| الاخيــرة
تهاوت أوراق الخريف، وتناثرت تحت أغصان الأشجار لتحملها الرياح حيثما شاءت، وسيبقى بعض تلك الأوراق تحت تلك الأغصان كأنها تنظر بأمل ربيع قادم تنمو أثناءه أوراق جديدة لتحل محل سابقتها, ولابد لبعض تلك الأوراق من اثراء التربة بإضافة شيء من النيتروجين والعناصر اللازمة لنمو النبات، والنبتة القوية تصمد للمؤثرات البيئية مع تأثرها بها، بينما تلك النبتة الضعيفة أو تلك التي لا تقدر على أخذ كفايتها من الماء والغذاء لابد لها أن تهوي كما تهوي الشهب من السماء، وكأنها في مسيرتها تلك تبكي على سوء حظها لعدم نيلها ما يكفي لسد فاقتها.
وفي الأسابيع الماضية أخذت الأسهم العالمية في الانحدار بقدر فاق توقع الكثير، وأخذ الانحدار طريقه دون توقف حتى هذه الساعة ولا أحد يستطيع أن يفعل شيئا حياله، وذهبت نصائح الخبراء وتحليلاتهم أدراج الرياح، وبقي أولئك المحللون والسماسرة يجنون نصيبهم، بينما ظل المستثمرون في حيرة غير مسبوقة، وحسرة غير محدودة, وكأنه لم يبق صبح مسفر كي ينبلج وكأن الغيث قد اكفهر تجهما، فما هو الا عام ممحل، ومن انغمس في القروض البنكية لابد انه أودع ماله فودعه، وتذكر تلك الأماني التي وضعها بين ناظريه أولئك النفر من المحللين، فليس هناك من محيص بعد فوات الأوان وبيع البنوك لما كان يملكه، امتصاصا لحقها منه، وقصاصا عليه أين المفر ولا مفر لهارب .
أما أولئك الذين لم يختاروا القروض منهج استثمار فقد نفذوا من الافلاس، لكنهم ما زالوا يئنون تحت وطأة تأثير تلك الظاهرة غير المتوقعة.
ان من يتابع أحداث الأسهم العالمية في الفترة الأخيرة ليضحك كثيرا وهو يستمع الى أولئك المحللين والخبراء وهم يسدون النصائح الى بني البشر، ولا أعلم أين كان هؤلاء النفر عندما كانت الأسهم في أوجها، وهم يحثون المستثمرين على المزيد من الاستثمار، وسيظل هؤلاء يظهرون في مطلع كل صبح، وبعد غروب كل شمس، فهذه بضاعتهم، وهذا ديدنهم وعلينا أن نسمع لهم، لكن ليس من الحكمة الانسياق وراء حديثهم.
لابد للانسان من السعي في هذه الحياة والاجتهاد فيها ولابد له من العمل مع توقع العلل، وكأني بالشاعر محقا حيث قال:
وما طلب المعيشة بالتمني ولكن ألق دلوك في الدلاء تجئك بمثلها يوما ويوما تجئك بحماة وقليل ماء |
ولذا فعلى المرء أن يكون أكثر تأملا، وأكبر أملا، والله بخلقه أعلم.
ان أخلف الغيث لم تخلف مخائله أو ضاق أمر ذكرناه فيتسع |
لقد انهارت أسهم التقنية بما فيها الانترنت، وهذه هي أسهم الاقتصاد الحديث، كما انهارت أسهم الاقتصاد العريق، مع وجود قاعدة أساسية وايرادات ثابتة وقوية، لكنه السوق الذي لا يعرف سوى الطلب فهو قوي به اذا أقبل، وضعيف به اذا أدبر، ولذا فاذا أدار الطلب للمستثمرين ظهر المجن لابد له أن يعود تارة أخرى ليحمل لمن بقي منه شيئا من النجاح الذي لابد أن يتم طالما أن هناك شيئا اسمه الاقتصاد.
لقد حمل بعض من المحللين جزءا من ذلك الانحدار في الأسهم ذلك الحمل الوديع الذي يقال له النفط، وكأن النفط يشكل تلك النسبة العالية من مجمل تكاليف الانتاج، مما يجعل أثره على التضخم بائنا كما هي شمس الظهيرة, وهم يعلمون أن النفط مع أهميته وأثره على الاقتصاد العالمي، لا يشكل سوى نسبة بسيطة من مجمل تكاليف السلع النهائية في الأسواق العالمية.
اضافة الى ان الضرائب التي تضعها بعض الدول على النفط تشكل النسبة الأعلى، والأثر الأكبر في تأثير النفط على التضخم اذا كان له أثر.
ستظل الأسهم العالمية، ولا سيما الأمريكية منها مجالاً لجذب الاستثمارات العالمية، وستتراوح آثار تلك الأسهم على قطاع كبير من المستثمرين الصغار والكبار على حد سواء، وسيخرج من الأسواق من ابتلع السوق أسهمه، أو من رأى في تلك التجربة فشلا رأى ان من الحكمة عدم الاستمرار فيه.
د, محمد بن عبدالرحمن البشر
|
|
|
|
|