| وَرّاق الجزيرة
تحقيق و تصوير : تركي بن إبراهيم القهيدان
قرأت ما نشر في جريدة الشرق الأوسط بعددها 7838 وتاريخ 14/5/2000م بعنوان (الباحث عبدالله الشايع يشكك في آراء الرحالة والآثاريين حول الأعمدة الحجرية المنتشرة في السعودية) وقبل أن أتكلم عن الدوائر والمنشآت الحجرية أحب أن أشكر الأخ القدير الشيخ عبدالله بن محمد الشايع على طرحه الجيد وإطرائه للجهد المبذول حول تلك المنشآت الحجرية، ولمعرفة حقيقة الهدف من إنشائها,, وقد لفت نظري جهوده في تناول بعض آثار بلادنا بالوصف والتحليل,, فقد صدر له العديد من المؤلفات التي صدر أولها سنة 1413ه, وقد كرمني أكرمه الله إذ أتحفني ببعض مؤلفاته, وهي :
1, أعلام الطرق القديمة بين خيال الباحثين والواقع.
2, مع امرئ القيس بين الدخول وحومل.
3, عكاظ الأثر المعروف سماعا المجهول مكانا.
4, بين اليمامة وحجر اليمامة، تحقيق طرقها القديمة وأعلامها المثيرة (56).
نظرات في معاجم البلدان الكتاب الثاني، الكتاب الثالث,ومثل هذه الأعمال لا يدرك مشقتها إلا من كابده العناء, وقليل ما هم, والشيخ الشايع لفت نظر العديد من الباحثين بهذه الإنجازات المتتابعة ونشاطه للبحث والدراسة، حول تحديد المواضع التاريخية في بلادنا,, وهذا ليس بغريب على رجل له مكانته بين الآثاريين,, وكفى بها مكانة ما ذكره الشيخ حمد الجاسر,, رحمه الله أنه: من أنشط المتجهين للبحث والدراسة، حول تحديد المواضع التاريخية في بلادنا,,وما يزال منذ نحو سبع سنوات وهو يجد ويدأب في هذا السبيل، الذي سبق ان طرقه بعض الباحثين كالأساتذة محمد بن بليهد وعبدالله بن خميس وسعد بن جنيدل وحمد الجاسر وغيرهم.
ولا مبالغة في القول بأن الأخ عبدالله الشايع يعد من أقواهم اتجاها، وتعمقا في دراسته , (انتهى كلامه رحمه الله باختصار) (الدارة العدد 3، 1420ه، ص197).
لقد ذكر الشيخ الشايع: أثناء رحلتي إلى منطقة الجوف أخيرا نشر استطلاع في جريدة الرياض (العدد 11554) الصادر بتاريخ 5/11/1420ه بقلم الأستاذ تركي بن إبراهيم القهيدان آثار الشماسية المنسية وتحت هذا العنوان عنوان آخر بالبنط الكبير أعمدة الرجاجيل بالشماسية سؤال يحتاج إلى إجابة!! ما كتبه الأخ القهيدان عن جولته الميدانية, قال: ,,, (ثم ذكر باختصار ما ذكرته بجريدة الرياض), كما ذكر عن إحدى الدوائر الحجرية: وهي واقعة بين فكي تدمير كسارة وطريق مزفت حديثا والأرض الحجرية المحيطة بها قلبتها الجرافات, ولا أدري كيف سلمت هذه الدائرة بأذيالها الطويلة المحكمة، وياليت الجهات المختصة تتنبه عند إعطاء التراخيص باشتراط المحافظة على مثل هذه الآثار النادرة.
ثم ذكر الشيخ الشايع: وكان في ما نشره الأستاذ القهيدان حافزا لي على تنفيذ هذه الزيارة حيث إن ما ذكره له علاقة بموضوع هذا البحث,, ثم اضاف الشايع: وأحب أن ألفت النظر أننا شاهدنا على حافة المرتفع الذي يقع شرق مسار الطريق برجا طويلا بني بالحجارة بدون مادة تثبيت وهو يشاهد من بعد، ومثل هذا البرج أو لنسمه القصبة يقام عادة بجوار القرى والأراضي الزراعية أما هذا فليس حوله قرى أو مزارع ويبدو أن له علاقة بهذا الطريق لأن عند قاعدته دائرة حجرية قديمة, وقد رمم حديثا لظهور مادة إسمنتية على الجزء المرمم، وهذا البرج مصمت لا باب له, وهوواقع على خط العرض 26,22,20 درجة وخط الطول 15،21،44 درجة.
