| الاخيــرة
ما مدى التشجيع والدعم اللذين يجب أن تقدمهما الدولة الى مبدعيها,, ومفكريها؟
هناك الرأي الذي يقول: ان الانتاج الفكري والابداعي، حريٌّ بالتشجيع المادي المكثف، وإنه اذا كانت الحكومات تدعم انتاج القمح، والالتايد وجوالين البلاستيك، وأوراق التواليت ,, فيجدر بها ألا تتوانى أو تتردد في دعم القصيدة، والرواية,, والمقالة,, الخ,.
سواء كان هذا الدعم ينصبُّ على منتج العمل الفكري أو الابداعي مباشرة في شكل مرتَّب دوري، أو مكافأة مقطوعة، أو في هيئة أسعار مدعومة لذلك العمل، لتتلافى الآثار السلبية الناتجة عن انهيار هيكل الأسعار الناتج غالبا عن الانخفاض المستمر في الطلب على ما يعتبر أدباً جاداً، أو فناً رفيعاً عالياً.
وبالطبع,, فالافتراض الضمني لهذه الأطروحة هو ان التشجيع المادي من شأنه أن يزيد في انتاج المبدعين الحاليين كمّاً,, ونوعاً,, كما سيقنع كثيرا من المبدعين المحتملين بأن يتحولوا الى مبدعين فعليين,, وبذلك تنمو حياتنا الأدبية,, والفكرية، والفنية، وتزدهر بيئتنا الابداعية.
وهناك الرأي الآخر الذي ينتقد بشدة هذه النظرة السِّعرية ، الإعانية للفكر والأدب والفن.
ويرى فيها نزعة تبسيطية ,, متطرفة تتغافل عن الجوانب الأخرى ذات الأهمية، والتي من شأنها تثبيط الحياة الابداعية، والفكرية,, أو تنشيطها.
وينزع أصحاب هذا الرأي الى الاعتقاد بأن الرفاه المادي على مستوى الفرد,, أو الجماعة,, ليس شرطا ضروريا,, أو حتى شرطاً كافياً للابداع الفني، والفكري، والأدبي، وأن ثمة أمثلة كبيرة من التاريخ الابداعي والفكري,, تشير الى ان الابداع,, بأنواعه، ينبت في ظروف الفقر، والمعاناة الاقتصادية والاجتماعية، وان الرفاه المادي قد يُرهِّل الابداع,, ويثبطه,.
ويحجب عنه ظروف الاحتداد، والتوتر اللازمين لشحذ الحاسة الابداعية وتنويرها .
وبالطبع,, فالحقيقة,, تقع في مكان ما بين هذه النظريات التبسيطية الجارفة,
هذه الحقيقة,, ترفض,, فكرة المبدع موظفاً ,, ومرتزقاً ,.
ما تستهجن فكرة تجويع المبدعين,, وإفقارهم,, لحثهم على العطاء,, والابداع.
لقد اتضح من تجارب معاصرة، أن وضع كادر وظيفي للمفكرين والمبدعين,, سيحولهم الى مكتبيين رسميين في مرافق الحزب ,, والدولة,.
حينئذ سيصبح الانتاج الأدبي منشورات سياسية رسمية ركيكة.
يتحول المفكر الى مأمور علاقات عامة من الدرجة العاشرة، ويغدو الأثر الفني لوحات اعلانات,,شارعية باهتة، وتكون النغمة الموسيقية طبولا جوفاء تمجد الحزب، والقائد، والايديولوجية الرسمية ومن أراد دليلا فليستعرض الأدب الروسي قبل الثورة,, وبعدها .
ومع ذلك,.
يجب ألا ندع الشفافيات المبدعة عرضة لرياح السوق العاصفة، وسلطانه المتجبِّر، وذوقه المتردي.
ان في استطاعتنا أن نعثر,, على أساليب,, وطرق,, لتوفير التوازن الرشيد الذي يرفض فكرة المبدع موظفا ,.
كما يرفض فكرة المبدع,, متسولاً ,, جائعاً,, ومنسحقاً .
|
|
|