| عزيزتـي الجزيرة
كثير من الشباب تائهون في دروب مجهولة، وكثير من الشباب قد اجتازوا سن هذه التسمية فتعنسوا حيث تخطوا سن الأربعين من أعمارهم ولم يحظوا بالزواج، ورغم ان الفتيات اللائي بلغن سن الزواج قد غصت بهن البيوت وبعضهن قد عنسن وتجاوزن الثلاثين عاما، وما كان يليق بالآباء ان يسيئوا رعايتهن ويبخسوا حقهن واستغلالهن لأغراضهم ومصالحهم الخاصة او الاستفادة منهن ماديا ان كن موظفات,, وهناك مشكلة العادات والتقاليد والمحاكاة، خاصة من جهة الامهات، فالأمهات لا يرضين بأقل مما دفعه فلان والقول ما قالت حذام وفي زماننا هذا فقد ترجل كثير من النساء وتأنث بعض من الرجال، وهذا هو العجب الذي لا يفرغ منه، ويا ليته كان العكس، لأن ترجل النساء دليل على طغيان شخصياتهن على شخصية الرجال:
وما عجب ان النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عجاب |
وكثير من الشباب اليوم يحيون حياة لا طعم لها، ويعيشون على مر الحياة واكراهها، مادام تفكير كل منهم منحصرا في استحالة الزواج عليه لتعذر حصوله على تكاليفه المضنية واستحالة حصوله على زوجة تكون شريكة حياته وقد ضرب بينهما حجاب باطنه الرحمة وظاهره العذاب، ومن أين للشباب وانى لهم ان يحصلوا على تكاليف الزواج وتقاليده ومراسيمه وافراحه وحفلاته ومهره، وحتى القصور التي تقام بها الأفراح حذت حذو غلاء المهور في ارتفاع استئجارها ليلة واحدة بما يصل إلى خمسة عشر الف ريال، والكثير من هؤلاء الشباب محدود الدخل والأكثر منهم لا دخل له على الاطلاق ومشكلتنا الاجتماعية التي هي من أسهل الحلول، أصبحت من اعقدها، وليس العيب في المشكلة ذاتها في هذا التعقيد، وإنما هو نابع من تكاتف المجتمع واجماعه على هذه التقاليد وانسياقه وراءها بسبب استكانتهم وانصياع بعضهم لما تمليه عليهم الأمهات، ولو كانت المغالاة في المهور وتكاليف الزواج مكرمة وفضيلة لسبقهم بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته، فكان سعيد بن المسيب يحدث في الناس في المسجد فسأله رجل من عُرض المسجد وقال: يا أبا محمد ان رجلا يلاحيني في صداق ابنته، ويكلفني ما لا اطيق فما أكثر مابلغ اليه صداق ازواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وصداق بناته؟ قال الشيخ: روينا عمر رضي الله عنه ينهى عن المغالاة في المهور والصداق، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول خير النساء احسنهن وجوها وارخصهن مهورا فصاح سائل من المسجد، وقال: يا أبا محمد كيف يتأتى ان تكون المرأة الحسناء رخيصة المهر؟ وحسنها هو يغليها على الناس؟ قال الشيخ: كيف قلت؟ أهم يساومون في بهيمة لا تعقل او هي بضاعة من مطامع صاحبها يغليها على مطامع الناس؟ فالذي يريده صلى الله عليه وسلم انها مع جمال وجهها جمال أخلاقها وسهولة مهرها، فهذه ان اصابت الشاب الكفء لم تبهظه بقاصمة ظهره في الدَّين والمداينة بل انها تيسر عليه ثم تيسر، إذ تعتبر نفسها انسانا يريد إنسانا، لا متاعا يطلب مشتريا، اما الحمقاء فجمالها يأبى إلا مضاعفة الثمن لحسنها أي لقبحها ، وهي بهذا المعنى من شرار النساء وليست من خيارهن، وقد تزوج صلى الله عليه وسلم على عشرة دراهم واثاث بيت، وكان الاثاث رحى يد وجرة ماء ووسادة من ادم حشوها ليف واولم على بعض نسائه جمع وليمة بمدَّين من شعير وماكان عليه الصلاة والسلام به الفقر إلى هذا الحد، ولكنه يشرّع بسنته ليعلم الناس من عمله ان المرأة للرجل نفس لنفس لا متاع لمشتريه, ولعلمه صلى الله عليه وسلم ان الناس ليسوا على درجة واحدة من الغنى والحصول على المهر الغالي فيه فمنهم من هو غني ومنهم من هو متوسط ومنهم من هو فقير.
فمهر الفتاة الصحيح ليس هذا الذي تأخذه فقد أصبح المهر الغالي كالتدليس على الناس وعلى الفتاة وقد تكون عروس اليوم ومطلقة الغد بسبب هذا المهر لأنه كما يقال في الأمثلة الشعبية راحت السكرة وجاءت الفكرة فقد يكون الشاب سعيدا في أول أيام زواجه وبعد ايام قلائل تبدأ الهموم والتفاكير بمطاردات أشباح دائنيه والأقساط المترتبة عليه والالتزامات والفواتير والمصاريف فتجتمع عليه شيئا فشيئا فيتلاشى حب الزوجة بالنزول حتى يتحول إلى كراهية لأنه يرى بأن هذه الزوجة هي السبب الرئيسي في تجمع هذه الديون والتفافها حول رقبته كالتفاف حبل المشنقة حول المجرم.
ومن كلام الرسول الكريم قوله: إذا اتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه الا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فقد اشترط الدين ثم الأمانة وهي مظهر الدين كله أي أمين في حقوقها وفي معاملتها فلا يبخسها ولا يسيء إليها لأن كل ذلك ثلم في أمانته، وكل من هدي سبيله بالدين والتيسير في المهر استطاع ان يصنع لنفسه ولابنته سعادتها، ولو لم يكن لها مع زوجها إلا لقيمات يقمن صلبها، فإن السعة سعة الخلق لا المال، فيسروا ايها الآباء ولا تعسروا وتحاشوا وقوع الفتنة في الأرض ووقوع الفساد الكبير في امتناعكم عمن تقدم بالمهر القليل:
اعط القليل ولا تمنعك قلته فكل ما سد فقرا فهو محمود |
بدر بن عبدالله بن تركي البكر إمارة منطقة حائل
|
|
|
|
|