| الريـاضيـة
يخطئ كثير من الناس بل بعض المهتمين بالألعاب الرياضية حينما يظنون ان تراثنا العربي والإسلامي في جانب الألعاب الرياضية القديمة لا يعدو سوى رياضات محدودة لا تتجاوز في عددها اصابع اليد الواحدة؛ وهي ركوب الخيل والرماية والصيد والسباحة معتقدين ان هذا هو ما كان يقوم به العرب والمسلمون من ألعاب رياضية في ماضيهم القديم.
ولاشك ان هذا ظن في غير محله؛ يخالف ما كان عليه القدامى في حياتهم وممارستهم، ويخالف ما سجلوه في كتبهم ومن ثم نقلوه إلينا، فالذي نستطيع ان نجزم به ان تراثنا العظيم حفل بالعديد من الألعاب الرياضية التي نالت اهتمام وعمل ومحبة فئات كثيرة من المجتمعات العربية في تلك العصور القديمة، ومما لاشك فيه ان رياضات الخيل والرماية والسباحة اخذت نصيب الأسد من كتابات العلماء والمؤرخين واهتمامات الباحثين وألفوا فيها وفي فضائلها وآدابها وأساليبها عشرات الكتب والمؤلفات.
ولعل من أهم الأسباب ان هذه الرياضات ورد في بعضها نصوص شرعية في الحث على القيام بها وترتيب الأجر والثواب على ذلك مما اعطاها طابعا دينيا جعل الناس يتسابقون للقيام بها دون غيرها، إضافة الى ان هذه الرياضات اخذت مع طبيعتها الرياضية والترفيهية بعدا عسكريا واستراتيجيا في كونها من أبرز مقومات المقاتل الشجاع والفارس، فمن أجل هذا أصبحت هذه الألعاب الرياضية هي الأشهر في تاريخنا الرياضي؛ لكن لا يعني هذا بحال من الأحوال خلو تاريخنا من ألعاب رياضية أخرى، حظت باهتمام الناس والكتاب في تلك الأزمنة، فقد حفظ لنا تاريخنا العديد من هذه الألعاب بشتى انواعها التي كانت بمثابة فترة راحة واستجمام لجميع اصناف الناس صغيرهم وكبيرهم، مثقفهم، ومحدود الثقافة، فنقل تاريخنا أنواعا عديدة من الألعاب فمنها الألعاب الفردية التي يؤديها فرد واحد مثل رياضة رفع الأثقال والأحمال الثقيلة بقصد تقوية العضلات ومنها الألعاب الثنائية التي يقوم بها الخصمان أمام الجماهير كلعبة المصارعة التي تتطلب قوة بدنية، وقدرة فائقة في اسقاط الخصم وتثبيته على الأرض، كما ان هناك العديد من الألعاب الرياضية ذات الطابع الجماعي التي يقوم بها فئة من الناس, وقد حظيت جميع هذه الألعاب بحضور جماهيري يختلف من مكان إلى آخر في كثافة الحضور واهتمامات المشجعين، ومناصرتهم لمن يتمنون انتصاره وفوزه، كما هو مشاهد في كل زمان ومكان، وفي كل لعبة رياضية.
وليس الأمر مقتصرا على الألعاب البدنية فقط في تراثنا بل هناك بعض الألعاب الذهنية التي تتطلب تفكيرا وتحتاج إلى إعمال العقل، مثل لعبة الشطرنج التي حظيت بعناية الكثير من الناس وصنفت كتب مستقلة في تعليم هذه الرياضة كما سيأتي في حلقات قادمة,, إن شاء الله.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام وهو ليس ببعيد عن فطنة القراء الكرام ان هذه الألعاب الرياضية التي سنتحدث عنها، ليست متطابقة تماما مع ما نشاهده من ألعاب رياضية في زماننا هذا من ناحية تنظيماتها او طرقها وأساليبها، فلابد من اختلاف في بعض الجوانب التي تغيرت مع تغير العصور والأزمنة، كما ان الجانب التنظيمي لها في السابق لم يكن بالدقة التي نشاهدها في الألعاب الرياضية في عصرنا الحاضر.
وأمر آخر يجب ان يكون في ذهن القارئ الكريم، وهو ان هذه الألعاب في أغلب الأحيان لم تكن قديمة مرتبطة بوقت محدد او زمان، او جدول رياضي يعرفه الجميع، وإنما كانت في صور كثيرة متعة وتسلية يقضي بها العديد من الناس وقت الفراغ، بمعنى انها هواية شعبية يؤديها أفراد الناس، فقد يكون منهم من يؤدي تمارينها بانتظام، وهم في أغلب الأحيان لا يلتزمون بتمارين مسبقة، بل قد تؤدى كيفما اتفق لمن يقوم بها.
وقد يكون أبرز الصور التي يعرف الناس انه ستقام من خلالها ألعاب رياضية هي المناسبات العسكرية التي يستعرض فيها فنون الرماية وركوب الخيل، وقد يتصارع فيها بعض الأشخاص مع بعضهم البعض، وأيضا في المناسبات الاحتفالية الأخرى كالأعياد ومناسبات الأفراح عامة.
ومن أجل تبيين صورة مشرقة من الألعاب الرياضية التي كانت مثار اهتمام الآباء والاجداد في تاريخنا المجيد؛ فإنه يسعدني ان اسلط الضوء على العديد من الألعاب الرياضية التي كانت متداولة في القرون المتقدمة، متمنيا ان اقدم لاعزائي القراء الكرام في كل مكان مادة مفيدة وممتعة، مذكرا ان المعلومات في هذا الباب تتراوح كثرتها بين موضوع وآخر، فقد نجد أحد الموضوعات يؤلف فيه كتب مستقلة، في حين ان موضوعا آخر لا يذكر في الكتب إلا بشكل محدود لأن اللعبة المقصودة فيه لا تقام على شكل واسع، وهذا امر نشاهده حتى في أيامنا هذه، فما يفرد لكرة القدم من الحديث، ليس كما يفرد به ألعاب أخرى الكركت على سبيل المثال، وكذا كانت كتب التراث تعطي ألعابا رياضية اهتماما أكثر من أخرى، كما أسلفت في أول المقال من اهتمام الكتب برياضات الرماية وركوب الخيل والسباحة.
ومما يؤسف له ان الباحث في تاريخ الألعاب الرياضية في تراثنا العربي يعاني من شح المصادر والمراجع التي تحدثت عنها من قبل الكتّاب المعاصرين، وهذا امر بحاجة إلى إعادة النظر وبخاصة اننا في أشد الحاجة إلى اطلاع بني جيلنا على هذه الرياضات التي كان الآباء والأجداد يمارسونها وحتى يعرف شباب هذا الجيل ان الكثير من الألعاب الرياضية الموجودة بين أيديهم ضاربة في القدم، ومسجله في بطون الكتب، وهذا ما سنطالعه جميعا بإذن الله في هذه الزاوية.
وقبل أن أشرع في تناول هذه الألعاب سيكون حديثي في الحلقة القادمة مجموعة من النقول عن العلماء والأطباء والكتّاب في تراثنا القديم في الحث على القيام بأنواع الرياضات لما لها من دور كبير في تنمية المقدرة الذهنية والبدنية للإنسان.
|
|
|
|
|