أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 30th October,2000العدد:10259الطبعةالاولـيالأثنين 3 ,شعبان 1421

الاقتصادية

أوبك ومنظور السعر العادل للنفط
لعلنا لا نكون جانبنا الصواب اذا قلنا ان نشأة منظمة الاقطار المصدرة للنفط (أوبك) عام 1960م من اهم افرازات الالفية الاولى بالنسبة للدول المصدرة للنفط, القارىء للتاريخ الحديث على مدى العقود الاربعة الماضية التي تلت تأسيس المنظمة يلحظ منعطفين خطيرين مرت بهما المنظمة: الاول عقب حرب 1973 بين العرب واسرائيل حيث قفزت اسعار النفط الى ارقام فلكية مقارنة بأسعاره قبل الحرب مما نتج عنه زيادة كبيرة في مداخيل الدول المصدرة له واخص الدول الخليجية منها, والثاني على مشارف نهاية الالفية الاولى حيث وصلت فيه اسعار الخام الى مستويات متدنية جدا لا تعكس اهمية هذه السلعة الاستراتيجية (باستثناء فترات بسيطة من التغير الإيجابي لأسعاره) وفي مؤتمر كاراكاس الثاني 2000م سلكت دول أوبك المسار الصحيح بالتضامن مع الدول المنتجة من خارج اوبك من اجل وقف الانهيارات المتكررة لأسعار النفط والعمل على استقرارها ما بين 22 28 دولاراً للبرميل مع الاستعداد التام لزيادة المعروض من النفط للمحافظة على استقرار السوق البترولية وضمان الامدادات الكافية لتلبية الطلب العالمي, الغريب هنا ان الدول المستهلكة الرئيسية لم يرق لها هذا الارتفاع التصحيحي لاسعار النفط فبدأت بالتهديد تارة وبالتلويح بعصا العقوبات الاقتصادية تارة اخرى وقد اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية ان سعر 38 دولارا للبرميل بمثابة خطر محدق بالاقتصاد الامريكي والغربي مما اعاد الى الاذهان صورة كارتل أوبك السبعينيات الميلادية.
تكمن اهمية النفط كونه مصدرا هاما للطاقة لسهولة استخدامه وشدة احتراقه ونظافته اضافة الى سهولة نقله وتخزينه ناهيك عن تكاليف استخراجه يضاف الى ذلك فهو مُدخل رئيسي للصناعات البتروكيماوية المختلفة.
السؤال الذي يطرح نفسه ولماذا النفط؟ هل يستحق هذه الضجة الاعلامية الواسعة من تعليقات وتحليلات وتهديدات عندما بدأت اسعاره بالارتفاع؟ أليس هناك الكثير والكثير من السلع التي ترتفع اسعارها بشكل دائم؟ للاجابة على هذه التساؤلات لابد لنا من الالمام بخلفية بسيطة عن هذه السوق المعقدة, فالسوق النفطية تمتاز بمواصفات قد لا توجد في الاسواق الاخرى، هناك عدد قليل من المنتجين (يسمى في الادب الاقتصادي احتكار القلة) ومعظم الانتاج يستهلك من قبل عدد قليل من الدول كما ان مرونة الطلب على هذه السلعة الاستراتيجية تُوصف بأنها قليلة (غير مرنة) في الاجل القصير مما يترتب عليه صعوبة في ايجاد بدائل قوية لها في الاجل القصير والمتوسط اضافة الى ما ذُكر فهي سلعة استراتيجية ومهمة للاستخدامات الاقتصادية والصناعية والعسكرية.
هذه العوامل مجتمعة جعلت هذه السلعة محل الاهتمام في العالم المتقدم منذ امد بعيد بداية من عهد الاكتشافات النفطية مرورا بالسياسات التسعيرية الجائرة فانتهاء بالمشاركة في الارباح ومن ثم المناصفة الى ان استقرت ملكية هذه الثروات للدول المنتجة.
هناك الكثير من العوامل منها الاقتصادية والسياسية والبيئية التي تؤثر في استقرار اسعار النفط, والمقصود بالاستقرار هنا حالة التوازن التي تحددها قوى السوق وينتج عنها سعر عادل لكن يا ترى ما هو السعر العادل للنفط هل هو السعر الذي تحدده قوى العرض والطلب (اليد الخفية) وهل سيكون السعر المتولد عن هذه الميكانيكية مقبولا لدى المنتجين والمستهلكين؟ الواقع ان المنتجين لا يرغبون في سعر متدن لسلعة تعتبر هي مصدر الدخل الرئيسي لمواطنيها وكذلك المستهلكين لسلعة بهذه المواصفات لا يرغبون في ان يُحدد سعرها بعيدا عن سمعهم ومرآهم.
إذاً والحال هذه وبعيدا عن العوامل السياسية والبيئية، فالسعر العادل هو الذي يأخذ في الاعتبار العوامل الاقتصادية التالية:
أ في مقاله المشهور (النمو الاقتصادي مع صرف اجنبي غير محدود وبدون تقدم فني) قسّم الاقتصادي المشهور هيجن )E. HAGEN( اقتصاديات الدول النفطية الى خمسة قطاعات رئيسية: المنبع (قطاع النفط)، السوق، المزرعة (تمتاز بضعف الانتاجية)، البنك وبقية العالم, فكلما ارتفعت اسعار النفط زادت ايرادات الحكومات ومن ثم زاد الانفاق عن طريق السوق وبالتالي الاستيراد,, فالدول النفطية تعتمد بشكل كبير على الايرادات المتحققة من الصادرات النفطية واعادتها الى الدول المستهلكة للنفط على شكل واردات لازمة لتسريع عملية التنمية في هذه البلدان، بينما اقتصاديات الدول المستهلكة الرئيسية تمتاز بتنوع القاعدة الانتاجية من صناعية وزراعية وصناعات تكنولوجية ومعلوماتية (هذه في العادة لا تعتمد على النفط).
ب كما أسلفنا يعتبر النفط سلعة استراتيجية هامة جدا ورخيصة بالمقارنة مع البدائل الموجودة لذلك لابد ان يعكس سعر برميل النفط تكلفة البدائل وليس تكلفة الانتاج, فالفحم الحجري يعتبر مصدرا احتياطيا في حالة انخفاض امدادات النفط او انقطاعها لكنه يمتاز بتكلفة استخراجه العالية وآثاره السلبية الكبيرة الضارة على البيئة, اما الطاقة النووية فتكمن سلبيتها في تكلفتها الرأسمالية العالية جدا وامكانية توفر الخبرات الفنية اللازمة لتشغيلها ومحدودية الاحتياطات من اليورانيوم اذا استخدمت على نطاق واسع اضافة الى مخاطرها الصحية والبيئية ولعلنا لازلنا نتذكر التسرب الذي حصل في محطة تشرنوبل في روسيا قبل سنوات, أما المصادر الاخرى للطاقة كالطاقة الكهرومائية والشمسية والطاقة المتولدة عن الرياح وامواج المد والجزر فما زالت في طور الاكتشاف والتطوير وتحتاج الى وقت طويل وجهد واستثمارات هائلة للاستفادة منها على نطاق واسع.
ج استكشاف واستخراج النفط (او زيادة الطاقة الانتاجية) فيخضع لعمليات مكلفة جدا واستثمارات هائلة بالنسبة للدول المنتجة للنفط ففي ظل تدني اسعار النفط يجعل القيام بهذه العمليات شبه مستحيلة لانها ستكون على حساب رفاهية مواطنيها.
د الدول المنتجة للنفط تعتمد عليه كمصدر رئيسي للدخل وفي ظل ارتفاع الاسعار في الدول المتقدمة فان واردات الدول المنتجة للنفط لابد ان تتأثر سلبا فعلى سبيل المثال بين عامي 1990 1999م ارتفع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بما نسبته 33% بينما ارتفعت اسعار النفط خلال هذه الفترة بما يعادل 21% فقط، كذلك انخفضت القيمة الحقيقية مقارنة بالاسعار المعلنة للبترو دولار بما يعادل 50% عام 1984م.
ه المتتبع للسياسات التي تتبعها الدول المستهلكة الغربية تجدها تنصب في مجملها على الواردات النفطية فضريبة الكربون مثلا فرضت اساسا كحافز لتقليل استهلاك النفط وحماية البيئة في سنوات ارتفاع اسعار النفط واستمرت هذه الضريبة المرتفعة حتى في سنوات انخفاضه لانها اصبحت مصدرا مهما للدخل يصب في خزينة الدول الغربية مما حدا بسائقي الشاحنات الى التظاهر مطالبين برفع هذه الضريبة او تخفيضها.
مما سبق يمكن لنا استنتاج الآتي:
1 لابد للدول الغربية المستهلكة للنفط من قبول زيادة عادلة في اسعار النفط تهدف الى توفير النقد اللازم للدول المنتجة تساعدها على زيادة الاكتشافات النفطية وتوسيع الطاقة الانتاجية لما لها من اثر ايجابي على النهضة الصناعية العالمية الحالية.
2 اللجوء الى خفض الاسعار بالتهديد او بالقوة (كاستخدام الاحتياطي الاستراتيجي) قد لا يؤدي الهدف المطلوب في الاجل المتوسط والطويل بل المطلوب الاخذ في الاعتبار حاجات الطرفين (المنتج والمستهلك) عن طريق تشكيل مجلس تنسيقي للسياسات البترولية بالتعاون مع وكالة الطاقة الدولية يهتم بقضايا الانتاج والتسعير والاستكشاف,, الخ على المدى الطويل آخذا في الاعتبار قوة أوبك ودورها المستقبلي في السوق البترولية الدولية.
3 ارتفاع الاسعار العالمية لابد ان يؤثر سلبا على قيمة الواردات مما يؤدي الى تآكل القوة الشرائية لدولارات النفط فلابد من الالتفات لأي زيادة في الاسعار الدولية على اسعار النفط لكي نحافظ على القوة الشرائية لدولارات النفط )Oil Price Indexation(.
4 ارتفاع اسعار النفط بشكل كبير جدا قد يؤدي الى تسريع الجهود للبحث عن بدائل للنفط الا ان واقعنا اليوم لا يعكس هذا الجهد في المدى القصير والمتوسط.
دكتور/ عبدالعزيز بن حمد القاعد
كلية الملك عبدالعزيز الحربية

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved