أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 31th October,2000العدد:10260الطبعةالاولـيالثلاثاء 4 ,شعبان 1421

مقـالات

أربع رسامات تشكيليات من البحرين
منى عبدالله الذكير
الفن التشكيلي لغة خاصة جميلة ومتميزة ونوعية أيضا، تجسد لرؤية عالم يشكل ملامح ما وبذلك نستطيع القول ان الفن التشكيلي المعاصر يربط بين الحدث الفني بحد ذاته وبين القيم والمثل السائدة التي يحملها هذا العصر, انه يعبر عن مفهوم الإنسان وعلاقاته مع كل ما حوله في هذا العالم المترامي, وهو بالتالي لا يملك أي,, الفن,, غير المطالبة الملحة بحرية التعبير في أكبر قسط للوصول إلى الغاية المثلى عند تجسيد الفكرة التي هي روح الفن ومبتغاه, كل ذلك داخل أطر اللوحة المرسومة بحرفة أو بارتجال, نتساءل قبل الإيغال في الجدلية,,
أين هي المرأة المبدعة رسما من كل هذا؟ الرد قد نجد جزءا منه لدى غاليري دار البارح في المنامة, في صالة العرض الأنيقة أقيم معرض لأربع فنانات تشكيليات من البحرين, وداخل البطاقة الجميلة التي يقدمها الغاليري للضيوف نبذة مختزلة عن المعنى,, تقول: إيمانا منا بدور المرأة المبدعة في نشر الوعي الثقافي والحضاري ,, حسب علمي إنها المرة الأولى التي يقام بها معرض منفرد لفنانات تشكيليات المتعارف ان يشتركن بلوحاتهن مع مجموعة من زملائهن الرجال التشكيليين كل عام تحت رعاية وزارة الإعلام في قاعة المتحف الوطني في المنامة.
في عودة إلى اللوحات المعروضة فقد كانت تحمل اتجاهات تتماوج بين الرمزية والانطباعية بعضها يكثر من الزخرف,
بالطبع بعض الفنانين يميلون إلى إرضاء المقتني حيث يضع البعض أسعارا كبيرة للوحاتهم,, انه تقييم الذات وتقدير الجهد,, فقط تستطيع شراء اللوحة أو التأمل والابتعاد,,
على العموم الألوان تتراوح بين القاتمة والهادئة, مساحات من الانفجارات اللونية.
وكلها تقريبا تستمد مقوماتها من المكان والبيئة, البحر والنخيل,, كانت لوحات الفنانة فائقة الحسن في مجملها تعبيرية تقترب من التجريد,, لا تبعتد كثيرا عن واقع الحياة في البحرين حيث طقوس القرية تظهر البيوت البسيطة والنخيل الكث والوجوه الساكنة ذات التعبير المتأجج,, حتى الكتابات او الخربشة على جدران المنازل,, بدا وكأنه التقليد الأكثر انتشارا في قرى البحرين حيث الجدر تتحول الى صحف تستطيع قراءة ما تشاء من انفعالات المجتمع الآني والقادم,, تبدأ بمانشيت وتليه كتابات ومطالبات ولا يخلو الأمر من بعض الرسومات,,
إنها مطبوعات ذات مدى رحب من الحرية في التعبير غير متاح للعديد من الصحف الأخرى, نستطيع الجزم بأن اللوحات في مجملها ذات عمق فكري وومضة إنسانية تميز الأنثى, فيها تلقائية وفرح,, هنا يصبح الوعي بأهمية الفن لكونه يثقل الواقع ليس بشكله المباشر والحاد ولكن مختلطا بإضاءات نفسية ذات مغزي فلسفي, كانت لوحات الفنانات الأربع تشير إلى ان هناك علاقة مطردة بين الشكل والمضمون حيث تقنيات اللون تستخدم بشكل محترف واثق لدى الفنانة هلا آل خليفة عدد من لوحاتها ذات ألوان شفافة ضبابية إنها جو البحرين في ساعات الفجر، تهاويم,,
تدعوك للغوص في عوالم من الضياء تفكر وتحلم,, لوحات لها أخرى ضخمة ومترامية ذات ألوان زاعقة,, تسعى الى ملامسة الواقع من بعيد إنها تأخذ بالفن المعاصر يستمد مقوماته من التراث تارة ومن روح العصر والتطور والتجديد تارة أخرى, ان الصلة بين الافكار لديها وبين التطبيق عملية تخضع للتقنية التي كما يبدو تدربت عليها جيدا,,
