| متابعة
* ذلك هو الحزن,, الذي نقرؤه في شكوى الصديق الأستاذ يحيى توفيق حسن,!
إنه الحزن , والحزن ألم ممض وعناء وشجن, وعنوان القصيدة: لاتعذليني , الذي ذكرني بتلك القصيدة الرائعة، لابن زريق البغدادي:
لاتعذليه فإن العذل يولعه قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه,! |
قال البغدادي هذا الشجن، أو قل اترعه,, حين ارتحل الى الأندلس، فأفدحه الشوق، فناح بتلك الشكوى، التي تطاول عليها الزمن، وما زلنا نرددها، ونحن نأسى لذلك الشاعر ومرارته وأحزانه,! وشاعرنا اليوم الأستاذ يحيى، في هذا البوح، يبحث عن متنفس للكرب الذي يعاني، وإنه ليداري، ويخفي أكثر مما يبدي,! ولو أنه باح بشيء أكثر مما في نفسه، مما تختزن تلك النفس، لقرأنا براكين من الشجن، الذي تئن به نفسه، وهو يتستر عليها، لأنه على حد قول أبي ذوئب الذهلي:
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتزعزع |
ما أكثر الشامتين وأدرانهم وعبثهم وأساهم، وأعني الفارغين,, الذين يشغلون أنفسهم بغيرهم,, أكثر مما يشغلونها بأدرانهم,! ورغم ألم الشاعر إلا أنه كما قلت يتجلد، لذلك نجده يدرأ عن ألفاظه الأنين الذي يلقى ويعاني، ويبعث الشكوى في هينة ، كأنه في حال شكوى عابرة ذلك أنه لا يريد أن يفرح الشامتين فيه,! ولو أنه أطلق العنان لقلمه,, ولنفسه قبل ذلك، لرأينا نفسنا تحترق وتذوب ولكنها تداري هواها
ياليل مالي استنيم لشقوتي ويهز أوردتي,, أنين عذابي ألأن روح حبيبتي وخيالها سكنا مع الأسحار في أهدابي |
أجل سكنا في أهدابه، فحرماه الكرى، فهو سهران وحده ، وكيف يغفو ذو ألم؟ وهذا الحب الذي خنق,, لا بأنفاس المحبين احترق، وانما اغتيل فجأة بإرادة، وبلا إرادة، فذابت الأحلام، وانطوى الهوى، بل تبدد أيدي سبأ .
كأن لم يكن بين الحجون الى الصفا أنيس، ولم يسمر بمكة سامر |
يقول الشاعر:
عجباً بأيدينا خنقنا حبنا وتحولت مدن الهوى لسراب |
بلى: تقوّضت تلك المدن التي شيّدت، ومضت أحلام شهرزاد، فأصبح السراب يخيّم على نفس الشاعر، ويتراءى له بين عينيه، وتذكرت كلمة قديمة قلتها:
أراني ك بلشون تنأى ألفه فخرّ صريعا، والصبابات تصرع |
وينداح التذكار، وحق له أن يتفجّر,, في فراغ لا يملؤه إلا من كان فيه ملء السمع والبصر.
أين التي كانت,, تذيب بلمسة
حزني,,,.
ضاعت، أنا الغر الذي ضيعتها وأضعت عمري فالمصاب مصابي |
شكوى تمزّق الضلوع، وما وراء هذه الألفاظ المكتومة، بركان يريد أن ينفجر، غير أن إرادة الشاعر أقوى,, من تلك الحمم التي تتردد في أركان ذلك الكيان الدامي، ولكنه يكابر، فلا ينثني، وإنما صموده، يغطي البركان المنهمر، فلا يغلب الإرادة ولا يفضح النفس إلا بقدر التنفس المستكين.
حتى وجدتك فالغريب يكيد لي حسدا، ويغبطني عليك صحابي لاتعذليني، قد شرقت بغصتي والقهر أطفأ شعلتي ورمى بي هل ذلك الوله العجيب تبدلت ألاؤه,, من فرحة لعذاب |
وفي خاتمة المطاف، يطوي الشاعر صحائف هواه,, ويعلن أنه لن يغامر مجددا، سأكف بعدك، لا أغامر في الهوى.
وأعيش عيش الناسك الأوّاب.
|
|
|
|
|