| مقـالات
الماء هو مصدر ديمومة البشر,, ومبعث حياة العمل,, فبدونه تتعطل ضروب الإنتاج الإنساني وتتعثر معايير العمل والعطاء,, يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
ولقد عانت هذه البلاد على امتداد تاريخها من شح شديد في مياه الشرب نتيجة لتكوينها الجغرافي وطبيعتها المناخية المتسمة بالحرارة العالية والأمطار القليلة في معظم أجزائها.
حيث تفتقر المملكة إلى الأنهار الجارية والعيون المائية السارية,, ولاتزيد الأمطار فيها في المتوسط عن 60 سم.
ولقد زاد من حدة شح مياه الشرب في المملكة ذلك النمو السكاني المتسارع,, والاتساع العمراني القياسي الذي شهدته مناطق المملكة المختلفة.
ولقد بذلت حكومة المملكة منذ فجر تأسيسها جهودا مضنية لمواجهة أزمة نقص مياه الشرب,, حيث قام الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه في عام 1928م بخطوة تاريخية سباقة حينما أمر بإحضار كنداسة لتحلية مياه البحر في مدينة جدة بهدف توفير مياه الشرب لسكانها.
وتواصلت جهوده يرحمه الله لمواجهة المشكلة حيث استقدم فريق خبراء من الولايات المتحدة في عام 1942م لدراسة المشكلة واقتراح حلولها.
وفي ظل استمرار الأزمة لم يكن هناك من بديل سوى استثمار البحر في توفير المياه العذية,, كمخرج حتمي للأزمة,, حيث شهد مطلع السبعينات الميلادية المراحل الأولى لمحطات تحلية مياه البحر على الساحل الغربي,, ثم انتشرت على الساحلين الغربي والشرقي للمملكة حتى بلغ عدد المحطات اليوم (24) محطة تتكلف عملياتها لإعذاب مياه البحر نحو (55) مليار ريال,, وباتت المملكة أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.
ولكن المشكلة لم تنته, فما زال نقص مياه الشرب قائما في معظم مدن المملكة,, رغم بلايين الريالات التي صرفت لتوفير مياه الشرب,, ورغم البلايين التي ما زالت تصرف لصيانة المحطات والامدادات، والسبب كما اسلفنا يعود إلى طبيعة جغرافية البلاد ومناخها,, فالموارد شحيحة لافتقارها للأنهار والعيون,, والنمو السكاني يشهد معدلات عالية,, وتبعا لم تعد الموارد المتاحة من مياه الشرب كافية لاستهلاك السكان.
ورغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة أيدها الله إلا أن المشكلة لم تنته,, فما زال نقص مياه الشرب قائما في معظم مدن المملكة,, رغم بلايين الريالات التي صرفت لتوفير المياه,, والسبب كما اسلفنا يعود إلى طبيعة تضاريس البلاد ومناخها,, فالموارد شحيحة أصلا,, والنمو السكاني يشهد معدلات عالية,, ولذلك فليس من الغلو القول بأن الوضع سيكون خطيرا في المستقبل,, وهذا ما يجب ان يدركه كل مواطن.
فمن المعروف ان تقنية تحلية مياه البحر باهظة التكاليف,, ولا تأخذ بها سوى الدول الغنية.
ولقد استطاعت المملكة في سنوات الوفرة المالية ان تنشىء العديد من التجهيزات الأساسية لتحلية المياه,, ولكنها لاتستطيع تحمل تكاليف إنشاء المزيد من هذه التجهيزات بنفس قدرتها آنذاك.
ليس ذلك فحسب بل ان عمليات صيانة محطات التحلية الحالية تعد في حد ذاتها باهظة التكاليف,, هذا فضلا عن غلاء تكاليف قطع غيار معداتها وتشغيلها.
وعلى الجانب الآخر,, فإن معدلات استهلاك المياه العذبة تزداد قياسيا نتيجة لمعدل التكاليف,, هذا فضلا عن غلاء تكاليف قطع غيار معداتها وتشغيلها.
وعلى الجانب الآخر,, فإن معدلات استهلاك المياه العذبة تزداد ازديادا قياسيا نتيجة لمعدل النمو السكاني المرتفع والذي يبلغ (3,7),, ويعد أكبر المعدلات على مستوى العالم,, فمن المنتظر ان يبلغ عدد السكان في المملكة بعد عشرين سنة من الآن (39) مليونا حسب الإحصائيات الرسمية وسيرتفع عدد سكان المملكة إلى (367) مليون نسمة في عام 1520ه.
فمن أين يوفر الماء الذي يكفي لهذا العدد من السكان؟!
ولذلك فعندما نقول ان الوضع سيكون خطيرا مستقبلا,, فإن قولي هذا ينطلق من واقع حقائق وأرقام,, بعيدا عن العاطفة الجزافية, ذلك أن مخزون المياه سيشهد انخفاضا حادا,, وتتجاوز معدلات الاستهلاك قدرة الموارد المائية على التجدد.
ولذلك فإن واجب المواطن أن يستشعر حجم المشكلة حاضرا ومستقبلا,, ومن ثم التفاعل الجاد مع ابعادها,, والمشاركة الفاعلة منذ اللحظة في مواجهة تبعاتها,.
إن رسوم المياه حاليا,, تعد رمزية وشبه مجانية,, ولكنني لست مع المطالبة بزيادة رسوم استهلاك المياه حتى لاتزيد أعباء الحياة على المواطن والمقيم,, ومع هذا فإن من الضرورة بمكان ان يدرك المواطن القيمة للمياه كثروة غالية الثمن,, عليه واجب الحرص عليها بتجنب الإسراف في استخدامها وترشيد استهلاكها,, كسلوك ذاتي.
نعم,, ان على كل مواطن ان يعنى بترشيد استهلاك المياه كسلوك حياتي يومي,, يلقنه لأبنائه والمحيطين به,, ويستشعره واجبا دينيا وطلبا وطنيا.
ولقد شرعت وزارة الزراعة والمياه بتنفيذ خطة وطنية لتوعية المواطنين والمقيمين بأهمية ترشيد استخدام المياه المنزلية والمحافظة عليها.
وهو توجه واع يتطلب تفاعل المواطنين والمقيمين والاستجابة لمعطيات الخطة التي تلامس أغلى ثرواتنا.
ولاشك أن الأمر يتطلب مشاركة المؤسسات الدينية والتعليمية في برامج التوعية لزيادة فاعليتها وتأثيرها والأمر يتطلب أيضا إعادة برمجة معطيات التخطيط المستقبلي لتنمية الموارد المائية بطريقة علمية مدروسة.
وهناك ضرورة لوضع خطة وطنية شاملة للمياه على مدى الخمسين سنة القادمة ضمن الرؤية المستقبلية للمملكة، أهمية توحيد مرجعية شؤون المياه، إنشاء مجلس أعلى للمياه، وضع سياسة مائية محددة.
إن خطورة مشكلة نقص المياه على مستقبل أجيالنا,, تقتضي التحرك الفعلي والسريع نحو الاخذ بجميع المداخل التي تقلص حدة المشكلة مستقبلا,, وإن مشكلة بهذه الحدة تتطلب البدء الفوري بوضع سياسة مائية وخطة علمية مستقبلية على مدى زمني لايقل عن عشرين عاما وإنشاء مجلس أعلى للمياه.
فلست أبالغ اذا ماقلت ان الأمن المائي يواجه تحديات مستقبلية تتطلب من كل مواطن واجب المساهمة في مواجهة هذه التحديات,, حماية لمستقبلنا ومستقبل أبنائنا.
|
|
|
|
|