لأن الرسم في هذا الوقت مثل اي حرفة يبرز بالدراسة والتدريب ولكن الإبداع يسبغ عليه التميز والروعة,, نعود الى نبيلة الخير التي ارادت الخروج من مجالات تأطير الفن داخل هيكل شروط مسبقا بما هو متعارف عليه,,
وبما تحمله اللوحة من خواص يدركها المتلقي دون جهد يذكر بل سعت جاهدة ومن خلال طرحها لمسطحات لونية مترامية زرقاء تارة صفراء حينا آخر كلها ذات حميمية ودفء ملحوظ وان تلتزم جانب التقديم لكل ما هو جديد والطيران في فضاء الحرية الفكرية دون عوائق تذكر، ألوانها رحبة منيرة تحاول امتلاك إبداعها الذاتي ومده الى اقصاه, ان المصادر التاريخية والتراثية للبيئة الخليجية,,
ساهمت دون شك في بلورة التقنية الحرفية عند نبيلة في تناول الموضوعات بإحساس البعد التجريبي والإنساني وحتى التفسير السيكولوجي,, إن التجريد والرمز والواقع محاولة لديها في ان يسهم الفن في تغيير الوعي الجمالي نحو الكمال,
نستطيع القول ان اللوحات جميعها كانت تحمل عذوبة خاصة وغنائية شعرية ذات موسيقى داخلية تتآلف مع اللون بشكل هارموني جذاب,,
تغلب عليها عفوية الخطوط وتماوج الظلال مع الضوء وطرافة الارتجال او حتى نستطيع العودة بها الى المصادفة او الاحتمال,,
وان الانطباعية الحديثة تسعى الى بعثرة الضوء بإضاءات لونية مستقلة، حيث تبدو بعض اللوحات غاتمة ومتقاطعة ولكن تجمعها لغة تعبيرية واحدة متجانسة من خلال تناغم ضربات متقنة للفرشاة وموسيقى العلاقات المتراكمة بين الفكر والشكل والمضمون.
اما الفنانة لبنى الأمين فقد لاحظنا لديها مهارة فنية عالية في تشخيص البيئة المحلية من خلال معالجات عفوية عندما استخدمت أجزاء من باب بوخوخة التقليدي في كل دول الخليج العربي ذي المسامير مستديرة الرؤوس وأسبغت عليها بألوان نارية وملتهبة,
فقد حاولت تجاوز القلق الخفي لدى الفنان عند استحضار رؤاه الخاصة في التجسيد, وتطبيق تقنياته,, ذلك القلق عادة يقود الى التجديد ومن ثم الى الإبداع وبذلك فقد سعت لبنى الى استنباط نماذج قد تكون مطروقة من قبل ولكن حولتها بكل بساطة لشكل غير مألوف,, من خلال التعامل المباشر مع مواد من البيئة,.
إنها تدرك خصائص بيئتنا الخليجية وغناها بالألوان والطرافة الحنون وظفتها بذكاء فأغنت الموروث بروح أنثوية أكاديمية.
لقد كان حضورا انثوياً كبيرا جمع اربع فنانات تشكيليات من البحرين,, يمتلكن المثابرة والتصميم للتوغل في عرق الطبيعة الفتية وتتجمع لديهن وسائل تعبيرية متناغمة زاخرة بالحركة والجمال ذو قانون خاص ومتفرد لا بد أن نؤكد في النهاية ان فن الرسم يجب في المقام الاول ان يحمل القلق وان يعكس الهم اليومي للانسان ويدعو الى الخلاص او الانطلاق في رحاب الفكر,, وإلا اصبحت اللوحات مجرد مسطحات تحمل ألوانا وربما تقدم الواقع بحذافيره دون رؤية إبداعية خلاقة,,
إنها معضلة الفنان التشكيلي في كل مكان ونعني بها ان يتقن قواعد العمل الفني بحرفية ومهارة لونية وذائقة جمالية وفي ذات الوقت مطلوب منه تقديم رؤية إبداعية غير تقليدية,, انه مدعو دوما الى التجديد والإبحار في عوالم الإبداع ليمنح الحياة معنى وحلاوة.

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved