| الاخيــرة
الرباعية هي وزن شعري لفقه شعراء الفرس من زحافتي الأخرم والأخرب من بحر الهزج وخرجوه تخريجا يلائم ذوقهم الشعري وسموه الرباعي.
ومع ان الفرس قد استساغت هذا الوزن، وأكثرت من الانشاد فيه، الا ان الرباعية ليست اختراعا فارسيا محضا كما زعم بعض عروضي العرب، وكما توهمت أنا أيضا في أول الأمر.
فقد شهد شاهد من الفرس أنفسهم، بل أحد أكبر علماء النقد بينهم، وهو شمس الدين محمد بن قيس الرازي صاحب كتاب المعجم في معايير أشعار العجم وهو من أوثق كتب النقد والبلاغة والعروض الفارسية, يقول محمد بن قيس الرازي ان الفرس هي التي استعارت الرباعية من العرب وليس العكس كما زعم الدكتور المرحوم ابراهيم أنيس في كتاب موسيقى الشعر حيث قال: أما الوزن الرباعي فهو كما ترى ليس مخترعا عربيا ولكنه مستعار من اللغة الفارسية .
يقول شمس الدين الرازي عن نشأة الرباعي وشيوعه في الشعر الفارسي: وقد خرَّج أحد شعراء العجم المتقدمين، وأظنه أو جعفر الوردكي، هذا الوزن من نوعي الأخرم والأخرب من بحر الهزج .
ويسوق شمس الدين الرازي قصة لها دلالة على ان الرباعية وزن شعبي وانه كان رائجا بين العامة في خراسان قبل تهذيب الوردكي له، يقول شمس الدين الرازي: وهو وزن والحق يقال مقبول حلو، يحلو انشاد الشعر فيه، ولذلك هامت به الأذواق الحساسة، ومالت اليه الطبائع السليمة، ولكن جمال موسيقاه قد فتنت الناس، حتى أغرت العالم والعامي، والزاهد والفاسق والصالح والطالح وكل ذي ذوق مريض ممن لا يفرقون بين صوت الموسيقار ونهيق الحمار فحاول كل أولئك أن يجرب حظه فيه، وربما أغرهم بذلك أن وزن الرباعي وزن راقص، يلائم الموسيقى، ولكنه لا يلقى مقاليده لكل من هب ودب.
ولقد لحن الموسيقيون الأشعار التي جاءت على وزن الرباعي ألحانا عالمية وأداها المغنون أداء اسراً، وصار من عادة الشعراء الفرس أن يطلقوا على هذا الوزن اذا نظم بالعربية قولا وناظمه قوالا واذا نظم بالفارسية سموه غزلا واذا لحن وصاحبته الموسيقى سمي ترانة أي لحنا, واذا ظل مجرد شعر ينشد سمي دوبيت وسمّاه المستعربون من الفرس بالرباعي لأنه مولد من الشعر العربي.
ولكل بيت من هذا الوزن الرباعي في الفارسية بمثابة بيتين في الشعر العربي، باحتساب كل شعر بيتا في مفهوم الشعراء الفرس، ولأن الزحافات التي استعملها الفرس في هذا الوزن كانت كثيرة، فان الآذان العربية نفرت منها ولم تستسغها, ولذلك انصرف الذوق العربي عن الرباعية ولم يقبل الشعراء العرب على انشاد هذا الوزن الا نادرا.
وفي ورقة قادمة سوف أتحدث عن نماذج من رباعيات عربية لم يقدر لها الرواج، ولم يتسع لها الذوق العربي فماتت في مهدها.
|
|
|
|
|