| مقـالات
في بداية انتفاضة القدس رفض باراك الاشتراك في قمة شرم الشيخ واناب عنه وزيرة الخارجية الامريكية اولبرايت, وعاد من باريس الى فلسطين المحتلة ليطلق سيلا من التهديدات للبنان وسوريا والشعب الفلسطيني الاعزل, ولم يستطع ان ينفذ شيئا من تلك التهديدات سوى في مواجهة النساء والاطفال بالرشاشات على الارض وقصف المواطنين العزل بالطائرات والبوارج الحربية في حالة من الهستيريا والشعور بالعظمة, ولقد كان من الحسنات الكثيرة لهذه الانتفاضة انها كشفت المزيد من شبق الصهاينة المستعمرين وسعارهم المحموم على قتل العرب ونهب اراضيهم وكشفت القناع عن الوجوه الكالحة فإذا بهم جبناء في اي مواجهة على الارض حتى عندما يكون المقاتل طفلا والسلاح حجرا,, نعم فهم يعلمون في قرارة انفسهم انهم معتدون حاقدون مغتصبون وهذا عامل نفسي مهم في المواجهة بين الحق العربي والباطل الصهيوني الاستعماري, لقد رأينا كيف ذهبت تهديدات اسرائيل ادراج الرياح امام الصمود العربي في فلسطين ولبنان وسوريا والوطن العربي برمته, ورأينا كيف تقزم باراك والجيش الصهيوني امام ضربات المجاهدين حتى عاد باراك وقبل الحضور الى قمة جديدة في نفس الموقع الذي رفضه سابقاً وتهافت على اسرائيل عدد كبير من المناصرين لعدوانها واعلن بيل كلينتون انه سيحضر ايضا وقد كان اعلن انه لن يأتي الى الشرق الاوسط عندما كانت الغطرسة الاسرائيلية في ذروتها,, انها البطولات في فلسطين ولبنان المتزامنة مع منطق القوة والصمود والتحدي الذي قوبلت به اسرائيل من الامة العربية وقادتها دفاعا عن الحق وكذلك الإجماع العربي على حضور قمة القاهرة وحالة الغليان التي يشهدها العالم الإسلامي قاطبة كل ذلك وضع الصهاينة واعوانهم من المستعمرين في حالة من الهلع والخوف وليس امامهم سوى الغدر والخداع والمكر للخروج من هذه الدوامة بانتظار فرصة مواتية للقيام بمزيد من العدوان على العرب واتمنى الا تكون قمة شرم الشيخ احدى وسائل ذلك الغدر والخداع والمكر الذي اصبح واضحا لكل من يريد رؤية الامور على حقيقتها, وليس بخاف على احد ان الامة العربية تشعر بالغضب وخيبة الأمل تجاه قمة شرم الشيخ، والشيء الذي يمكن أن يهدئ من حالة الغضب هذه هو قناعة الامة العربية بأن الرئيس حسني مبارك رجل ذو حنكة سياسية كبيرة وخبرة واسعة بأساليب الصهاينة والمستعمرين في التلاعب بقضايا وعواطف الامة العربية وهو ايضا على اطلاع كامل ومعرفة تامة بأهدافهم ومخططاتهم وقناعتها ايضا بأن الرئيس عرفات لن يختم حياته النضالية بتحويل النصر الذي احرزه شعبه الى هزيمة وهو يرى فداحة الثمن الذي دفعه الفلسطينيون, وجسامة الخسائر المادية والمعنوية التي ألحقها العدوان الصهيوني بالمقدسات الاسلامية والشعب الفلسطيني وثقتها بخبرة وجدارة الملك عبدالله فجلالته خبير بالغرب وقد عمل جنديا في الجيش الامريكي بألمانيا الامر الذي مكنه من معرفة الصهيونية والقوى الاستعمارية على حقيقتها، وهو سليل سياسي بارع عاصر اهم احداث العالم,, يضاف الى ذلك اطمئنان الامة العربية إلى ان نوايا وظروف الشخصيات الاجنبية المشاركة في قمة شرم الشيخ معروفة للقادة العرب تماما, فالرئيس الامريكي يمر الآن فوق العتبة الى خارج البيت الابيض ولم تعد لديه اي وسيلة للضغط على اسرائيل والشخصيات الامريكية المناصرة للصهيونية والمؤثرة على صنع القرار, هذا ان كان سيضغط عليها سلفا اضافة الى ما يكابده من ظروف شخصية اخرى تؤثر على مصداقيته أما باراك فصهيوني معارض لعملية السلام منذ ان كان رئيسا لأركان الجيش الصهيوني ولا تزال كلماته عن محادثات أوسلو ومؤتمر المبادئ في مدريد ترن في الآذان وحين نأتي الى شرح نوايا وظروف اولبرايت فإن الصهيونية تتجلى لنا في اوضح صورها ولا اجد كلمات تفي بوصف هذه المرأة وما يبدر عنها من تصرفات غريبة كان آخرها عندما استدعت الرئيس ياسر عرفات للاجتماع بها وبرئيس الوزراء الصهيوني باراك في سفارة بلادها بفرنسا ثم أمرت حرس الأمن بمنعه من الخروج حين ترك الاجتماع بسبب استهتار باراك بمطالب الفلسطينيين اما خافيير سولانا فعدو كشفته صهيونيته وبذاءة لسانه, فقد قال قبل بضع سنوات عندما كان امينا لحلف شمال الأطلسي: بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لم يبق امامنا عدو سوى الإسلام , واما بالنسبة لكوفي انان فإن تصريحاته التي ادان فيها الفلسطينيين وحملهم مسؤولية ما اسماه بانفجار العنف في المنطقة قد جعلته في موقف مزر للغاية فهو يطمع في ولاية ثانية على برلمان الصهيونية والاستعمار الامم المتحدة ولذلك اتخذ من الظلم والعدوان والكذب سلما الى قلب الصهيونية عله يحقق مأربه يضاف الى ذلك انه ضعيف الشخصية ويحمل كثيرا من مشاعر الدونية على خلفية معاناة والده واجداده من عنصرية الرجل الامريكي الابيض لذلك فنحن لا نتوقع منه شيئا اكثر من فرك انامله وطقطقة مفاصلها, وهي لازمة نفسية وحركية معروفة عنه, وبالنسبة لوزير خارجية روسيا وباقي الوفود فليسوا اكثر من ضيوف يهنأون بكرم الوفادة والضيافة العربية في مصر خلال هذا الاجتماع.
ولهذه الاسباب وغيرها فالعرب مطمئنون الى ان اجتماع شرم الشيخ لن يأتي بنتائج تكون إسفينا يدق بين العرب قبل واثناء قمتهم القادمة، ومهما كانت نتائج هذا الاجتماع فإنها لن تعيق العمل العربي المشرف ولن تحول دون الخروج بقرارات على مستوى الاحداث ومستوى المجتمعين ان صدقت كل النوايا واخلصت للقضية العربية, فالخطوط العريضة لاجتماع شرم الشيخ قد بدأت تتضح، ومن المتوقع ان باراك وأعوانه سيبذلون كل جهودهم للخروج باتفاق يتكون من ثلاثة بنود:
1 وقف ما يصفه الغربيون بأعمال العنف بين الفلسطينيين والصهاينة.
2 تشكيل لجنة ترأسها اسرائيل أو امريكا للتحقيق في اسباب هذا العنف ومانتج عنه.
3 العودة الى المفاوضات بشأن الوضع النهائي للدولة الفلسطينية.
وهذا ما لا اعتقد ان العرب سيوافقون عليه البتة بهذه الصورة, فالمآسي والجرائم التي تعرضت لها امتنا على يد الصهيونية والاستعمار والمناظر التي انطبعت في ذاكرة الامة العربية لا يمكن ان تمحى بمسحة من يد كلينتون على كتف الرئيس ياسر عرفات, او بابتسامات صفراء يوزعها باراك على القادة العرب الثلاثة او بنظرة الى ساق اولبرايت، فالمصاب جلل والمقدسات منتهكة والحقوق مبتذلة والكيان العربي مهدد في وجوده.
وامام هذه التحديات المصيرية فان امتنا تعلق على القمة العربية المرتقبة في القاهرة آمالاً كبيرة, وليس اجتماع شرم الشيخ الا خدعة وتكتيكا صهيونيا استعماريا اما الاستراتيجيات فغير ذلك حتما وليس من جديد القول ان امتنا شعوبا وقادة تمر بمرحلة من أخطر مراحل وجودها فإن خرج القادة العرب من قمتهم المرتقبة بقرارات اقل ولو بقدر ضئيل مما تتطلبه هذه المرحلة الحرجة فسيترتب على ذلك كوارث تحل بأمتنا وتسير بها خطوات سريعة وواسعة نحو انهيار كيانها، ومن ثم تلاشيها شيئا فشيئا حتى ينطبق عليها القول المشهور امة سادت ثم بادت وهنا تكون قمة عليها ما بعدها.
ولكي يتم تدارك مخطط الانحدار هذا ينبغي ان تسفر القمة العربية عن قرارات تتطابق تماما في مضامينها النظرية والعملية مع اهمية الجوانب المستهدفة بالإهانات والعدوان الاسرائيلي وهنا تكون قمة لها ما بعدها من عزة ونصر الى الابد,, قرارات تتسم بالكفاءة والندية لمواجهة ما يجري الآن من اعمال صهيونية استعمارية تستهدف كيان ووجود هذه الامة,, وتعيد امتنا الى الخريطة العالمية للتأثير في مجريات الاحداث وفق مصالحها والمشاركة في المؤتمرات والمحافل الدولية مشاركة تتعدى مسألة إلقاء الخطب الرنانة وصرف الاموال الطائلة في اروقة الفنادق العالمية، والتصفيق عندما تصفق الايدي الاستعمارية الصهيونية الملطخة بدماء اطفالنا ونسائنا وابناء امتنا العربية والاسلامية منذ بوادر الحملات الاستعمارية عام 972م, واذا كانت الامة العربية قد صمدت في الماضي فإن وسائل الصهيونية والاستعمار قد تغيرت والجسم العربي منهك من العدوان الاستعماري والصهيوني الذي مضى على بدايته ما يزيد على الف عام والامة العربية اليوم واليوم فقط مهيأة لاحدى حالتين: اما الانهيار والتلاشي واما الصعود ومعاودة النهوض والانتصار وكل ذلك متوقف بعد الله على ما ستسفر عنه هذه القمة من قرارات,, ولاشك ان كل زعيم عربي يشترك في هذه القمة شخصيا او بالإنابة يبدأ بكتابة تاريخه بيده بمجرد انعقادها، واي نظام عربي يتأخر عن المشاركة الفعالة في قمة المصير هذه يكون قد قفل صفحة تاريخه على ما احتوته مما ليس هنا مكان وصفه.
بني وطني: لقد رخص الدم العربي في كل حرب تقوم بها اسرائيل على امتنا وازداد رخصا في مسلسل السلام، بل مسلسل الإهانة والانكسار,, فهذه الامة قبلت مبدأ السلام وهي تعلم فداحة ما خسرته من اراضيها ولسان حالها يقول: لا بأس وهي ثمن للسلام فالامة العربية امة بذل وعطاء وحلم وتسامح لكن كل ذلك تحول الى ادوات في يد الصهيونية وقواها الاستعمارية لقتل وارهاب وإبادة امتنا واحتلال ارضنا وتدنيس مقدساتنا وذبح اطفالنا فالله اكبر على من طغى وتكبر.
ياقادتنا الاعزاء: دماء الامة العربية هي دماؤكم واعراضهم الشريفة هي اعراضكم فأنتم من قلب هذه الامة وانتم رموزها,, ومن يدافع عن رموز الامة اذا فقدت الامة كرامتها ومقومات بقائها صلبة في مواجهة الاعداء؟ واي عدو ذلك الذي تواجهه امتنا؟ وانتم خير من يعلم ان المجتمعات العربية هي خطوط امامية او محطات دفاعية على طريق البقاء، وكلما هزمت او دمرت احدى هذه المحطات اقترب الاعداء منكم اكثر فأكثر,, حقيقة لا مراء فيها وانا النذير العريان ومن يراقب الاحداث يتضح له ان الحروب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لا تستهدف بلدا عربيا بمفرده فالحشود العسكرية والسياسية التي تضغط على الامة العربية لا يمكن ان تكون بهذه الضخامة لاجل شيء اقل من الوطن العربي برمته على المدى القريب والبعيد, واكاد اجزم ان هذه الحروب تسعى الى تقزيم الوطن العربي ودفع من تبقيه حيا من العرب الى الجزيرة العربية على اعتبار انه لا وطن للعرب في المفهوم الغربي سوى صحراء العرب,, يتضح ذلك في فكرهم ومؤلفاتهم وانتاج مستشرقيهم وهو ما يستنتج من التصرفات والتصريحات وردود الافعال الغربية التي تسبق وتصاحب وتعقب كل عدوان تتعرض له امتنا ومن يقرأ قليلاً من تاريخ الاطماع الصهيونية والاستعمارية يزداد اقتناعه بصحة هذه النظرية فمنذ عام 972م (القرن الرابع الهجري) ظهرت بوادر الحملات الاستعمارية بهجوم بيزنطة على شمال الوطن العربي، وهجوم اسبانيا عليه من جهة الغرب خلال المدة من 1085-1091م، وفي عام 1095م اطلق الغرب صيحة فاجرة نادى فيها بتحرير القبر المقدس في فلسطين قبر عيسى عليه السلام وفي نفس العام نظمت الحملة الاستعمارية الصليبية الاولى واحتلت القدس سنة 1099م وشهدت هذه المدينة عملية الهولوكوست الحقيقية التي شنت ضد العرب والمسلمين.
ورغم ان الهدف الذي اعلن عنه وقامت من اجله تلك الحملة هو قبر المسيح عليه السلام في القدس الا ان الغزاة احتلوا مدن يافا وعكا وصور وصيدا وبيروت وطرابلس وانطاكية والرها, وحين حرر الامير السلجوقي الاتا بك زنكي امارة الرها سنة 1144م كان لذلك وقع الصاعقة على المستعمرين الغربيين وكأنه احتل دولة غربية، فدشنوا الحملة الصليبية الاستعمارية الثانية على عجل سنة 1147م لاستعادة الرها, ومارست جيوش تلك الحملة ضد العرب والمسلمين اعمالا اجرامية تهلع لها القلوب لكن المقاومة من اجل الدين والارض مكنت السلاجقة من سحقها في حين بقيت القدس وباقي المدن تحت الاستعمار ولم تكن قد غابت عن ذاكرة العرب والمسلمين حتى كانت معركة حطين الفاصلة بين الحق والباطل سنة 1187م التي ادت الى تحرير القدس واسر ملكها المستعمر على يد صلاح الدين الايوبي وتعامل صلاح الدين مع الجيوش والاسرى معاملة عز على منظمات حقوق الإنسان الغربية اليوم ان تدرك او تصل الى عظمتها او تنادي بمثلها، فأطلق سراح الملك مع افراد جيشه المأسورين، لكن الغدر ونقض العهد من شيمهم فمنذ ذلك الزمن والغرب يقابل العفو والتسامح العربي بالنكران والصلف والعدوان فقد اعاد ذلك المستعمر تجميع قواته في عكا وجاءت لنجدته جيوش اخرى من الغرب في حملة الغزو الصليبية الثالثة واستولت مرة اخرى على المدن من صور حتى عسقلان بقيادة ملك انجلترا وملك فرنسا، واستبسل المسلمون في الدفاع عن مدينة القدس فلم يتمكن الغزاة من احتلالها، ثم جهز المستعمرون الحملة الرابعة وكانت وجهتها الى مصر واستمرت في عدوانها حتى ظهرت الحملة الخامسة التي مهدوا لها بتضخيم اطماع المغول في ارض المماليك واقنعوا الملك الكامل بأنه لن يوقف المغول ويهزمهم سوى التعاون مع الجيوش الغربية الغازية، فلان جانبه وتواطأ لتحصل تلك الجيوش على موطئ قدم آخر في مصر، فاحتلوا دمياط سنة 1219م ثم غدروا بالملك الكامل واتجهوا الى القاهرة لكنه استجمع قواه وهزمهم.
|
|
|
|
|