| مقـالات
في أرشيفي الخاص صورة لرخصة مواطن مصري، تعود إلى العام 1878م، وهي تخص المواطن المصري الخواجة علي ابادير ، ولفظ الخواجة غالبا ما يطلق في ذلك الوقت، على حالتين، فاما أن يكون من أصول غير عربية، واما ان يكون معلماً، والمعلم يطلق عليه اللقب مخففاً خوجة! المهم ان هذه الرخصة، ليست لعربة كارو يجرها حمار أو حصان، وليست لموتوسيكل أو سيارة، ولكن هذه الرخصة لحمار!
ولك بعد ذلك أن تتخيل مدى الرقي والانضباط، الذي كان يعيشه الشارع المصري، في ذلك الوقت، ولك أن تتخيل مدى الفرق بين تلك الحالة، التي لا يسمح فيها لحمار، باجتياز الشوارع أو الاحياء، دون ان يكون مرخصاً، خاصة وان الرخصة، تعني نظافة الحمار وخلوه من العاهات والأمراض، التي قد ينشرها إذا سار بين الناس دون ان يكون مرخصاً!
قس هذه الحالة الآن على شارع صغير، أسكن واحدة من الشقق التي تطل عليه، كلما نزلت القاهرة، فهذا الشارع الصغير، تحف به السيارات من الجانبين، غير التي تعبره جيئة وذهابا، رغم انه ذو اتجاه واحد، ولو عددت السيارات الرابضة فقط على جانبي الشارع، لوجدتها أكثر من عدد الشقق الموجودة في عمائر هذا الشارع، وهذه السيارات تنطلق منبهاتها وعوادمها من الصباح إلى الصباح، دون ان يجرؤ مواطن، على الاعتراض، على ازعاجها وتلويثها للبيئة واضرارها بالصحة العامة واعاقتها للسير، فكل سائق هو الآن أشبه بالامبراطور، قد يدهمك بسيارته ليخرج بعد أيام بكفالة!
أما شوارعنا، فالحال بها أدهى وأمر، فسياراتنا مصفحة يركبها أناس مصفحون، حتى انني أخاف حقيقة من الاقتراب من بعضها لرفاهيتها الفائقة ولغلو ثمنها، وللنمر الصغير الذي يربض عادة خلف مقودها، فهذا النمر لديه قدرة فائقة على الانطلاق، بكل طاقته وفي شتى الاتجاهات، وهو قادر على القفز فوق الارصفة وجزر الشوارع، إذا ما ركبت اشارة مرور رأسها، ولم تفتح له الطريق، وهو مقبل عليها بكامل همته وعافيته وفلوس والده!
والويل لك لو تجاوزك هذا النمر خاطئا، فوجهت له النصح، ان اقل ما سوف يصلك منه شتيمة مقذعة، اما إذا استصغر جرمك وهيأتك، فانه سوف يعترضك لتقف له، حتى يعطيك شيئا من مخزون قوته وجبروته، وبعد لتحضر طوب الارض، فهو ومن خلفه أسرته، قد يكونون قادرين على الباسك ثوبا من الذل، لست في حاجة اليه، والاحسن لك ذلك ما ستقوله لنفسك عندما تقع الواقعة ان تتركه يعبر بسلام فربما وجد نمراً مثله,.
ان يحمل قائد السيارة رخصة دائمة أو مؤقتة، لم يعد دلالة على شيء، فقد اصبح كل مواطن أو مقيم قادراً على الحصول على الرخصة، لكن هل هم قادرون على احترام الطريق؟ هل هم قادرون على احترام اشارة وتعليمات المرور؟ هل هم قادرون على التآلف مع ذلك المخلوق الجهنمي الجديد الذي يطلق عليه الدراويش من امثالي اسم حزام الأمان؟ اننا بجاحة ماسة لاعادة النظر في شوارعنا واشارات المرور والجزاءات وطريقة منح الرخص حتى نحد ولو قليلا من هذه المآسي التي تقع في شوارعنا!!
ان حمار زمان، كان حمارا فعلاً، فهو صبور ونظيف ويعرف طريقه جيداً، فقد كان دليل الأعمى والجاهل وكبير السن,, أما الحمير التي تعبر شوارعنا الآن فهي غير شكل، لذلك فاننا نرجو لجمها سريعا حتى لاتصاب بسعار أكثر مما نراه الآن في شوارعنا!
|
|
|
|
|