أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 27th October,2000العدد:10256الطبعةالاولـيالجمعة 30 ,رجب 1421

متابعة

عفواً أيها العرب
نظرة لتحديات ما بعد القمة ,,, !
إذا كنت أدعو هنا جميع الأطراف العربية إلى الالتفات لتحديات تفرض نفسها من المعتدي الإسرائيلي بعد القمة العربية بإيقاع متسارع فإن الرسالة التي يحملها هذا المقال لا تهدف إلى صرف النظر عن ذلك الجدل في العالم العربي والذي يجري منذ صدور بيان القمة العربية بين طرف يؤيد ويرحب وآخر يرفض ويتحفظ وثالث يتمنى ويتحدث بلغة (لو أن القمة فعلت) ورابع يهدر ويغضب فهذا جدل في نظري يعبر عن ظاهرة صحية في حياة الأمة, ويعكس رغبة حسن النية من جميع الأطراف الداخلة في الجدل لاستخدام اللحظة التاريخية النادرة التي وفرتها انتفاضة المسجد الأقصى واستثمارها أفضل استثمار يمكن ليس فقط لتحرير الأرض والإنسان والمقدسات على الساحة الفلسطينية,, ولكن أيضا للتشبث بحالة الوحدة التلقائية والعاطفية الملهوفة والجارفة التي أعادت مشاعر الحرب من المحيط إلى الخليج إلى حالة انصهار في بوتقة واحدة وأخرجتهم جميعا بدءا برجال الحكم وانتهاء بأطفال المدارس من حالة الخمود العاطفي والاسترخاء الذهني والاستسلام لمقادير جائرة فرضتها عوامل الصراع الداخلي من ناحية وفجور وغطرسة القوة المعادية من ناحية أخرى وحملتهم جميعا إلى حالة التوقد العاطفي والاجتهاد الفكري والمقاومة لهذه المقادير,, هذا التنوع في الرؤى حول وظيفة مؤتمر القمة العربية,, هو في الحقيقة تنوع بناء فهو تعبير صريح عن حالة الوحدة من خلال تعدد الاجتهادات وهو بالتأكيد سيتحول إلى قوة دافعة وبؤرة فاعلية تاريخية بشرطين الأول أن ينتبه أطراف الجدل إلى الدرس الذي تقدمه القوى السياسية والشعبية في إسرائيل، وهو درس التلاصق عند الخطر وتوحيد الحركة في مواجهة العدو الخارجي على برنامج حد أدنى من نقاط الاتفاق وترحيل نقاط الخلاف والتنافس الداخلي إلى زمن آخر,, أما الشرط الثاني فهو أن يتفهم كل طرف من أطراف الجدل موقف الآخرين ويقدر بوعي رصين انه ليس الطرف الوحيد الذي يملك الحقيقة أو أنه الطرف الوحيد صاحب النية الحسنة أو أنه بمفرده قادر على إدارة دفة السفينة نحو هدفها النهائي المنشود من الجميع.
القمة حدث مفتوح
ولعل أحد دوافع الجدل حول القمة على النحو الساخن الذي نراه يرجع إلى تصور بعض ان لم يكن كل الأطراف إنها عمل أو حدث انتهى وتم إغلاق ملفه بينما الحقيقة في تصوري ان القمة تمثل حدثا مفتوحا لم ينته بإصدار البيان وانه ما زال قادرا على التأثير والتفعيل والتحرك الإيجابي في حلبة التفاوض المسلح الجارية على الأرض الفلسطينية ومساندة الانتفاضة على كافة الأصعدة الدولية والإقليمية فالقمة قد أنشأت لجنة وزارية للمتابعة تتكون من دول الطوق وممثلين من دول المشرق والمغرب, وإذا كانت هذه اللجنة تختص في وضعها الراهن بمتابعة تنفيذ قرارات القمة فإنه يجب ان يضاف إلى اختصاصاتها ان تتحول إلى غرفة عمليات سياسية تقرأ خطط الطرف الإسرائيلي وتتوقع تحركاته الميدانية والدولية على أن تتحرك بإيقاع سريع يسبق إيقاع الطرف الإسرائيلي لفرض الهدف الذي أجمع عليه كل القادة وهو هدف تطبيق نموذج التسوية المصري الذي استردت مصر بموجبه جميع أراضيها المحتلة عام 1967 على المسار الفلسطيني والمسار السوري ومزارع شبعا اللبنانية.
إن الاجتماع العاجل للجنة المتابعة الوزارية كفيل بإيضاح حقيقة ان القمة لم تكن ولن تكون حدثا منتهيا بل انها حقيقة حية متحركة ونابضة وقادرة على استيعاب كافة الاجتهادات وتحويل الجدل إلى قوة فعل ضاغطة على الطرف الآخر سواء في مجال دعم الانتفاضة باعتبارها عملا مشروعا من أعمال المقاومة للاحتلال أو في مجال التأثير على الطرف المعتدي بكافة الأساليب التي حددتها القمة في كلمات قادتها وفي بيانها الختامي وبما يمكن ان تفرضه تداعيات الأحداث من أساليب جديدة متصاعدة.
مستويات القمة
ولعل احد الدوافع الأخرى للجدل حول القمة هو الحكم على عملها من خلال بيانها الختامي فحسب, وهذا أمر في حاجة إلى تعديل زاوية النظر لنكتشف ان القمة هي بناء هرمي يجب الحكم عليه بجميع مستوياته.
بدءا بكلمات القادة الذين حضروا وصعودا إلى مستوى البيان الختامي ثم مواصلة الصعود إلى مستوى الإيضاحات التي قدمها السيد عمرو موسى المتحدث الرسمي باسم القمة ثم ارتقاء إلى المواقف التي اتخذتها تونس بالغاء العلاقات مع إسرائيل قبل انتهاء القمة ثم المغرب التي قامت بنفس الإجراء بعد إعلان باراك عن تجميد عملية التفاوض ردا على ما اعتبره لهجة التهديد الواردة في البيان ثم بعد ذلك بالصعود إلى المستوى الراهن وهو مستوى رأس البناء الهرمي وهو لجنة المتابعة التي أرجو ان تتحول إلى غرفة عمليات سياسية وفيما يلي نورد إشارات عاجلة إلى محتوى ووظيفة كل مستوى من مستويات البناء الهرمي للقمة لنكتشف ان هذا لبناء يتكامل ولا يتناقض في تحقيق الهدف.
أولا: كلمات القادة:
1, رسالة الرئيس المصري الأساسية إلى إسرائيل والعالم تمثلت في طرح خيار السلام طرحا جديدا مبنيا على القوة والمواجهة ودعم الانتفاضة والتصميم على إعادة الأراضي المحتلة كاملة وفي مقدمتها القدس.
ولعل عبارته التالية تكفي لإبلاغ هذه الرسالة إذ قال بالنص:
إن بعض الدوائر الإسرائيلية قد اساءت فهم الموقف العربي وتصورت ان الظروف الدولية تسمح بابتلاع حقوقنا وهو أمر لا تقبله الأمة العربية ولا تسمح به .
2, رسالة ولي العهد السعودي التي وجه فيها انتقادا صريحا للولايات المتحدة لانحيازها إلى إسرائيل وخروجها عن دور الراعي النزيه للعملية السلمية.
ثم مطالبته بإلغاء العلاقات العربية التي قامت مع إسرائيل في ظل عملية التسوية ثم طرح مشروع صندوقي الدعم للانتفاضة وللحفاظ على هوية القدس.
3, كلمة الرئيس السوري التي جاءت تأكيدا لكلمة الرئيس المصري عندما ميز بين خيار السلام القوي وخيار السلام الضعيف مؤكدا على رفض التطبيع ومطالبا بتطبيق نموذج المقاومة اللبنانية الظافرة في الساحة الفلسطينية.
4, كلمة الرئيس اللبناني: التي قدمت رسالة واضحة بأن النموذج اللبناني الذي هزم إسرائيل بالوحدة الداخلية وأجبرها على الانسحاب يمكن تطبيقه في حالة الوحدة بين الدول العربية.
وإذا راجعنا جميع الكلمات التي ألقيت لاكتشفنا انها قد تكاملت في إرسال رسالة واحدة لإسرائيل مفادها,, إن خيار السلام العربي لم يعد يعني خيار الضعف والانتظار لما تجود به على مائدة التفاوض.
ثانيا: بيان القمة:
وقد جاء تجسيدا للتنويهات المختلفة التي جسدتها كلمات الرؤساء بدءا بالتأكيد على ان السلام العادل المقبول من العرب لن يتحقق إلا بعودة القدس الشريف واستعادة كافة الأراضي المحتلة سورية وفلسطينية ولبنانية, وإنتهاء بوقف التعاون الاقليمي والعزم على تقديم الدعم المالي والسياسي للانتفاضة من ناحية والسعي نحو محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين من ناحية ثانية.
ثالثا: إيضاحات المتحدث باسم المؤتمر:
لقد جاءت إيضاحات السيد عمرو موسى لتبين ان لجنة المتابعة الوزارية ستبدأ أعمالها على الفور وان الطرف العربي يمتلك خيارات عديدة وأوراقا متعددة على المستوى الدولي والاقليمي والميداني ترتفع إلى خيار الردع ويتم استخدامها طبقا لخطة متصاعدة ضاغطة على الطرف الإسرائيلي.
تحديات ما بعد القمة
ان النظر إلى القمة من خلال المستويات السابقة يصل بنا إلى حكم أمين بأن لقاء الرؤساء وكلماتهم وبيانهم لم يكن سوى نقطة البداية في عمل نأمل له ان يدفع بأقصى الطاقة لمواجهة تحديات ما بعد القمة والتي تجلت فيما يلي:
1, على المستوى الأمريكي:
أ, صدور تعليق على القمة يعتبر بيانها قاسيا وضارا.
ب, صدور تصريح يعبر عن عدم الارتياح الأمريكي لتصريحات ولي العهد السعودي الناقدة للموقف الأمريكي.
ج, رفض فكرة محاكمة مجرمي الحرب الإسرائليين.
2, على المستوى الإسرائيلي:
أ, رفض لهجة التهديد الواردة في بيان القمة.
ب, اندفاع باراك بعد إعلان تجميد المفاوضات إلى احضان شارون لتكوين حكومة طوارئ وطنية.
ج, منع دخول امدادات الغذاء والمواد الطبية عبر الحدود المصرية والأردنية وهو ما يمثل انتهاكا للمعاهدات السلمية التي تنص على فتح الحدود وبداية حرب التجويع.
د, احكام الحصار على المدن الفلسطينية وإغلاق مداخلها بالدبابات واللجوء إلى قصف الأحياء ليلا بالدبابات دون تمييز.
ه, تسريب أنباء عن خطة حقل الأشواك لإعادة احتلال مناطق ألف الخاضعة بالكامل للسلطة الفلسطينية.
و, إعلان باراك عن خطته لعرض التسوية الإسرائيلية من جانب واحد من خلال الفصل بين مناطق السلطة والمناطق التي سيقرر ضمها إلى إسرائيل في الضفة وغزة.
ز, تسريب ما زال خافتا باحتمال ان تقوم إسرائيل بمهاجمة لبنان والقوات السورية.
إن التحديات السالفة تستدعي منا ان نحول الجدل حول القمة إلى موقف وحدة تتراص فيه الجهود بين دول القمة من ناحية وتتطلب منا كجماهير مخلصة لقضية الأمة ان نحافظ على وحدة وسلامة الجبهات الداخلية مع كل المجتمعات العربية لتأتي الحركة اللازمة في إطار من الوعي يرقى إلى خطورة المرحلة ويدعم الجهد الموحد لإحباط الأهداف الإسرائيلية.
د .إبراهيم البحراوي
رئيس شعبة الأبحاث الإسرائيلية بجامعة عين شمس

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved