصهم على الاهتمام بتلاوة القرآن العظيم وتجويده.
كما استضاف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز عام 1990م نحو 1527 حاج من مسلمي الاتحاد السوفيتي لأداء مناسك الحج على نفقته الشخصية الخاصة ووزع عليهم نسخاً من المصحف الشريف.
وفي العام 1992م قامت المملكة ببناء ثلاثة مساجد في الدول الإسلامية بآسيا منها مسجدان بكازاخستان، كما تم افتتاح 6 مراكز لتعليم القرآن الكريم قبل عام 1993م.
العلاقات السعودية الكازاخستانية
لم تكتف المملكة العربية السعودية بالتواصل الحضاري والديني والثقافي مع جمهورية كازاخستان ولكنها حرصت على توثيق الروابط السياسية والاقتصادية معها كذلك.
ولذلك في يناير عام 1992م صدر بيان عن مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز اعترفت خلاله المملكة باستقلال الجمهوريات الإسلامية التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي، ورحبت بهذا الاستقلال، وقد تضمن البيان ذكر هذه الدول حصراً واسما وليس مجرد اشارة اليها بما يعني ان المملكة اعترفت باستقلال هذه الدول اعترافاً سياسياً وقانونياً صريحاً لا يرقى إليه ادنى شك.
ومنذ استقلال جمهورية كازاخستان توالت الزيارات الرسمية بينها وبين المملكة العربية السعودية, فقد قام الرئيس سلطان نور نزار باييف بزيارة الرياض في سبتمبر عام 1994م حيث اجرى مباحثات مع خادم الحرمين الشريفين وولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وأكد باييف خلال الزيارة ان بلاده تنظر الى المملكة العربية السعودية كعامل استقرار رئيسي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بحكم موقعها الاستراتيجي وشكلها السياسي والحضاري على الصعيدين الدولي والإقليمي.
وفي فبراير من عام 1992م قام سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بزيارة رسمية الى كازاخستان اجرى خلالها مباحثات مع كبار المسؤولين الكازاخ وسلم الرئيس الكازاخستاني رسالة خطية من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز تتعلق بسبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.
وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية فإنها ما زالت في طور التكون والاستكشاف وكان وفد من رجال الأعمال السعوديين برئاسة رئيس الغرفة التجارية السعودية السيد عبدالرحمن الجريسي قد قام بزيارة الى كازاخستان عام 1996م لبحث إمكانات التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع نظرائه هناك.
والواقع ان هناك فرصا كبيرة لدعم العلاقات الاقتصادية بين كازاخستان والمملكة حيث تمتلك هذه البلاد ثروات طبيعية ومعدنية هائلة وواعدة وغير مستغلة حتى الآن فضلاً عن انها تمثل سوقاً واسعاً قوامه 20 مليون نسمة وهي في حاجة الى الصادرات السعودية من السلع والمواد الغذائية والأجهزة والمعدات وصناعة الأخشاب فضلاً عن توافر فرص استتثمارية غير مسبوقة في كازاخستان ولا سيما في ظل الحوافز التي وفرتها الدولة للمستثمرين الأجانب وتوافر الايادي العاملة الفنية الرخيصة بها في ظل ارتفاع نسبة التعليم العالي في البلاد.
وصفوة القول: ان العلاقات بين المملكة العربية السعودية وجمهورية كازاخستان تنطلق من الأسس الحضارية والثقافية مما يجعلها مؤهلة لتجاوز مرحلة بناء الثقة المتبادلة الى مرحلة بناء شراكة مستقبلية متعددة الأركان السياسية والاقتصادية والتجارية، ولا شك ان الزيارات الرسمية المتبادلة على مستوى المسؤولين الكبار في البلدين ستدفع في هذا الاتجاه.
|
|
|
|
|