أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 30th October,2000العدد:10259الطبعةالاولـيالأثنين 3 ,شعبان 1421

محليــات

المتغيرات الاجتماعية ودورها في زيادة الحوادث المرورية
عميد د, صالح بن محمد المالك
الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية أصبحت مشكلة اجتماعية كبيرة يعاني منها الصغير قبل الكبير والقادر قبل العاجز والصحيح قبل المريض, لذا أصبح لزاما علينا التعرف على الأسباب الحقيقية التي دعت الى تفاقم هذه المشكلة.
ولكي نستطيع التعرف على الأسباب الحقيقية لأي مشكلة اجتماعية، فان ذلك يتطلب دراسة دقيقة لضحايا هذه المشكلة، ولن تتم دراسة هذه الفئة، والتعرف على أسباب تورطهم في تلك المشكلة الا من خلال دراسة المجتمع من جميع النواحي التنموية التي ساعدت على احداث التغييرات الاجتماعية في هذا المجتمع, وذلك لتحديد الخلل والاضطرابات في الآفاق الاجتماعية التي تساهم في احداث ظروف تدفع بالفرد الى ارتكاب المخالفات والمشاكل الاجتماعية.
لذا لابد أولا من دراسة البناء الاجتماعي الذي نشأت فيه المخالفات والحوادث المرورية دراسة كلية متكاملة من الناحية التاريخية والسياسية والدينية والاقتصادية والتعليمية والاعلامية وكذلك التطور الذي حدث في المملكة العربية السعودية في بناء الطرق وتطور وسائل المواصلات وزيادة عدد السيارات وكذلك سهولة قيادة السيارة في المملكة؛ مما ساعد على خلق مثل هذه المشاكل المرورية، لكي نستند على أسس نظرية من أهمها فكرة ان الانسان اجتماعي بطبعه، بمعنى انه متعدد الجوانب يجمع في كيان واحد، الجوانب الاقتصادية والسياسية والدينية والثقافية وغيرها مما يحدد سلوكه ويؤثر في طبيعته.
وهذا يتلاءم مع تفسير علم اجتماع الجريمة للظاهرة الاجرامية بحيث ينظر للانسان بأنه كائن اجتماعي تتحد سلوكياته وأفعاله في ضوء مجموعة من العوامل الاجتماعية والدينية والنفسية والسياسية والاقتصادية.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن أي تفسير لظاهرة الجريمة دون نظرة الى المجتمع باعتباره وحدة كلية يعتبر تفسيرا خاطئا، وان دراسة أي ظاهرة اجتماعية ومن ضمنها ظاهرة الجريمة ينبغي ربطها بالطابع الكلي للتنظيم الاجتماعي وبثقافة المجتمع عارف 1987م , ويبدو مما سبق ان على الباحث في مشكلة الحوادث المرورية ان يسعى الى دراسة المجتمع ونظمه الاجتماعية الشاملة لتحديد العناصر والسمات الاجتماعية والثقافية التي غالبا ما تؤدي الى مثل هذه المشاكل الاجتماعية,, ولكن هذا لا يمنع من دراسة مرتكب المخالفات والحوادث المرورية نفسه، لفهم سلوكه ككائن فعال له القدرة على اتخاذ القرارات التي تشكل سلوك حياته، وذلك للتعرف عليه والظروف المحيطة به في ضوء تأويله الذاتي لتلك المخالفات والحوادث.
لذا أرى من الضرورة بمكان اجراء بعض المقابلات الجماعية والفردية مع مجموعة من مرتكبي المخالفات والحوادث المرورية، وكذلك بعض المقابلات الأخرى مع من لهم علاقة بهذه المشكلة، للتعرف على الطريقة التي يتحدد بمقتضاها السلوك، وكذلك الأسلوب الذي يفسر أو يفهم بمقتضاه الفرد العالم الذي يعيش فيه، وذلك لتفسير ظاهرة المخالفات والحوادث المرورية من خلال تتبع عوامل وظروف قائمة في البناء الاجتماعي للمجتمع وثقافته، وكذلك دراسة العلاقات والتفاعل بين المخالف والمجتمع لتحديد العوامل المرتبطة بزيادة حجم هذه المشكلة.
ذلك لربط الجزء وهو المخالف والمخالفة بالكل وهو المجتمع وبذلك نكون قمنا بدراسة المخالفة من خلال دراسة المخالف نفسه للكشف عن العوامل الاجتماعية المتعددة في المجتمع التي تساهم بخلق ظروف ملائمة لارتكاب المخالفات والحوادث المرورية، ولا شك ان ربط الظاهرة محل الدراسة في البناء الاجتماعي سوف تلقي مزيدا من الضوء على مجموعة القوى والعوامل التي تكمن وراء ممارسة الفرد للمخالفات والحوادث المرورية.
وفي مقالة كتبها الدكتور علي الغامدي اختصر أهم العوامل العامة التي ساعدت على ازدياد حجم مشكلة حوادث المرور في المملكة العربية السعودية خلال العقدين الماضيين في الآتي.
* التطور السريع في عدد المركبات وبالتالي ارتفاع حجم المرور على الطرق.
* التطور السريع في شبكة الطرق داخل المدن وخارجها صاحب ذلك انتشار الطرق السريعة.
* النمو الاقتصادي الضخم والسريع مما جعل الحركة التجارية داخل البلد تسير بسرعة هائلة.
* المدنية السريعة التي عاشها المجتمع السعودي والرفاهية الملحوظة التي صاحبت ذلك التمدن وكان أبرز ذلك الاعتماد الكبير على السيارة لجميع أفراد الأسرة، مما زاد من حجم حركة المرور على الطرق خاصة داخل المدن.
* استجابة لحاجة التنمية فقد قدم الى المملكة ملايين من المقيمين الذين قدموا من دول متعددة لها سلوكياتها الحضارية وعاداتها المختلفة مما كون شريحة أخرى وسط مجتمع السائقين.
مما تقدم يتضح ان المملكة العربية السعودية قطعت شوطا كبيرا جدا في التقدم والتطور في فترة زمنية قصيرة سواء كان ذلك في النواحي الاقتصادية أو التقنية أو كان ذلك في البناء وتخطيط الطرق وتطور وسائل المواصلات كالسيارات وغيرها، خاصة بالمدن الكبيرة مما ترتب عليه ازدياد في الهجرة من القرى والمدن الصغيرة الى المدن الكبيرة مما ساعد على ازدحام الحركة المرورية في هذه المدن وترتب عليها زيادة في الحوادث المرورية.
هذا التقدم الكبير الذي يضاهي الموجود في بعض الدول المتقدمة لم يواكبه تقدم ملموس في عقليات وتصرفات وقناعات نسبة كبيرة من الشعب السعودي مما أوجد لدينا مشاكل كثيرة يصعب حلها ويشير الوهيد 1996م ان الخلل يعود الى الهوة الثقافية ويقصد بذلك التقدم التكنولوجي الذي لم يوافق تقدم في النواحي الثقافية والوعي العام مما يبدو واضحا من تصرفات نسبة كبيرة من المجتمع السعودي خاصة من صغار السن أو من أصحاب المؤهلات العلمية المتواضعة، كالتعامل مثلا مع أنظمة السير، والتعامل مع الآلة ومع الآخرين.
وتظل قضايا التخلف المعنوي تشكل عائقا أمام الاستفادة من معطيات التكنولوجيا ومن ضمنها السيارات لسبب جوهري وهو عدم الاعداد الاجتماعي قبل نقل التقنية, وذلك لأن التغيير التكنولوجي يحتاج للمال وزمن قصير للنقل، أما تغيير القيم الاجتماعية لمسايرة التقنية فهي قضية تستغرق زمنا طويلا وتحتاج الى تضافر الجهود الاجتماعية والاعلامية ومؤسسات التوعية وغيرها من قوى المجتمع للوعي أولا بمفاهيم المركبة، الطريق، مستخدم الطريق ثم تحديد حقوق وواجبات الأفراد والجماعات في استخدام تسهيلات التنقل ضمن ضوابط المصلحة العامة.
ويأتي في مقدمة مشاكل الهوة الثقافية مشكلة الحوادث المرورية نتيجة للاختلاف بين قيم الانسان وشروط استخدام المركبة، مما يقودنا الى حالة تشهد فيها الطرقات حوادث مؤسفة تروح ضحيتها أرواح بريئة، وتنجم عنها اصابات بشرية وخسائر مادية تشكل عبئا أو بالأصح كابوسا يجثم على صدر المجتمع السعودي بشقيه الرسمي مثل الأجهزة التنفيذية والتنظيمية المعنية بالمرور والمواصلات وعلى الشق الشعبي المستفيد من خدمات السير والمواصلات وفيما يلي أبرز المؤثرات القيمية المؤدية الى مشاكل وحوادث المرور.
1 ان السيارة وسيلة للتنفيس حيث يقود الشباب سياراتهم بطريقة عشوائية ملفتة للنظر، ويطوفون بها الشوارع والطرقات بسرعة جنونية كما لو كانوا في مضمار السباق، وتنعدم عندهم روح المسؤولية أثناء قيادتهم لسياراتهم، وكلما كانت السيارة حديثة وجديدة وقوية كلما أدى ذلك الى زيادة الثقة في نفس الشباب, فيصبح جريئا متحديا كل اشارة أو سيارة أو حافلة تحاول اجتيازه أو اعتراض طريقه، وكثيرا ما يلجأ الشباب الى الألعاب الاستعراضية أمام مرآى ومسمع من الآخرين د, الوهيد 1996م .
2 ان السيارة وسيلة للتباهي والتفاخر عند الشباب وليست وسيلة نقل، فالسيارة تعطي الشباب مكانة نفسية خاصة، ولذلك يعتقد الشباب ان نوع السيارة وطرازها وصنعها له أهمية في قلوب الناس، ومن خلاله يتم الحكم على صاحب السيارة، فالسيارة عند الشباب ما هي الا وسيلة لجذب الانتباه وانتزاع الاعجاب من الآخرين وخصوصا الجنس الآخر، وبمقياس الشباب أيضا يتم الحكم على المكانة الاجتماعية والاقتصادية للفرد من خلال النظر الى السيارة التي يقودها الصراف 1992م .
وهذا يؤكد ما ورد في الدراسة التي قامت بها اللجنة الوطنية للسلامة المرورية من أن كثيرا من أخطاء السائقين بالمملكة أثناء القيادة أخطاء شائعة مما جعل منها نمطا شائعا لعادات اجتماعية يتعلمها الفرد ويقلد فيها الآخرين وأصبحت جزءا من سلوكه الفردي الذي يقوم به للتوافق مع العادات السلوكية الشائعة حتى وان كانت هذه العادات قد تختلف مع مفاهيم الفرد واعتبارها عادات خاطئة.
ومن خلال ما تقدم أرى ان الحل الأشمل والأكثر فعالية واستمرارا في تعديل السلوك انما يقوم على برنامج التخطيط لحملة توعية عامة مستمرة ومنتظمة تشارك فيها جميع الجهات الحكومية الوزارات والادارات والمؤسسات الخاصة ابتداء من الأسرة والمدرسة على اختلاف مستوياتها الدراسية وكذلك وسائل الاعلام على اختلاف أنواعها مع التركيز على التلفزيون لأهميته بالاضافة الى الاستعانة برجال العلم والفكر وغيرهم من المشاهير من اللاعبين والفنانين لتقديم رسالة اعلامية مدروسة ومنظمة باسلوب علمي شيق وذلك لمحاولة تنمية الوعي المروري لدى مستخدمي الطريق السائقين والراكبين والمشاة وكذلك عقد الدورات التدريبية والتأهيلية لرجال المرور على اختلاف مستوياتهم للرفع من مستوياتهم الثقافية واسلوب تعاملهم مع مستخدمي الطريق اضافة الى ضرورة تطبيق النظام العقوبات بحق جميع مرتكبي المخالفات والحوادث المرورية دون استثناءات مهما كانت الظروف, وهذا ما تقوم به الآن مديرية الامن العام من خلال الحملة الوطنية متمنين لهم التوفيق في جميع خطواتهم التوعوية.
* الهوامش:
1 محمد عارف، محاضرة عن النظرية في علم الاجتماع، غير منشورة، قسم الاجتماع، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية، الرياض 1987م.
2 د, علي الغامدي، مقالة تم نشرها في جريدة الرياض العدد 10654 وتاريخ 25/8/1997م.
3 د, محمد الوهيد، بحث القيم الاجتماعية وأثرها على مشكلة المرور الندوة العلمية الأربعون أساليب ووسائل الحد من حوادث المرور المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض 1996م.
4 د, قاسم الصراف، بحث الاتجاهات النفسية للشباب، الجانب المنسي في التغطية المرورية، المؤتمر الخليجي الأول، الكويت من 2 الى 4/11/1992م.
5 د, عبدالله النافع، د, خالد السيف، تحليل الخصائص النفسية والاجتماعية المتعلقة بسلوك قيادة السيارات بالمملكة، ادارة البحث العلمي، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، الرياض 1988م.
* دكتوراه في التخطيط لحملات التوعية العامة

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved