أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 27th October,2000العدد:10256الطبعةالاولـيالجمعة 30 ,رجب 1421

الثقافية

التربية والمنهج العقلي
د, مسعد بن عيد العطوي
يذهل العقل الإنساني في زمننا أمام هطول المعرفة الدائم وأمام كثرته، وتعدد سبله وطرائقه، بل يسرها ومداهمتها الإجبارية أحيانا, فالفرد أمام هذه التيارات المعرفية ذات العواصف الرعدية يحتاج إلى عقلية نأملية ذات منهجية قادرة على التميز والاختيار، سريعة التنقيب والتمحيص ولاسيما الأمة التي لها معتقداتها ومبادئها التي ترى أنه من الواجب الحفاظ عليها ونحن في زمن العولمة التي لا فكاك منها نبتغي تربية تغرس ثوابت، وتنمي عقولا منهجية، ذات قدرات تأملية، وهذه ليست من الصعوبة بمكان فالتربية التي تكون هذه الخصائص العقلية قريبة التناول لو سلم بها أبناء جلدتنا من المفكرين ورواد الفكر التربوي ورواد الفكر الإعلامي, لكن مصيبتنا تأتي من قناعة بعض المفكرين بأن معتقداتنا وتراثنا لا يولد مثل هذا العقل.
فمنهم من يرى أن العقل الإسلامي عقل انقيادي اتباعي لا تأملي، يستسلم لموجات الفكر العابرة ولا يمحص كتب بعضهم: والتسليم بالأمر الواقع يتراوح ما بين التسليم بالقدر الالهي الغيبي وبالتالي تبرز من خلاله العطالة أمام هذا القدر، وبين التسليم بالواقع وقوانينه الثابتة عبر قدسية الأعراف والعادات والتقاليد والقيم، وهو ما يبرر العطالة أمام هذا الواقع عالم الفكر يوليو عام 2000 ص10
فلهذه القناعة من الكاتب وأمثاله هي التي صرفت الأمة عن مسارها الصحيح وجعلتها مستسلمة للغرب بدل أن تأخذ بعقلانية لها جوانب متعددة فالعقل الإسلامي أو نظرة الإسلام للعقل تقوم على أسس أولها أن العقل له قدرات ولكنها محدودة تماما كالبصر وسائر الحواس, فالعقل في هذا الكون أمام عناصر هي.
1 ما يعجز عنه العقل البشري وهي الأمور الغيبية فالله يسر على البشر وعرفهم بها فيجب الاستسلام والانقياد بفكر تأملي.
2 ان العقل قادر على معرفة الله: فدعا الفرد إلى معرفة الله عن طريق البرهان والحجة والتأمل فمعرفة الله بمعرفة مخلوقاته وهذه يسرها الرب على لسان رسلهم وفي محكم كتبه ودعاهم إلى الإيمان عن طريق التأمل العقلي فكان الأمر ميسورا شائعا شعبيا بينما نجد أن الفلاسفة ادركوا ان وراء هذا الكون خالق ومدبر ، ولكنهم تاهوا في تنظير الفكر ولم يرضوه شعبيا، فلم تكن الفلسفة داعية بتوحيد الله بالعبادة.
3 وهناك العقل الاختيار والاختيار يدل على التأمل والتعقل وهذه ابواب واسعة ومدها شاسع، فعن طريقها عبادة رب العباد فألهمها فجورها وتقواها وعن طريقها بناء المعرفة، وبناء المعمورة وهذه مسلمات العقل الناجم عن المعرفة الإسلامية، أما ماطرأ على العقل من شوائب العادات والتقاليد والأفكار المعضلة فهذه طارئة يجب أن يمحص العقل والفكر عنها ولا تكن عقبة تصد عن أن يكون التوجيه الرباني للعاقل مرجعية تربوية, ولا برهان على أن العقل المتنزع من التشريع الإسلامي الخالص من الشوائب البشرية يؤدي إلى البطالة أو العطالة، وانما هو زعم اتبعنا فيه مجريات الفكر الأوروبي في عصر التنوير للغرب، ومما لاشك فيه أن تعطل العقل الشرعي أدى إلى العطالة فالشرع يدعو للعمل الدائم، فكيف لو أخذنا بالعقل الداعي إلى ذلك.
لكن الذي لم تعمل به الأمة هو إيجاد منهجية لتربية العقل تأخذ به إلى التأمل والتدبر, فلو علمنا أولادنا أن كل قضية نحاول أن نكتشف التوجيه الرباني فيها ونتأملها عقليا، ونمحصها واقعيا، ونقارن بين تضاداتها وتعارضاتها ومن خلال المفارقة تتجلى الحقيقة, لكننا في تربيتنا لم نبلغ درجة المنهجية العقلية حتى في تربيتنا المنزلية لا ندعو النشء إلى توظيف العقل في صغائر الأمور حتى يتطور المنهج الفكري معه.
فهل إلى عمل تربوي يبني منهجا عقليا يتطور بالممارسة العملية في الحياة الفكرية والسلوكية والحوارية؟ نسأل الله ذلك.

أعلـىالصفحةرجوع















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved