| مقـالات
ودع الأمريكان والمحللون والمتابعون والعالم المرشحين الأمريكيين للرئاسة، آل جور وبوش الابن، حيث ختم آخر ظهور علني لهما مع بعض في مناظرتهما الثالثة والأخيرة نحو البيت الأبيض, وعلى عكس المناظرتين الماضيتين، افتقدت المناظرة الأخيرة إلى فائز حقيقي حيث كان واضحاً في الأولى فوز آل جور، وفي الثانية فوز بوش، أما الثالثة فقد تعادلا إلى حد ما، وان كان جور قد أحرز بعض التقدم.
وبالعودة إلى المناظرة الثانية نستطيع التأكيد على عدة عوامل ربما يكون لها دور ولو ثانوياً في جذب بعض التعاطف لهذا المرشح أو ذاك, ولا ريب أن وسامة آل جور ربما يكون لها دور في احراز مثل ذلك التعاطف يقابل ذلك عدم حضور مظهري جيد لبوش على خشبة المناظرة، ولعل أول المتعاطفين مع وسامة جور هو سيدة البيت الأبيض التي امتدحت ابتسامة جور مما أثار صحافة التابلويد هنا في واشنطن، وبوش من خلال ادائه في المناظرات الثلاث يبدو واثقاً من نفسه وهو جالس في حين يبدو شارد الذهن واقفاً.
ولعل المناظرة الأولى قد أعطت مساحة أكبر للشؤون الخارجية, ففيما يتعلق بفلسطين المحتلة وما يسمى بأزمة الشرق الأوسط في الإعلام الأمريكي، كان واضحاً اعتدال بوش وتحيز جور لإسرائيل، ومع اعتقادنا أن سياسة أمريكا الخارجية تقررها المؤسسات فإننا في الوقت نفسه نعتقد ان للرئيس دوراً مؤثراً ايجاباً أو سلباً، وعندما تحدث جور عن الأزمة، ركز على: انهاء العنف، اطلاق الأسرى الإسرائيليين لدى حزب الله بضغط من سوريا على الحزب، الضغط على عرفات ولم يسم الرئيس عرفات ، أمن اسرائيل وسلامتها فوق كل اعتبار، ثم اعاد وكرر العلاقة الاستراتيجية الأمريكية مع اسرائيل في المنطقة.
ويلاحظ بوضوح ان الرجل كان يصور اسرائيل على انها بلد معتدى عليها، صودر حقها في الشعور بالأمن في وقت نسي فيه الفلسطينيين تماماً.
بوش في المقابل كان أكثر اعتدالاً، فسمى عرفات بالرئيس عرفات، وأشاد بالأصدقاء في المنطقة، وشدد على مصداقية أمريكا، واعتبر السلام مطلباً للفريقين.
ولعل الموقف الايجابي المؤثر لبوش تمثل في ذكره، لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، العرب الأمريكان، واستنكاره لنوع من التمييز العنصري يمارس ضدهم وخصوصاً فيما يعرف بقانون الأدلة السرية الذي طالب بإلغائه، وبوش بذلك يستثمر في أصوات العرب الأمريكان الذين يمثلون أعداداً انتخابية مؤثرة في عدة ولايات.
ومتى كان لدى هؤلاء العرب الأمريكان حد مقبول من التنظيم فانهم مع غيرهم من المسلمين الأمريكان يمكن أن يقلبوا الطاولة على المرشح الذي لا يريدون وبالتالي اعتراف مهم بدورهم ووضعهم في قائمة اهتمام المرشحين للرئاسة الأمريكية مستقبلاً.
ولعل أول ما يدل على اهتمام المسلمين الأمريكان بالتنظيم السياسي داخل اللعبة الديموقراطية الأمريكية ان 90% من عينة من المسلمين قالت بأنها ستصوت في الانتخابات القادمة، وهذه النسبة أعلى بنحو 50% عن المعدل الوطني المعتاد، تبعاً لمصادر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، وقد أشار 40% من العينة بأنهم سيصوتون لبوش في الانتخابات بينما أشار 25 أنهم سيصوتون لنادر الخضر و 24 فقط لجور، ويتوقع أن تصوت غالبية العرب لبوش، وهذا عكس المعروف والمألوف حيث دائماً ما تصوت الأقليات لصالح الديموقراطيين.
إن المراقب يستطيع أن يلحظ بعداً حقيقياً لجور عن تاريخ كلينتون وهو واحد من العوامل التي اشرنا في مقاله سابقة أنها قد تؤثر سلباً على جور، في المقابل، كان كلينتون أكثر ولاء للحزب عندما اتخذ قرارات اقتصادية متعلقة بالنفط لمصلحة جور، إلا أن هذه المساعدة ربما فقدت بريقها الآن وربما تأتي بنتائج عكسية على الرغم من حساسية الموضوع لبوش الذي يعد من طبقة الأثرياء، وهو السلاح الذي ربما يلعب به الإعلام الموالي لجور في الأيام القليلة القادمة.
إلا أن آل جور وقع في خطأ فادح عندما أورد معلومات مغلوطة وغير صحيحة في مناظرته الأولى مما جعله يعتذر عنها في الثانية, كما أن موقف جور من هوليود قد أغضبهم حقيقة.
لقد أُخذ على جور في مناظرته الأخيرة تركيزه على تعبير يقول فيه إنني سأحارب من أجلكم وهو ما فهم على أنه ايحاء بميل الرجل نحو التهديد والوعيد وهو أمر يتحسس منه الأمريكان، بينما ركز بوش على تعبير يقول: سأوقف الحرب وأوحد الجميع وهو أكثر قرباً من النفوس.
لقد بدا جور في مناظرته الثالثة أكثر عدوانية وتهديداً ووعيداً، بينما ظهر بوش شارد الذهن احياناً، غير قادر على التعبير عن بعض آرائه، ولعل الإعلام سيكون له دور حاسم في الأيام القادمة خصوصاً فيما بدأ يروج له من أن الأغنياء ومرشحهم بوش يريدون الوصول إلى البيت الأبيض بأي ثمن واستغلال هذا العامل من قبل اعلام موال لجور سيكون له آثار مدمرة على بوش.
وعلى أية حال فان الحملة الانتخابية الأمريكية في واقعها ما هي إلا ماراثون من المنافسة بين المرشحين عبر الولايات الأمريكية من أجل الفوز بالأصوات الانتخابية الكلية Electorel Votes ، فكل ولاية لها من هذه الأصوات ما يوازي عدد ممثليها في مجلس الشيوخ والكونجرس، وبالتأكيد فإن عدد الأعضاء في المجلسين يختلف من ولاية إلى أخرى، ولا يمكن مقارنة ولاية مثل فرجينيا بولاية مثل كالفورنيا.
ويحتاج المرشح للفوز برئاسة الولايات المتحدة إلى الحصول على 270 صوتاً من الأصوات الانتخابية الكلية من أصل 538 صوتاً، وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة، فإن بوش يتقدم على آل جور في 23 ولاية مجموع أصواتها 205 أصوات، مقابل 12 ولاية مضافاً إليها العاصمة لصالح جور وبمجموع أصوات بلغ حتى الآن 175 صوتاً، والسباق الآن محتدم على المتبقي وعدده 158 صوتاً في 15 ولاية، ومن الأرقام السابقة فإن بوش بحاجة إذا سارت الأمور طبيعية إلى 65 صوتاً قد يحصدها من ثلاث ولايات إلى أربع من الولايات التي لها ممثلون معتبرون في المجلسين.
والسؤال الذي يطرحه الجميع في هذه المرحلة وقبل عشرين يوماً من الانتخابات هو: من هو رئيس أمريكا القادم؟
المؤشرات الميدانية تؤكد أنه بوش الابن لعدة عوامل منها:
عدم مصداقية الديمقراطيين من خلال التجربة مع كلينتون، وكذب آل جور في حملته الانتخابية، رغم انجازات كلينتون التي يحسبها 70% من الأمريكان بسبب شخصية كلينتون.
نائب الرئيس اليهودي وما يرفع من شعار ديني وقيمي لم يتعوده الأمريكان.
موقف آل جور غير المعتاد من هوليود، ورغبته في وضع ضوابط على الترفيه.
وهذا بالتأكيد لا يعني ان بوش بدون متاعب، فلدى الرجل مشكلات تتمثل في عدم قدرته على التعبير عن أرائه بوضوح، وفقدانه للخبرة التي يتمتع بها جور.
ومع ذلك فإن الملفات قد تم تسليمها الآن إلى الاعلام الذي سيتصرف فيها بحسب قربه من المرشح، والأمر مع تقدم بوش على أرض الواقع، لن يسلم بنتائجه من الآن، إلا أن تصويت المسلمين والعرب الأمريكان جميعاً لبوش سوف يجعل فرص فوزه أكبر وسوف يجعل من هذه الأصوات هدفاً في المستقبل مما يمكنها من فرض أجندتها الخاصة.
|
|
|
|
|