| مقـالات
لايعرف معنى اليتم إلا من ذاقه، ولايعرف مرارة الحاجة وصعوبات الحياة إلا الذي فقد من يعوله ويحميه، وهو لايزال عصفوراً صغيراً غير قادر على تحمل أعباء الحياة، ومصاعبها، ومواجهة متطلباتها، ولكن الأعمار بيد الله تعالى، واليتم حقيقة واقعة موجودة في كل المجتمعات، ونحمد الله تعالى أننا نعيش في بلاد إسلامية، تمثل قلب المجتمعات الإسلامية، والإسلام دين الله الكامل، قد وضع الحلول الجذرية الشاملة والدقيقة والأصيلة لقضية اليتيم والأيتام.
لقد كان حسناً ما قامت به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عندما علمنا عبر وسائل الإعلام عن قيامها بعملية تنشيط وضخ للدماء في الإدارة العامة لرعاية الأيتام، حيث قام معالي الدكتور علي بن ابراهيم النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية بجعل خصوصية مميزة للإدارة، وذلك من خلال إحساسه بأهمية الموضوع، ومعرفته لضرورة مواجهة هذا الواقع بالشكل الأمثل، والطريقة الأنسب، بالشكل الذي يتماشى مع ما يريده الله سبحانه لنا في هذه الحياة، والدكتور النملة غني عن التعريف لجهوده وإسهاماته في مجالات الخير، والأعمال التي تخدم القضايا الاجتماعية وفق المنظور الإسلامي الحنيف.
وفي هذا السياق تأتي الخطوة المباركة بتعيين أحد الأشخاص الأتقياء الصالحين المعروفين بصفات عمل الخير، وحب الخير، والذي تشهد له مجالات العمل التطوعي، ومجالات التوجيه والآرشاد، والأعمال الخيرية، ألا وهو الأخ الأستاذ منصور بن صالح العمري كمدير عام للإدارة، وهو الذي يعتبر خير خلف لخير سلف، فوالده هو الشيخ صالح بن سليمان العمري رحمه الله الذي لا تستطيع التحدث عن الإدارة العامة لدور الأيتام دون الحديث عنه.
لقد شهد أواخر عام 1375 من الهجرة بداية نقلة جديدة في تاريخ الرعاية الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، وذلك حين تم التفاهم بين جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، وفضيلة الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ مفتي المملكة العربية السعودية رحمهما الله آنذاك والمشرف على قطاع الرعاية الاجتماعية على تطوير هذا القطاع، وإحداث دائرة خاصة ترعى شؤونه.
بعد ذلك بدأت الخطوات العملية لإنشاء الإدارة العامة لدور الأيتام، وتم تعيين فضيلة الشيخ عبدالله المطلق الفهيد مديراً لدور الأيتام، وفي الوقت نفسه استدعى سماحة المفتي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ الشيخ صالح العمري الذي كان وقتها في مكة المكرمة بعد أن سلم العمل في معتمدية المعارف في القصيم لغيره ليتوجه إلى الرياض لأمر يتعلق بالمديرية، وتم تكليف الشيخ صالح بعمل المساعد للمدير العام لدور الأيتام بتاريخ 25/11/1375ه ، ومما جاء في خطاب التعيين:
نظراً لما نؤمله منكم من القيام بمساعدة الإدارة العامة لدور الأيتام، وما نلمسه فيكم من النشاط مما يخولكم حمل هذه المهمة، وأداء هذه الأمانة على الوجه الأكمل إن شاء الله، فقد عيناك مساعداً للمدير العام لدور الأيتام، ونوصيك بتقوى الله تعالى، والنظر فيما يصلح دين هؤلاء الأيتام ودنياهم .
ونظراً لظروف المدير العام الصحية فقد عين الشيخ صالح نائباً له مع الاحتفاظ بوظيفة المساعدية، ولم تمض شهور قليلة على بدء تحمل الشيخ لهذه الأمانة حتى تضاعفت أعداد الدور الاجتماعية عدة مرات، فبعد أن كانت محدودة العدد متمثلة فقط بالدور الثلاث: في مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والرياض، لم تلبث أن ارتفع عددها في العام الأول لتولي الشيخ صالح المهمة إلى حوالي ثلاث عشرة دارة.
ونتيجة للجهود التي بذلها في تطوير الإدارة، وتأسيس الدور، فإن المسؤولين رأوا في الشيخ صالح العمري الكفاءة المطلوبة التي تؤهله لتولي عمل المدير العام لدور الأيتام بشكل رسمي، ولذا فإن سماحة مفتي الديار السعودية والمشرف على الإدارة العامة لدور الأيتام لم يتردد في تعيين الشيخ صالح العمري مديراً عاماً لدور الأيتام، بعد أن انتقل المدير الرسمي السابق الشيخ عبدالله المطلق الفهيد إلى رحمة الله تعالى.
وهكذا قدر للشيخ صالح العمري أن يمارس دوراً جديداً في الريادة، وشهدت الأيام أن الشيخ كان أهلاً لهذا الدور، فلم تمض أشهر بعد أن أسند له هذا الدور حتى انتشرت دور الأيتام وغيرها من مؤسسات الرعاية الاجتماعية لتصل إلى غير هذه المناطق، ولتغطي بذلك معظم مناطق المملكة العربية السعودية، وارتفع عدد الدور إلى حوالي ثلاثين داراً في أقل من عامين، وتم تجهيز هذه الدور بجميع مايلزم لها من معلمين، ومراقبين، وخدم ، وإعاشة للطلاب، أما عن الدراسة فكانت داخل الدور وفق المنهج التعليمي المطلوب.
وجاء عام 1380ه ليشهد نقلة أخرى جديدة في هذا الجانب من الجوانب الحضارية في تاريخ المملكة الحبيبة، وتمثلت هذه الخطوة بإنشاء وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وبادر الشيخ صالح العمري إلى طلب ضم الإدارة العامة لدور الأيتام إلى هذه الوزارة الجديدة تحسباً لمزيد من الرعاية، وجاءت موافقة الجهات المعنية على هذا الطلب في العام نفسه، لتنضم الإدارة بذلك إلى جهاز الوزارة الجديدة، تحت إشراف إدارة المؤسسات، التي حولت بعد ذلك إلى الإدارة العامة للرعاية الاجتماعية، وليصبح هذا الجهاز بذلك حقيقة قائمة ترعى فئة معينة من أفراد المجتمع السعودي ذكوراً وإناثاً، من الذين تتراوح أعمارهم مابين السادسة والثامنة عشرة، من الذين يتوفى أحد والديهم أو كلاهما، أو الذين يعجز أحد والديهم أو كلاهما عن رعايتهم بسبب فقد الأهلية، أو عدم القدرة على تنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة عن طريق أسرهم الطبيعية.
وفي ظل ذلك الوضع الجديد للرعاية الاجتماعية واصل الشيخ صالح العمري جهوده السابقة لخدمة تلك الفئات من المجتمع، وشهد ذلك القطاع قفزات تطويرية ملموسة في الكم والكيف، حيث تم العمل على تحسين مستويات الخدمات القائمة مع استمرار نوعيات أخرى من الخدمات.
لقد كان للأيتام خارج المملكة نصيب من اهتمام الشيخ صالح العمري، وأبرز مثال لذلك ما كتبه للمسؤولين عن دار التربية السعودية في دمشق، في شوال من عام 1382ه، تلك الدار عبارة عن دار خيرية انشئت عن طريق بعض المحسنين السعوديين يلتحق بها الأيتام السعوديون ومن في معناهم من المقيمين في سورية، وترعى إدارياً ومالياً من قبل بعض التجار السعوديين المقيمين في سورية أو المترددين عليها.
إن قضية اليتم والأيتام كبيرة، والاهتمام بها في الإسلام واجب ومطلوب، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى، وفرق بينهما شيئاً ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو ارحم الناس باليتيم واشفقهم عليه، وهو القائل صلى الله عليه وسلم : خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه .
ومن هذه المنطلقات الأساسية كان الاهتمام الإسلامي، سواء على صعيد الأفراد أو الأسر أو المجتمع والأمة والدولة ككل بالأيتام، لقد كان هناك توجيه صريح لعدم ايذاء أو ظلم اليتيم على وجه التحديد، يقول تعالى في محكم التنزيل: ((فأما اليتيم فلاتقهر))، ويقول تعالى أيضاً: ((أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم)).
وأما الذين يسلبون اليتيم ماله فقد توعدهم الله سبحانه بأقسى درجات العقاب والعذاب، يقول تعالى: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً))، والعكس يكون في حالة الإحسان، كما أبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعره مرت عليها يده حسنة، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وفرق بين أصبعيه السبابة والوسطى .
لهذه الأمور والقواعد كلها فإننا نقدر عالياً ما قام به معالي الدكتور علي بن ابراهيم النملة من موقعه بهذا الخصوص، وندعو الله تعالى أن يجعل ذلك ميزان حسناته.
لقد تم الآن توحيد مهمة الإشراف على الأيتام من خلال إدارة واحدة تسمى (الإدارة العامة لرعاية الأيتام)، وترتبط بسعادة الوكيل المساعد للرعاية الاجتماعية، لتكون بديلة عن الإدارة العامة للأسرة والطفولة، على أن تضم إليها ادارة التربية الاجتماعية، التابعة للإدارة العامة للرعاية والتوجيه الاجتماعي، كما يرتبط بالإدارة العامة لرعاية الأيتام ثلاث إدارات فرعية، وهي: إدارة الرعاية الإيوائية، وإدارة شؤون الاحتضان، وإدارة التتبع، ولكل منها مهامها وواجباتها بشكل يتكامل مع الإدارة الأخرى، ويخدم الهدف المنشود الذي يتوخى منه خدمة ما لايقل عن عشرة آلاف يتيم في بلادنا الغالية.
تلك هي الوقائع والتاريخ ، وذلك هو الثواب إن شاء الله ، والمهمة واضحة، والعمل الكبير مطلوب، ونحن على ثقة من كفاءة واقتدار الأشخاص المندوبين للعمل بهذا المجال على تحمل المسؤولية الكبيرة، ولكننا لاننسى أن ننوه بضرورة استمرار الدعم، وعلى كافة الأصعدة المادية والمعنوية والإعلامية، ليستمر العمل على أحسن وجه، وبأفضل حال.
إننا نطلب من الإعلام أن يأخذ دوره في هذا المجال، ونحن نعلم تأثيره ومدى انتشاره، والأقلام يجب أن تشحذ للعمل الخيري، وهي تعمل ذلك، ولكننا نطلب المزيد، يجب أن تزداد حملات التوعية بمثل هذه القضايا الكبيرة، أليس جديراً بنا أن نخصص أسابيع للأيتام، مع علمنا بضرورة أن يكون العام كله عام اهتمام باليتيم، أليس حرياً بنا أن نجعل من اليتيم أخاً لنا وابناً لنا لايشعر بالغربة إطلاقاً في هذا المجتمع الطيب، كما نأمل من وزارة العمل وخاصة أنه يقودها رجل عرف بالخلق، والتعامل الحسن، وحب الخير بالمبادرة في إقامة ندوة أو مهرجان خيري مابين فترة وأخرى عن رعاية الأيتام في المجتمع المسلم لتذكير الناس بتلك القضية الهامة.
وختاماً لا أقول إلا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : امسح رأس اليتيم، وأطعم المسكين ، والله من وراء القصد.
|
|
|
|
|