| أفاق اسلامية
خلق الله تعالى الانسان مميزا عن الكائنات، وجعله خليفة في الأرض، وركز فيه من القوى والقدرات ما يسر له أسباب هذه الخلافة,, ومن حكمته عزوجل أن جعل الانسانية لا تنمو إلا في ظل الاجتماع، ولا تتقدم إلا في اتحاد الوحدة مع التوحيد، لقد فطرهم الله على هذا وجعلهم محتاجين الى التعاون، مضطرين الى التعارف, قال تعالى:(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وكان لابد لهذه الجماعة من هداية وارشاد، لبيان طريق الحق والسداد، فبعث الله الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:(وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) وتلك رحمة من الله بعباده فالانسان مودعة فيه صفة التقليد, يأنس باتباع غيره، ويسير في الاتجاه الظاهر في محيطه, إن كان خيرا اتبعه وإن كان شرا وفسادا اجتنبه .
وقد اختار الله هذه الأمة الاسلامية على سائر الأمم وفضلها تفضيلا، وحفظ لها الوحي المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، لتكون أحق الأمم بالكرامة وأهداها سبيلا، وأوجب عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله,,).
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أوجبه الله على المؤمنين وهو لب اصلاح المصلين، وقد تعددت في الأمر به الأوامر الإلهية في كتاب الله وسنة رسوله.
فقال تعالى:(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون), وهذا أمر جازم مرتب عليه الفلاح وهو النجاح في الدنيا والفوز يوم القيامة، وقد حصر الفوز في هذا السبيل إذ لا فلاح إلا به، ولا نجاة إلا في القيام بما يفرضه.
وقد جعله الله صنو الايمان وقرينه، قال تعالى:(ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الأخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين).
وكما بين الله تعالى ما يترتب على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فضل وسعادة، بين سبحانه ما يترتب على تركه من هوان وشقاء، قال تعالى:(لعن الذين كفروا من بني اسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون) نزلت لعنة الله عليهم وحل بهم غضبه، وسوء المنقلب يترقبهم لأنهم كانوا لا ينهون عن المنكر,ولا ينجو من عذاب الله ونقمته إلا من رأى المنكر فغيره، وساءه أن يعصي الله فنهى عن الاثم ووقف موقف الصدق في شعاب الباطل لا تأخذه في الله لومة لائم, قال تعالى:(فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون).
والمسلم مأمور بالتعاون مع اخوانه المسلمين على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه، كما قال تعالى:(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان), وقال تعالى:(والعصر إن الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).
ولفظ العموم الوارد في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله:من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان مسلم 10/69 يدل على أن تغيير المنكر مسؤولية كل مسلم ولا عذر لأحد في ترك هذا الواجب العظيم,ومن التصورات الخاطئة لدى بعض الناس التي يجب تغييرها تصورهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصور على مراكز الهيئة، وأنه بوجودها ترتفع اللائمة عنهم، وتزول عنهم المسؤولية في ذلك، وهذا ورب الكعبة تصور خاطىء، والصواب أن كل مسلم يعتبر مسؤولا عن ثغر من ثغور الاسلام، فليس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقصورا على رجالات الهيئة فحسب، وان كان عليهم مسؤولية أعظم من غيرهم قال تعالى:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر,,),فلابد من تكاتف الناس وتعاونهم في القيام بهذا الواجب، وشد بعضهم إزر بعض ليكثر الخير، ويقل الشر، وتضمحل المنكرات ويزول كثير من أسبابها، وتحصل السعادة والراحة والاطمئنان للعباد فالمسلم واحد بنفسه وكثير بإخوانه فإذا وجد التعاون والتكاتف مع الجهات المعنية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقق الهدف بإذن الله.
هذا جانب من جوانب إحياء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في نفوس الناس وما يزال الموضوع متسع الجوانب, وإذا نَسَأ الله في الأجل كان الحديث موصولا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
د, سند بن لافي الشاماني مدير عام الحقوق بإمارة منطقة المدينة المنورة
|
|
|
|
|