| مقـالات
لن تقف عطاءات المرأة العملية عائقاً أمام انهمار الأمومة الواعية والدافئة,, ولم ولن تكون المشاركة في العمل التنموي والوطني مشجباً يبيح للأمهات تراخيهن في أداء دورهن الأمومي تجاه أطفالهن.
فالأمومة الواعية هي بحد ذاتها عمل تنموي كبير تسهم به المرأة في تنمية الأجيال وصياغة تفكيرهم.
فالأمومة سيل يستيقظ في تلافيف نفس المرأة منذ تشكل تكوينها الأنثوي جسدياً ونفسياً.
لكن ثمة نساء كثيرات يحصرن هذا الحس بالانجاب فقط ويمنحن دور الأمومة الحقيقي لحاضنات مستقدمات من الشرق,, تضوع من أجسادهن رائحة الحزن واللوعة والاغتراب.
وأولئك النسوة المتكاسلات عن دورهن الأمومي العظيم ينظرن لمفهوم الأمومة على أنه آلية فطرية تتوقف عند ولادتهن للطفل أو اقتناء ملبوساته وإكسسواراته من كبريات محال الأطفال.
هؤلاء لا يستطعن تطوير الحس الأمومي وترجمته ولا يملكن القدرة على تحويل الأمومة إلى فعل ايجابي يستثمر كرافد تربوي يعين الأطفال على التميز وإشباع الرغبات بالدفء والحنان مما يشكلهم كشخصيات مستقيمة وثابتة ومتوازنة,.
وتتساوى في ذلك الأمهات العاملات أو غير العاملات حين لا يمتلكن الوعي الكافي بدورهن الأسري العظيم,, فبقاء المرأة في المنزل وتواجدها الشكلي مع الأطفال لا يعتبر ممارسة واعية لدور الأم.
ويؤكد ذلك أن شريحة كبيرة من النساء الباقيات في المنازل ولا يعملن خارجه يعتبرن أنفسهن عاطلات عن العمل فتجدهن كئيبات,, حزينات شاعرات بالضيق والضجر,, وذلك لأنهن لم يبلغن مرحلة النضج الحقيقي بقيمة الدور الكبير الذي بإمكانهن تأديته تجاه الوطن والتنمية إذا ساهمن حقيقة باعداد وتشكيل شخصيات الجيل وتقديمهم للوطن كرافد بشري عظيم وهؤلاء يعتبرن مجرد وجودهن الشكلي مع أطفالهن كافيا بحد ذاته كممارسة لدور الأمومة، كما نجد أن كثيرات من النساء العاملات تتنصل من أداء دورهن الأمومي بحجة الانشغال بالعمل لكنها لا تتنصل عن نزهاتها الخاصة وزيارة صديقاتها والارتباط بدوريات الزيارات والاستراحات.
فالأمومة هي فقط العبء الذي ترمي به إلى العاملة المنزلية، أما بقية الأعباء التي تنضوي تحت بند سعة الصدر فهي التي تتصدى لها ولا يشغلها العمل الذي لا يتجاوز ست ساعات من مجموع الأربع والعشرين ساعة اليومية، لا يشغلها العمل إلا عن ترجمة أمومتها فقط.
بينما في المقابل تناضل نساء عاملات كثيرات يتسمن بالوعي، وتتدفق في تلافيف قلوبهن أمومة واعية وصادقة لكي تعوض أطفالها عن غيابها اليومي فتقضي معهم الساعات الأخيرة من النهار تلاعبهم وتحادثهم وتؤدي معهم الواجبات ثم تعدهم للنوم وتشعل قناديل دفئها حول أسرّة نومهم فتمطرهم بجرعات أمومية تمنحها إياهم بحرافة أمومية ووعي مدروس ومخطط له والقص واحد من الجرعات الأمومية التي يتطلبها الطفل في مراحل رعايته ولدينا في موروثنا حكايات تربوية ابدعتها مخيلة أمهات لم يقتحمن المدارس لكنهن اقتحمن ميادين العمل بالفلاحة والرعي وجمع الحطب وعدن إلى منازلهن متعبات مجهدات لكنهن غير متراخيات,.
فإذن هي مخيلة الأمومة الخصبة هي المحك المحفز للإبداع,, ولم أستغرب ومثلي كثيرون ان تبدع الزميلة أميمة الخميس قصتها وسمية وتقتحم بوابة القص الطفولي من خلال حكاياتها المسائية اليومية التي تبوح بها لأطفالها,, فالأمومة فعل تحريضي ومستفز لمكامن الإبداع وليس أثمن من الأطفال الذين هم هبة إلهية جميلة كي تتفتق أحاسيسنا عن مطر وغيوم وحكايات متوردة بالحب الجميل لمثل هذه الكائنات التي تزرع الورد في ردهات قلوبنا.
أيقنت بهذا وأميمة تريحني لأربع ليال متتالية من ممارسة القص على أطفالي فقد كفتني وسمية التي استحالت إلى مطر جميل في شريط تسجيلي ظل يحكي ويحكي لليلتين متتاليتين وتنفتح له بوابة احلام الصغار حتى يتسرب النوم الناعم إلى الأجفان الهادئة,, ثم تقمص راكان دور الراوية في الليلتين الأخيرتين بسعادة بالغة حتى غالبه النوم.
فالأمومة إذن هي محفز إبداعي حين تنسرب في عروق أم واعية تحرضها على القيام بأدوار عديدة تبدأ أولاً من حيث الأسرة والأطفال ثم تنطلق بحنو دافئ باتجاه المجتمع والوطن.
ولم تك هلا بنت خالد بعيدة عن ذاكرتي حينذاك فلوحتها الأولى التي صاحبت أهزوجة دوهة يا دوهة وهي ترصد ملامح الاستكانة والأمان والتشبع بالحنان والذي يعبر عنه نوم الوليد في مهده كانت حتماً استثماراً هائلاً وباهظاً لمخزون الأمومة الجميل لدى الفنانة.
إذن كنا محقين دائماً حينما نقول ان الأسرة والأمومة وتربية النشء هي الحديقة الجميلة المعبأة بالعمل والجهد وهي الموطن الخصب لتفتق مكامن الإبداع لدى المرأة ولم تك الأسرة أو القيام بمسؤولياتها مدعاة للتراخي والتكاسل عن العطاء والمساهمة الايجابية في المجتمع,, بل ان الأمومة هي النهر المتدفق الذي ينطلق في ذات المرأة ويمتد نحو الأرض فيتشكل الامتزاج المهيب والخصب الذي يحيل الحياة إلى واحة من جمال وعمل وايجابية في ممارسة الأدوار المتعددة.
عنوان الكاتبة 26659 الرياض 11416
|
|
|
|
|