| الثقافية
4
لقد تحدثنا في الحلقات الماضية عن القصة بشكل عام، وهو الاسم الذي يضم ألوان السرد وتتفرع منها الأجناس الأدبية النثرية المعروفة، وكان ظهور الرواية novcl في أوروبا تجريبياً مع ظهور المدينة الصناعية ودخول التكنيك الصناعي في كل شيء، في منتصف القرن التاسع عشر موثقة للتاريخ الأوروبي على أسس فنية في البناء والمعالجة،
وقد كانت قبل ذلك تقوم على التأثير الديني الوعظي، الذي قام على الفلسفة الدينية Theology في بداية ظهورها في أوروبا، ثم اتخذت نظاماً فنياً ميز بعضها عن بعض، وأصبح لكل فن مقوماته وأصوله، فلم يعد متشابهاً يصعب التفريق بين فنونه الأدبية، حتى وان انضوى بأشكاله المختلفة تحت مسمى النثر بمفهومه العام الذي كان يصنف كل ما يروى باسم الرواية، حتى المسرحية الشعرية.
كما يذكر الشيخ عبدالعزيز البشري عندما كان يتحدث عن مسرحيات أحمد شوقي الشعرية، وتم فصل الرواية كنوع أدبي له أصوله على يد الروائي المعروف السير، ولتر سكوت 1771 1832 (Walter Scott) الذي جسد أحداث التاريخ الاكوسي في رواياته التي كتبت باللغة الانجليزية لأول مرة من كاتب اسكوتلاندي، وهو ابن أحد النبلاء الذين تعلموا اللغة الانجليزية في التخوم المجاورة لانجلترا تميز سكوت برواياته التاريخية التي أثرت في الكثير من كتاب عصره نظراً لسعة ثقافته، فقد كتب بالانجليزية وترجم عن الألمانية الكثير من الأشعار وإذا رجعنا إلى التراث العربي القصصي فسنجد أن أبا عثمان الجاحظ 150 255 الموافق 705 856، قد وضع لنا أسس الرواية في نثره الجميل الذي لا يحتاج إلا إلى التقنية التي استعملها سكوت في رواياته التاريخية، ولا أحد ينكر ما لذلك النثر الفني من تأثير مباشر وغير مباشر على بناء الرواية العالمية، وما أن انتشرت الرواية التاريخية في العالم، ومنه بالتأكيد البلاد العربية عن طريق بلاد الشام ومصر على أيدي المهاجرين الشوام في بداية القرن التاسع عشر، وتأسيس الصحافة وهي اللسان الناطق باسم الأدب الحديث، مثل الأهرام 1876 التي أسسها الأخوان تكلا والهلال التي أسسها جرجي زيدان 1892م، وصارت لسان حال الرواية، وقام كل من زيدان واميل حبشي الأشقر، بتأليف الرواية التاريخية على غرار الرواية الأوروبية التي مر ذكرها، لكن هناك فرق شاسع بين المؤلفين.
كان زيدان يهدف إلى انشاء رواية تاريخية يصادم بها الرواية الأوروبية، لكن للأسف الشديد أن الدواء جاء أسوأ من الداء، ونحن نقدر لهؤلاء جهودهم مهما كانت النتائج، فقد ظهروا في وقت يقدر المثقف جهد الانسان الذي يعمل بصرف النظر عن الخطأ والصواب.
فسكوت جسد التاريخ الأوروبي بشكل عام عكس الحضارة في غرب أوروبا في روايات غيرت مجرى حياة الشعب إلى الأفضل مما كان عليه، خاصة روايته وفرلي Waverley 1814 التي أثرت في الحركة الرومانتيكية، على حد تعبير الدكتور صدى الإبداعبدالملك مرتاض, وبالرغم من غضب أبناء شعبه عليه لخروجه من لغتهم إلى لغة تعتبر غريبة عليهم في ذلك الوقت، هي اللغة الانجليزية، ولم يتكلموها آنذاك، لكن أدبه فرض نفسه على الكل، ووجدوا فيه مدرسة أدبية لم نجدها عند كتابنا العرب، لذلك سميت أكبر محطة للسكك الحديدية في العاصمة الاسكوتلاندية اد نبرة Edinvurgh وهي مدينته التي نشأ فيها، باسم روايته هذه، وقد سمى الرواية باسم هذا المكان، فأحيا كل منهما الآخر، وبالرغم مما تركه لنا كتاب النثر العربي في القرن الثالث والرابع الهجريين من جذور تاريخية للرواية، فإن عصور الانحطاط الفني قد حالت بيننا وبينه، لتخرج لنا أدباً نثرياً هابطاً شكلاً ومضموناً.
فعندما قامت النهضة الأدبية الحديثة وجدت هذا النثر الركيك جاثماً أمامها، لا يتعدى الوصف الضعيف والأخوانيات، وما شابهما,وأصبح المستفيد الأول من النثر العربي القديم بلاد الغرب الذين درسوه بكل معانيه، وحولوه إلى لوحات أدبية رائعة، ثم صدروه إلينا لنستهلكه مثل أي سلعة كمالية.
|
|
|
|
|