تهاجسني همهمات السَّحر,,.
وقد توحَّدَت اللحظةُ باللحظة,,,، وقد تعوَّدنا معاً أن نغذَّ السهرَ,,,، في رحلةِ مدىً لا ينتهي,,.
وأنتِ دوماً سيدة البدء,,, حين يكون للّيل صولجانه المتوجسُ,,,، ودبيبه الناهضُ,,, حتى إذا ما استوى الكلام حروفاً مدمَّجةً، متَّحدةً، لا تبين تفاصيلُها,,,، قلتِ ما قاله العصفور لزغبه,,,، رويدكِ,,, فالليل لا ينتهي,,,، والصبح حين يأتي لا يذهب,,,!
ياسيدتي: تركتُكِ عند النَّبعِ,,,، وأنتِ تمدِّينه كي يرتوي,,,، ولم أكن أريد أن أقضَّ عليكِ لحظاتِ توحُّدكِ,,,، فأنتِ حين تمدِّين النبعَ,,,، تأخذُكِ طقوسُ العطاءِ,,,، وأدري أنَّ لا نبع يرتوي منكِ,,,، وأنَّه يتلهَّف دوماً للمزيد,,,!
صدَّقتُكِ,,,، وما ساورتني لحظةً واحدةً في زمن اللمّحةِ,,,، وليس في زمن الثانية الشكوكُ، بأنّكِ لا تقولين ما تضمرين,,,، لكنّني على يقين من شفافيتكِ، وحدَسِكِ، وعمقكِ,,,، مغلَّفةً كلُّ هذه المشاعر التي تُعمّر دخيلتكِ بشيء من الوداعة,,,، واللطافة,,,، ولأنّكِ,,, كذلك,,,، فإنّكِ لا تجرحين,,.
وأرى المدِّيات تُشهرُ في أوجه الواقع,,,، لكنَّكِ من يحرصُ على إسقاطها,,.
تحدَّثتِ معي عن السقوط,,.
وقلتِ: إن السقوط ليس كلُّه فشلاً، ولا نتيجتهُ دوماً ندم,,.
هناك من السقوطِ ما هو عودة لبدءِ الطريق,,,,، حين يكون البدءُ لا يتجه إلى المدى,,.
وأنتِ ترسمين للمدى منافذَ ومفازات,,,، لا يعرفها كلُّ النَّاسِ,,,، ولأنّكِ تحرصين على التطهير,,.
وترغبين في نقاءِ الكون بمن فيه,,.
فالسقوط بدءٌ عامِرٌ بالمفاجآت,,,، حين يأخذ إلى مفتاح الحقيقة,,,، ويواجه معه الإنسانُ فرصةَ البداية,,,، حين يظنُّ أنها قد فاتته,,.
ما أروعكِ وأنتِ تفرشين جناحيكِ على مدى الطريق,,.
وتمنحين العابرين منه ريشةً ريشةً,,, كي يستدلوا بها إلى الدرب نحو مشارف المدى العامر الذي لاينضب,,,، ولايفقر؟!
وجدتُ بعضَهم يضعُ ريشتكِ فوق جبهته مصباحاً,,.
وبعضهم يضعها خلف رأسه ناقوساً,,,، وبعضهم يحملها في يده عصا يشق بها الطريق,,,، وبعضهم يحملونها فؤوساً يحفرون بها ويمهدون,,,، وآخرون بين أصابعهم أزاميل، وأقلام,,, وأنتِ بعد أن كوَّنتِ هذا المجموع من الكادحين، والسائرين تبسَّمتِ,,, لأنكِ عمَّرتِ المدى بأكاليل العبور,,, دون أن تدَعي للسقوط مفهومَ الانتهاء,,.
ذلك السّحر,,.
هاتفتني رسُلُكِ,,.
وأنتِ تعلمين أن رسُلَكِ نحوي هي كلُّكِ أنتِ، وكلِّي أنا,,.
لكنني تهاتفتُ,,, وأصغيتُ,,, ولم أغلق نوافذ الاستماع,,.
وبقيتُ في انتظار المدى,,, كي تأتي الطيوف,,,، وجاءت وقد تسربلت بورق السنديان العتيقة، خضراء تنبض بالرواء والندى,,,، كانت قد توشَّت بالمواعيد التي أرسلتِها,,, ميعاداً,,, ميعاداً,,, لكنكِ بقيتِ في جوف المواعيد طيوفاً,,, إلى أن نطق الظلُّ في توحُّد السنديان كي يخبرني ببقائكِ الأبدي في دخيلتي,,, لذلك لم يعد يهم أن تأتي أو لا تأتي,,, لأنكِ هنا لا تذهبين,,,، فلماذا تعودين؟!,,.
وهاتفتكِ,,, فيَّ,,, حتى استوى الحديثُ بيننا صمتاً لا ناطق فيه سوانا,,, لكن لا صوت ولا صدى!,,.
هذا المدى الذي يمَّمتِ صوبَه، قد امتلأ حتى الفيضان,,.
وجاءت المزون تَهمي,,.
وكلُّ العابرين يحملون ريش جناحيكِ قد عرفوا الدروبَ,,.
وأخذوا ينهلون من ودق المزون حتى ارتووا,,,، رواءً مثرياً,,,، جاءت بعده الثمار,,.
ليتكِ تعرفين اللحظةَ كَم قصيدةً قد أثمرت شجرةُ الشعر في أودية السنديان,,,؟!
وليتكِ ترين كم نبعاً قد انبجس في دروب النخيل؟,,.
وكم أنتِ تضيئين,,, وتشرقين؟!,,.
هاتفتكِ كي أخبركِ أنَّ رسل الشعر، ونبع النخيل، عرفوا دروب المدى وما ضلوا الطريق,,.
هناك، حيث بنيتِ لهم قصور التوحُّد، وأنشأتِ لهم ملحمة الأبد,,, سيكونون إليكِ وحين يكونون ستجدينني ما بارحتُ المكانَ,,,، ولا تجاوزتُ الزمانَ,,,،
وإني حيث أنتِ,,.
لأنكِ حيث إني,,.
فأرسلي همهماتكِ للسحر كي يغفوَ في مسيرة البقاء,,,، دون أن يرتدَّ إليه طرفُه في وجلٍ,,,، ذلك لأن الليل لا ينتهي,,.
وحين يأتي الصباح,,.
فإنه لا يذهب أبداً,,.
وكوني كما وهجة ضوئكِ فوق سارية العبور,,, لا تخبو لكِ بوصلةٌ,,.
ولا ينتهي لكِ دربٌ,,.
فأنتِ سيدة الدروب,,.
ودليل العابرين.
وإني هنا,,,!!
وإني هناك,,.
حيث أنتِ هنا,,, وأنتِ هناك.
|