| عزيزتـي الجزيرة
عرفته في شهر رمضان قبل سنوات في المسجد النبوي الشريف وهو يوزع التمر على الصائمين قبيل المغرب، وقد ازدحم الناس عليه وهو لا يكل ولا يمل هاشاً باشاً!
فحييته فرد بأحسن منها، ومازحته فوجدته يخالق بالجميل، ويعلم حسن الخلق، سليم القلب، يحسن الكلام، ويبذل الطعام، سريع الدمعة، وأحسبه ممن قال الله فيهم: وإذا ما غضبوا هم يغفرون .
لفت نظري بهذه الخصال العظيمة، فتقوّت الروابط معه سنة بعد سنة وصحبته سبع سنوات مصاحبة لصيقة، وفي كل مرة يزداد اعجابي به أكثر من قبل، انه أبو علي الشيخ: عبدالله بن علي الجلعود رحمه الله من قبيلة سبيع، ومن مواليد محافظة البدائع بالقصيم 1343/1421ه، سعى رحمه الله في الأرض عرضاً وطولاً بحثاً عن الرزق الحلال الذي وعد الله عباده به، فعاش في الرياض، ثم استقر بالمهد أكثر من ثلاثين سنة، حتى صار من اعيانه وممن يتاجر بالمواد الغذائية، فعامل الناس بادية وحاضرة بالخلق الحسن، فأحبوه وأحبهم، فكان رحمه الله يسامح المعسر، ويصبر على المماطل حتى تفرقت أكثر أمواله بين أيدي الناس، ثم رأى رحمه الله في آخر القرن الماضي ان ينتقل الى المدينة النبوية حبا لها فأحبه أهلها وعمر فيها بيتا, وعاش فيها ليس له عمل إلا معاملة الناس بحسن الخلق والكلمة الطيبة، وتوزيع الصدقات من الطعام والملابس عل المحتاجين من أرامل وأيتام, ومن الموافقات انه في الوقت الذي كانت وفاته، كنت أقرأ اثراً عن ابن عائشة قالت قال ابي سمعت اهل المدينة يقولون: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين رحمه الله , وأحسبه كذلك رحمه الله ، وكان رحمه الله حسن العشرة، باسم الثغر، حاضر البديهة، وكان أهل محافظة المهد يفتخرون به في استقبال المسؤولين الذين يحضرون الى المحافظة حتى بعدما سكن المدينة، وذلك لما له من شخصية محترمة، وحسن استقبال للمسؤولين وبروز في الشخصية, وكان يحبه أهل الحي الذين يجاورهم لأنه يحثهم على التزاور والائتلاف فيما بينهم والاجتماع على الخير، ولما سكن بيته الجديد رحمه الله ، حاول ان يجمعهم في بيته، فكان أكثرهم يعتذر، فكان يقول مسجدنا هذا مسجد أهل الاعذار، ثم ما لبث بخلقه الحسن وانقياد القلوب له ان جمعهم وصاروا يجتمعون كل اسبوع فقال رحمه الله إنه غير اسم المسجد الى مسجد الأبرار، وكان آخر اجتماع لأهل الحي عنده في بيته وكأنه يودعهم ويعطيهم دروساً في حسن الخلق، وله اخبار لطيفة تنبئ عن حسن خلقه وحبه لإخوانه المؤمنين، وذكر لي رحمه الله انه كان يحمل على سيارته بضائع من المدينة الى الرياض، فقابل في الطريق البري موكب الملك سعود رحمه الله في طلعة الارطاوي قبل مدينة الحناكية وهو متوجه الى المدينة يقول رحمه الله وحملت معي أبريق الشاي وكأسين وجلست على الطريق فوقف الملك رحمه الله وسلمت عليه وناولته كأساً من الشاي، وآخر لمرافقه، فضحك وشربه وأمر لي في الحال بمبلغ اربعمائة ريال عربي فذهبت الى رفقتي وهم مجموعة من اصحاب السيارات فوضعت المبلغ في ثوبي ولم يصدقوا قولي حتى نثرتها أمامهم وقسمناها بيننا، فكان نصيبي مبلغ خمسة وثلاثين ريالاً عربياً.
وكان رحمه الله ملما بمعرفة أخبار القبائل والمناطق وخاصة شرق المدينة من المهد الى الطائف وخاصة عالية نجد فيعرف من فيها من القبائل والسهول والجبال والأودية يعرفها شبراً شبراً! وراوية لاخبار هذه المنطقة عارفاً بأيامها ورجالها وله رحمه الله اولاد بررة تعلموا من والدهم حسن الخلق والتواضع وإنكار الذات وكان يفخر بهم ويثني عليهم، أكبرهم علي الاستاذ الدكتور بمدينة الملك عبدالعزيز للتقنية والعلوم بالرياض، ومحمد العميد بوزارة الداخلية، وصالح طيار حربي بوزارة الدفاع وخالد مدرس رياضيات، وفهد وعبدالرحمن طالبان بالثانوية، وابراهيم طالب بالابتدائي وعدد من البنات المتفوقات في تحصيلهن العلمي، واخبرني من يقرئ في مسجد حيهم أنه جاءه رحمه الله قبل وفاته بيوم أو يومين يحثه على ان يسجل عندهم ولده إبراهيم في حلقة تحفيظ القرآن الكريم، وقد أثنى عليه كل من عرفه وشهد له جيرانه بالاحسان والخير وتوفي الخميس ليلة الجمعة 22/7/1421ه وشهد عليه الصلاة يوم الجمعة في المسجد النبوي آلاف المصلين ودفن في بقيع الغرقد، وكان سبب معرفتي له رحمه الله صدقته في المسجد النبوي في رمضان، وآخر ما رأيته قبل وفاته بيوم يدعوني لأذهب معه الى احد الفقراء وقد أعد له طعاماً وملابس، كما استعد بالتمر المثلج في ثلاجته ليفطر الصائمين في شهر رمضان على معتاده السنوي كل رمضان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد وفاته بيومين اكتشفنا انه في يوم الاربعاء أي في اليوم الذي سبق وفاته، كان قد اشترى برادة ماء كبيرة، كلف من نقلها وشغلها قرب احد مساجد المدينة.
لقد كان محبا للصدقة، حبيباً الى الفقراء من المتاجرين مع الله، ربحت التجارة يا ابا علي، رفع الله منازلك في عليين، وبارك في عقبك بالغابرين، عليك رحمات الله تترى.
د, عبدالعزيز بن صالح الطويان الجامعة الإسلامية بالمدينة
|
|
|
|
|