| متابعة
يقول تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون فكتاب الله عز وجل تصونه وتحفظه الرعاية الإلهية، وفي هذا الضمان الكلي والأزلي والأبدي لمحكم التنزيل، الذي ضمن فيه المولى جل جلاله المنهج الرباني القويم لسعادة البشرية في الدارين ، فهو الحضارة كل الحضارة، ومادونه إن لم يصب في طريقه ليس فيه إلا الخسارة والبوار.
نعم القرآن الكريم المصدر التشريعي والفقهي والحياتي الأول عند المسلمين، وهو الحجة الدائمة المستمرة في كل الأمور والإشكاليات، وبقدر تعمق المسلم في فهم القرآن، والتمعن في معانيه، والتدبير فيها بقدر ما يكون حاصلاً على درجة من الحياة الإسلامية، والتطبيق الإسلامي في ظل شرع الله الحنيف.
إن علماء الأمة وعلى مدار السنين والأزمان عرفوا قدر القرآن الكريم ، وأعطوه حقه، وحفظوه في صدورهم وعقولهم، وتفهموا مراميه ومعانيه، ووجهوا الأمة إلى طريقه القويم، ودعوا البشرية عن طريق حجج القرآن ، فتحققت الهداية على أيدي الدعاة بإذن الله تعالى في أصقاع مختلفة من هذا العالم.
كما أن أبناء الأمة قد عرفوا أيضاً مكانة القرآن في مختلف شؤون حياتهم، وأعطوه الاهتمام الكبير من وقتهم وجدهم، وتابعوا الدروس المتعلقة بعلوم القرآن الكريم، وانجذبوا نحو حلقات التحفيظ والتجويد، وكان القرآن الكريم حبهم وحبيبهم، وكيف لا وهو كلام الله الذي نزل به الوحي الأمين جبريل عليه السلام لخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
إننا الآن نعيش في عصر سمته العلم والتطورات الحضارية الهائلة والتقدم في مختلف المجالات التقنية، وإن كل ذلك لم يساهم إلا في زيادة تعميق شعورنا بعظم مكانة هذا الكتاب الكريم، الذي جاء بالحقائق الناصعة الساطعة قبل أن تظهرها العلوم بقرون مديدة.
وبالتالي أدى التقدم لإظهار روعة وصفاء القرآن حتى لغير المسلمين، فكان وسيظل نبراساً في الدعوة والهداية على مختلف الأصعدة وخصوصاً في المجال العلمي.
إن أمتنا تسعى إلى هداية البشرية بإذن الله والقرآن الكريم هو الوسيلة المثلى التي تقدمها الأمة لدعوة البشر للطريق القويم، يقول تعالى :إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وهذا القرآن هو الطريق الوحيد لعزة الأمة الإسلامية، وهذا ما ثبت، وتأكد منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا الراهن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد لجأ البعض إلى غيره من الكتب، واستعان البعض ببعض الدساتير والمواثيق الوضعية ، واخترع البعض نظريات ومذاهب ونحلا، وتفنن آخرون بإيجاد فنون وألوان البدع والضلالات، ولكن كل هذا لم يزدهم إلا تخبطاً وضياعاً وضلالاً، وكل هذا يذهب هباءً منثوراً بمجرد أن يصطدم مع الحقيقة الناصعة: وقل جاء الحق وزهق الباطل .
إن القرآن يشفع لحافظه وصاحبه يوم القيامة، وقد ورد في الأثر أنه إذا أردت لأهلك أو لنفسك الدنيا، فعليك بالقرآن، وإن أردت الآخرة فعليك بالقرآن، وإن أردت الاثنين معاً، فعليك بالقرآن.
وكل هذا يعني فيما يعني ضرورة توجه الأمة والمجتمع والأسرة والأفراد إلى حقيقة صون واجبهم إزاء القرآن حفظاً وتلاوة وشرحاً وتدبراً وتعليماً وتربية وسلوكاً، لأن فيه السعادة المطلقة، السعادة الحقيقية، والطريق الموصل للصراط المستقيم الذي لا ضياع فيه بإذن الله، وأي انحراف عن هذه الحقائق لا يؤدي إلا إلا المهالك والشرور والعياذ بالله .
إننا ومن قبلنا ندعم ونؤيد، ونفرح للمسابقات التي تقام في أرجاء المعموة وخصوصا في مملكتنا الغالية لحفظ القرآن الكريم وتدبر وفهم معانيه، ولكننا نحن والقائمين على تلك المسابقات الطيبة المباركة يجب أن ننبه إلى أن الهدف ليس الجائزة، ولو أنها مهمة، وإنما الهدف الأساسي والغاية الكبرى هو الوصول لحفظ سليم لكتاب الله وفهم دقيق وعمل بمقتضى الكتاب الحكيم، وهذا ما نبتغيه ونطلبه، ونريد أن يصل إليه كل أفراد الأمة ما أمكن ذلك.
إن المملكة العربية السعودية وهي البلاد التي قامت على دستور هو القرآن الكريم تعرف كل تلك الحقائق ودعمت كل الجهود التي توصل لتحقيق ما يريده الله تعالى، فعنايتها الدائمة والمستمرة بكتاب الله وحفظته سائرة ولله الحمد من حسن إلى أحسن,إن الحياة الإسلامية التي تحياها بلادنا المعطاء هي بحد ذاتها نصرة للقرآن الكريم، لأننا نعمل، ونطبق شرع الله في أرض الله ، وفي هذا تحقيق للمنهج الذي تضمنه القرآن الكريم .
حقاً إن القيام بحق القرآن ليس محصوراً في الحفظ والفقه والتدبر، بل إن القرآن هو رايتنا الحضارية، ورسالتنا العظيمة للبشرية، وحوله وتحت لوائه يجب أن تنسج كل مناهجنا ونظرياتنا وطرق علمنا وأنماط حياتنا وطرق تعاملنا مع أنفسنا ومع أبنائنا ومع الآخرين، وفي حوار الحضارات إن جاز لنا التعبير رسالتنا ستكون هي القرآن الكريم الذي لا مجال للمقارنة بينه وبين ماسواه، فكل ما عداه باطل وزائل، ويبقى كلام الله تعالى محفوظاً بالقرار الإلهي الأبدي :إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون , هذا هو خطابنا الحضاري للعالم أجمع.
والله المستعان.
|
|
|
|
|