وليت الأستاذ تركي القهيدان وهو الذي اثار لنا هذا الموضوع يتحقق عن كنه هذا البرج المستدق وذلك بسؤال كبار السن، خاصة من الشخص الذي تولى ترميم ما تهدم من أعلاه فإذا ثبت أنه قديم وله علاقة بهذا الطريق فإن له دلالة خاصة قد تقودنا إلى بعض الاستنتاجات ويقيني أن الأخ تركي سيفعل لما لاحظته من خلال كتاباته عن الموضوع أنه حريص على معرفة حقيقة كل شيء شاهده, (انتهى كلامه باختصار).
أقول: لقد وقفت على الدوائر الحجرية الواقعة بين فكي تدمير كسارة ثم أبلغنا إمارة المنطقة (قبل نشر بحث الشيخ) عن خطورة وجود الكسارة والجرافات قرب هذه الآثار النادرة, وما حصل لبعضها من تعد ,, (وبعد نشر بحث الشيخ) تم تزويد إمارة المنطقة بصورة من رأي الباحث الشايع حول وجود الكسارة وقد كان تجاوب الإمارة بشكل سريع وفوري وذلك لاهتمام صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز أمير منطقة القصيم حفظه الله بمثل هذه الأمور.
أما البرج الذي وصفه الشيخ فأذكر انني شاهدته خلال جولاتي الميدانية بتلك المنطقة ومن يسلك الطريق المعبد شرق الشماسية يشاهد هذا البرج بكل وضوح, والذي أعرفه ان غرب البرج الذي ذكر الشيخ مباشرة قاعا خصبا يزرع فيه أهالي الشماسية قمحا بعليا على المطر.
وقد قمت بسؤال كبار السن عن ما ذكره الشيخ الشايع فذكروا أنهم لا يذكرون برجا بهذا الموقع!! وإنما يذكرون برجا يسمى (برج النبقي) والهدف من إنشائه انه: يحتمي به الناطور وقت الذل في الليل (أي يحتمي به حارس البعول وقت الخوف) وفي النهار يحتمي في متراس فوق خشم المقبرة.
المشاهدات الميدانية:
قمتُ بزيارة ميدانية أولية لموقع البرج الذي ذكره الشيخ، وبعد إدخال رقم إحداثية البرج وجدتُ أن المؤشر لا يشير إلى موقع البرج وإنما يشير إلى موقع قريب منه وأما البرج فهوواقع على خط العرض 35،22،26 وخط الطول 20،21،44, وقد ذكرت لمن رافقني أن الشيخ دقيق في قياساته ويجيد استخدام الأجهزة الحديثة! فكيف حصل هذا الفارق؟ فأجاب أحد المرافقين لعله خطأ مطبعي, فقلت له أخشى أن يكون هناك برج آخر قيده الشيخ وأحكم قيده، ثم أدخلت رقم الإحداثية مرة أخرى ووجدت المؤشر يشير إلى موقع آخر!, ولكن بعد التجول في المنطقة تذكرت أن الشيخ قد ذكر لي قبيل زيارتي هذه أنه قام بتحويل جهازه (من 100 إلى 60 ثانية) وما فعله الشيخ هو القياس الدقيق والصحيح فكل 1 (درجة) = 60 َ (دقيقة) وكل دقيقة = 60 ً (ثانية), وهذا هو قياس شيخنا الدقيق وأما قياس الكاتب فقد رصد إحداثيات الموقع ( بما هو متعارف عليه) بالأجهزة المعروفة أي دون أن أقوم بتحويلها (من 100 إلى 60 ثانية).
وبعد تحديد موقع البرج الذي ذكر الشيخ، تم السؤال عن هذا البرج وتاريخ بنائه وقد اتضح لي أنه أنشىء في نهاية عام 1419ه, أما الأشخاص الذين تولوا بناءه فهم (البزاك، العبد اللطيف، العقل، الصعب), والعجيب أن شكل هذا البرج لا يوحي بأنه حديث فمقاطع صخوره تبدو قديمة!!
ثم أعقب تلك الزيارة الميدانية للموقع زيارة أخرى بصحبة عبدالله البراك السعد من أهالي المنطقة وأحد المشاركين في بناء هذا البرج, والأخ عبدالعزيز الطليحان, وقد اتضح الآتي:
1, بعد التأكد من إحداثيات الموقع ومن الدائرة التي بقربها تم الوقوف على البرج الذي ذكره الشيخ انظر صورة رقم (1) وقد ذكر المعرف (عبدالله البراك) أن هذا البرج تم إنشاؤه حديثا ولم يكن برجا قائما أو متهدما أو قاعدة برج وإنما كان موقعه أرضا مستوية خالية من الصخور وقد قام ببنائه مع زملائه في نهاية عام 1419ه وقد جلبوا صخور هذا البرج من الدائرة الحجرية التي تقع بقربه انظر صورة رقم (2).
أقول لم يدر بخلدي أن هذه هي قصة البرج الذي قيده الشيخ, والسؤال هنا: كيف جذب انتباه الشيخ هذا البرج؟ أعتقد أنه جذب انتباه الشيخ لعدة أسباب, منها:
يبدو أن أسفل هذا البرج قديم بسبب شكل صخوره التي جلبت من الدائرة الحجرية, حيث لا يظهر عليها أثر لقطع الصخور حديث.
وجود المادة الأسمنتية توحي بأنه قد رمم حديثا.
قربه من الدائرة الحجرية.
عدم وجود مونة.
2, يقع (برج النبقي) على خط العرض 66،22 ، 26 وخط الطول 69،20 ،44 على بعد 1 كم تقريباً شمال غرب البرج الذي ذكر الشيخ الشايع انظر صورة رقم (3) وهو متهدم يبلغ ارتفاع المتبقي منه 2م تقريباً وهو مبني من الأحجار المتوسطة ومونته من الطين،ويظهر ان له بابا لدخول حارس البعول ليلاً.
3, يقع خشم المقبرة (الموقع الذي يترس فيه حارس البعول نهاراً) شمال البرج الذي ذكر الشايع على بعد 1 كم تقريباً.
4, تنتشر مئات الدوائر الحجرية شمال وجنوب هذه الأبراج وقد قمت بعدة جولات ميدانية وتتبعت امتداد تلك المواقع: من جنوب شرق الشماسية متجهاً نحو الشمال الغربي بمحاذاة الحافات الصخرية حتى مدرج أي على مسافة تزيد عن (130كم) تقريباً,, فعثرت على منشآت ودوائر حجرية، في : شرق الربيعية، وشمال الصريف، وغرب حنيظل وشرح مدرَّج وسأفرد لذلك حلقات في إحدى الصحف إن شاء الله هذه الزيارات الميدانية, أثارت لدي عدة تساؤلات حول حقيقة إنشائها, وقد وقفت امامها حائراً! خاصة أنها تتميز بعدة مميزات , منها:
تضاريس الأرض في هذه المواقع التي شاهدتُ وعرة جداً ويصعب (أو يستحيل) سير الإبل عليها ( أو غيرها من الحيوانات).
كثرة الدوائر الحجرية وقربها من بعضها البعض بشكل لافت للنظر.
بعض هذه المواقع عبارة عن هضيبات فالأودية قطعت تلك الحافة إلى هضيبات يفصل بعضها عن بعض 1 كم تقريباً.
هذه المواقع غير صالحة للسكن (على سطح كويستاً لعدم توفر المياه، والكلأ، والتربة الخصبة.
تمتد منتظمة بخط شبه مستقيم خلف الحافات الصخرية من جنوب شرق الشماسية وتتجه نحو مدرَّج ثم تنقطع فجأة وذلك لانقطاع الحافات الصخرية!!!
شاهد الباحث عدة مساجد قرب الدوائر الحجرية، مما جعله يعتقد أنها إسلامية.
يكثر وقوع هذه المنشآت على قمة الحافات ومنه يستطيع المشاهد بالعين المجردة أن يشاهد مسافات بعيدة من جميع الجهات.
والمجال هنا لا يتسع لذكر جميع مميزات وصفات تلك الدوائر الحجرية.
رأي الباحث:
الباحث لا يستبعد رأي الأخ الشايع (أعلام طرق قوافل) خاصة أنها تمتد منتظمة بخط شبه مستقيم كما أنه لا يستبعد الاحتمالات الأخرى لوجود تلك الدوائر الحجرية (مساكن، أمور لها علاقة بالسحر والشعوذة، أمور تعبدية، مواقع حربية، مدافن جاهلية (قبور) مصائد للوحوش، حدود بين دول أو قبائل ,,) كما أن الباحث لا يستبعد أن تكون المنشآت الحجرية لعدة أغراض, فقد يكون جزء من هذه المنشآت الحجرية بهدف حماية الزراعة البعلية, وجزء منها أعلام طرق قوافل وجزء منها مقابر وجزء منها خرائط تبين حدود المزارع البعلية,.
أما الحكم على ما تم العثور عليه حول المنشآت الصخرية فيحتاج إلى فريق عمل لمسح المنطقة، ودراسات دقيقة، أيضا الحكم عن سبق هذا الاكتشاف وهل سبق أن كتب عنه؟ سيتضح بعد الرجوع لبعض المصادر,.
أخيرا أشكر الشيخ على اهتمامه بآثار المنطقة,, كما أوجه دعوة للمختصين بالآثار والباحثين وأخص منهم أخي الشيخ عبدالله بن محمد الشايع لزيارة العديد من الدوائر الحجرية التي شاهدتها في أرض القصيم,.
هذا ما أحببت أن أشير إليه مع الشكر والتقدير للجميع.
مدير وحدة الآثار والمتاحف بتعليم القصيم.
|
|
|
|
|