أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 20th October,2000العدد:10249الطبعةالاولـيالجمعة 23 ,رجب 1421

مقـالات

عنجهية اليهود وغرورهم
د. محمد بن سعد الشويعر
ما يدور هذه الأيام على ارض فلسطين المتمثل في غطرسة قادة اسرائيل، واستهانتهم بالقيم الأخلاقية، وضربهم بالاعراف الدولية عرض الحائط، وتسليط قوتهم التدميرية ضد الأطفال العرب، الذين لا يملكون من القوة التي يدافعون بها عن أنفسهم إلا حماسة الكلام، وبعض الحجارة.
وهذا يدل على حالة الذعر المتسلط على اليهود، ذلك ان السارق والمعتدي، لا يعتبر مالكاً لما تحصل عليه حقيقة، بل ان الرعب، ومخاطر استلاب واسترجاع ما اخذه بالقوة نصب عينيه دائماً,.
ولئن شعر اليهود في أعمالهم وتهديداتهم حيال الشعب الفلسطيني، ومن ورائهم المسلمون في كل مكان، وحاولوا ان يقمعوا العرب المتوطنين في فلسطين آلاف السنين بوعد بلفور ووقفت معهم دول الغرب لإيجاد وطن لهم، ثم ساندوهم بالمواقف السياسية والمال والسلاح,, فإنما يريد من يدفعهم اخذ الثأر من المسلمين في هزائمهم الصليبية بعد ان تجبروا وتعسفوا على المسلمين، اكثر مما عمل اليهود من عام 1948م وحتى ايام هذه الانتفاضة الأخيرة التي لا تزال قائمة، رغم جبروت زعماء اليهود، وقوة جنودهم بما لديهم من سلاح اردى عشرات القتلى من الأبرياء الصغار الذين تحرم الأعراف الدولية قتلهم أو الاساءة اليهم، ومن مئات المصابين باصابات مختلفة ومن دماء تسيل من المصلين في ساحة المسجد الأقصى,, فإنهم يعملون ذلك من رعب يستولي على قلوبهم وخوف يزعزع كيانهم.
إن من أمن العقوبة أساء الأدب كما يقال في المثل العربي,, ولابد ان يكون لكل قوة ضعف تنهار معه المعنويات الظالمة فاسرائيل كما يحلل وضعها العسكريون لا تستطيع الصمود والمطاولة: لا معنوياً ولا مادياً,, ولا مجال واسعا أمام قواتها لكي تمتد، وحرب 1973م التي تعرف بحرب العبور، خير شاهد على ذلك,, حيث شعر قادتها انها حوربت دينيا، وهم لا يستطيعون من تاريخهم الطويل مع الاسلام وقبله مع النصرانية لأنهم من حربهم باسم الدين خاسرون ولطالما تجرعوا الهزائم، وهذا حق قد جعله الله عليهم عقابا في الدنيا بسبب عنادهم وكفرهم بالله، وقولهم على الله الكذب، وقتلهم الانبياء وبعدهم عن سبيل الله,, فقد كانت رئيستهم ذلك العام قولدا مائير تصيح بأعلى صوتها للدول: انقذوا اسرائيل قبل ان يقضى عليها.
وما تعمدهم قتل المصلين في بيت المقدس يوم الجمعة قبل الماضية الا من الصد عن سبيل الله ومحاربة دين الله الاسلام الحق وقد ابان الله عن نواياهم، وما حصل لهم في اول سورة الاسراء، ذلك أنهم في كل موقف (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون,,) (الصف 8).
وهم بأعمالهم المشينة قد حركوا قلوب المسلمين الذين جعلهم الله اخوة يشعر اقصاهم بما يؤرق أدناهم، لأن من اساسيات دين الاسلام ان (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم),, وهذا ما لمسناه في شعور قادة هذه البلاد، الذين يسابقون دوما في نصرة القضايا الاسلامية وفي الاهتمام بأمور المسلمين وبناء مساجدهم والاعانة على ما ييسر عباداتهم فقد صدرت البيانات المنددة بعمل اليهود، واستنكار ما قاموا به ضد انتفاضة الفلسطينيين الذين ضربهم اليهود وجنودهم، بالاسلحة الفتاكة، لا لشيء إلا انهم جاؤوا لأداء صلاة الجمعة في ثالث المساجد التي يشد المسلمون الرحال اليها، لأداء عباداتهم الحقة، وفي رفع الايدي لمناجاة خالقهم الذي أمرهم بذلك فاستجابوا وقبلهم أمر أهل الكتاب ولكنهم عصوا وتمردوا على امر الله,, فهم يريدون للمسلمين ان يعصوا الله كما عصوه وان يتمردوا على دينه كما تمردوا.
فكان من حمية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الامير عبدالله وسمو النائب الثاني الامير سلطان وزير الدفاع والطيران، وكافة المسؤولين في مهبط وحي الاسلام ومنبع العروبة الاستجابة لأمر الله والامتثال لأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وذلك بالتعاطف وجدانيا مع شعب فلسطين المظلوم ومده بما يكفكف الدموع، ويضمد الجراح,.
فكان الأمر بعلاج عدد كبير من المصابين والجرحى في مستشفيات المملكة المتطورة ونقلهم بطائرات الإخلاء الطبي ومدهم بالاعانات المستعجلة الطبية والغذائية وتزويدهم بثلاثين سيارة اسعاف وغير ذلك من الاعانات,, التي مكنها في القلوب محبة وشعورا ما للمملكة من مكانة وتلك الزيارات التي قام بها سمو ولي العهد والمسؤولون في الدولة للمرضى في المستشفيات بعد وصولهم والاطمئنان عليهم ثم تقليدهم وسام الملك عبدالعزيز,, مما كان بلسماً شافياً على قلوبهم المظلومة، وتخفيفا لآلامهم ونكباتهم التي استهان بها اعداء الله واعداء دينه، ومن وراءهم ممن يدللهم ويدافع عنهم,, وقد زاد الامر عطاء واهتماما من ولاة امر هذه البلاد الذين كانوا منذ عهد الملك، ولا يزالون على الدرب سائرين حكاما يشعرون بمسؤوليتهم ومحكومين يسيرون خلف قيادتهم الحكيمة التي تحرص في السر والعلن على رعاية مصالح كل مسلم يؤمن بالله ويدافع عن دينه الحق، ويهتم بمصير بيت المقدس الذي كان مسرى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وصلى فيه قبل رفعه الى السماء: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله).
حيث افتتح خادم الحرمين الشريفين باب التبرع لإعانة المنكوبين في فلسطين الذين تعدى اليهود الظالمون عليهم ولمساعدتهم في محنتهم، بعد ان رأى العالم نيران القهر تستعر والقتلى والجرحى يزداد عددهم والدماء تنهمر جريانا بدون توقف بل ان من أظلم الظلم منع المصلين من ارتياد المساجد للصلاة وقتلهم وهم سجود بين يدي الله، ومنع دخول الدم الذي تبرع به اهل الرأفة والرحمة وعدم التحرك العالمي امام هذه المآسي والمجازر بل كأنهم مرتاحون لجبروت اليهود الظالمين الذي مثل وحشيته مصور فرنسي بث في صوره مراحل قتل الطفل البريء محمد الدرة وجرح والده وهما يلوذان بحائط لعله يقيهم رصاصات الغدر والخيانة من جنود العدو,, ولكنهم تصيدوهما وغيرهما كما يتصيد القانص الطيور في اوكارها الآمنة.
افتتح خادم الحرمين الشريفين السبَّاق دائما لكل خير باب الحملة الشعبية لجمع التبرعات للمظلومين المغدور بهم الفلسطينيين بثلاثين مليون ريال وتبعه سمو ولي العهد الامير عبدالله بعشرة ملايين وسمو النائب الثاني بمثل ذلك,, مما حرك القلوب الرحيمة لإعانة هؤلاء المستضعفين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما تنصرون بضعفائكم) ويقول: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
إن جرأة اليهود على شعائر المسلمين جاءت في استخفافهم بالعرب، الذين حمَّلهم الله اداء رسالة الاسلام وتبيانها للبشرية في ارض الله امتثالاً لأمر الله: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) (المائدة 67).
إن هؤلاء اليهود قد كتب الله عليهم الذلة وهم الفئة الوحيدة التي أوجب الله عليهم الغضب واللعنة بتعمدهم المعصية عن علم ومعرفة وعن قولهم على الله بغير الحق (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء) (المائدة 64), فهم الامة المغضوب عليهم كما جاء في سورة الفاتحة، وفي قوله سبحانه: (وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) (البقرة 61).
وإن من كذبهم على الله وصف انفسهم بانهم شعب الله المختار، بينما هم امة ملعونة من الله وغضب عليهم سبحانه، وقولهم ان فلسطين هي أرض الميعاد، بل نصت التوراة في النسخ غير المزورة انهم يذهبون الى أرض الهلاك في آخر الزمان.
إنهم قد دخلوا فلسطين ظلماً وعدواناً وتحت مظلة من يناصرهم من اعداء دين الله الحق، وهم يزاولون الظلم والبطش معتدين بقوتهم وتأييد من يناصرهم قولا وفعلا ومادة وقوة قتالية,.
ففي عام 1948م وما بعده كانت المذابح في دير ياسين وغيرها حيث بُقرت بطون النساء والتمثيل بالاطفال وفي عام 1967م بعد عدوانهم واستيلائهم على الضفة الغربية يتباهى موشي دايان بعد هدم واحراق حارة المغاربة ثم احراق المسجد الاقصى بالصلاة في حارة المغاربة على انه موقع مقدس لم يخرجوا منه، ويتباكى حاخاماتهم أمام حائط المبكى ايذانا ببدء الحفر بأنفاق تمتد الى اسفل المسجد الاقصى، بحثا عن هيكلهم المزعوم ضمن اوهامهم الذي يريدونه رمزا لاستقرارهم وملكهم، ويسمونه هيكل سليمان عليه السلام وسليمان منهم بريء، وأنبياء الله من هؤلاء الشرذمة براء,.
وفي عام 1406ه نشرت الصحف عندنا تحت هذا العنوان: عصابات المستوطنين تقتحم الحرم الابراهيمي وتمزق نسخا من المصحف الشريف,, وقبله كان قادتهم يصنعون شعارات يهتف بها الغوغائيون منهم كناية عن انتصاراتهم على العرب والمسلمين بهذا القول: محمد مات وما خلف الا بنات,.
وما أكثر ما عملوا من قتل للمصلين في الخليل والقدس وغيرهما وما اكثر ما اعتدوا وتجبروا مباهين بقوتهم واعوانهم الذين يدافعون عنهم، متجاهلين ان الله أقوى منهم، وان الله يملي للظالم حتى اذا أخذه لم يفلته وان الله يمهل ولا يهمل,, يقول سبحانه: (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين) (الاعراف 182 183).
ذلك ان صاحب الحق لا يتراجع عما في نفسه، لأن العداوة بين المسلمين واليهود منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ما هي الا عداوة دينية عقدية، كالنار تحت الرماد تظهر عندما تجد نقطة ضعف، فقد بسطت كتب التاريخ اخبار ومكائد اليهود في المدينة وخيبر، وأعمال احد زعمائهم كعب بن الاشرف وغيره من يهود المدينة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إن جرأة اليهود تزداد بين وقت وآخر لتمس أقدس شيء عند المسلمين: في مساجدهم وفي كتاب الله الذي يمثل الرمز في عقيدتهم وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينالون منه ويضعون الشبهات ضده وضد رسالته وما علموا ان ذلك يزيد رصيد العداوة لهم في القلوب، ويمكن بغضهم حتى يأتي اليوم الموعود الذي اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرب اسلامية تنبأ بها احد زعمائهم، عندما قال في عام 2020 م نهاية اسرائيل,, ولكننا نؤمن بوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته التي وصف، اما الوقت فعلمه عند الله,, فإنه سبحانه إذا أراد شيئاً هيأ اسبابه ولا رادّ لقضائه,, ألا يتعجب الإنسان من قوة روسيا (الاتحاد السوفيتي),, وإذا بهذا الاتحاد بين عشية وضحاها يتبدد، وبتلك القوة تضعف,, وقوة الصليبيين وجبروتهم حيث بقوا في ديار الشام قرابة 200 سنة,, فهيأ الله صلاح الدين الايوبي قائدا مظفرا، حركته الغيرة وملأت قلبه الحماسة، حمية لدين الله وغيرة على الأماكن المقدسة عندما بلغ الصليبيون في استخفافهم بالمسلمين وجرأتهم على العرب الى تجهيز جيش بل جيوش لقطع الطريق على الحجاج والرغبة في هدم مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعدي على الكعبة المشرفة لأنهما رمز المسلمين ومصدر قوتهم، فوصلت سفنهم الى ينبع، وجيوشهم الى منطقة العلا شمال المدينة المنورة، ودارت في ذلك معارك سجلها التاريخ، ورجعوا بحمد الله خاسرين، وبالتتار في غزوهم لبلاد الاسلام فتهاوت قوتهم واذلهم الله أمام قيادة علماء الاسلام, ان القوة ليست بالتي تحول المسلمين عن معتقداتهم، والبطش لا ينتزع حقاً ثابتاً بنصّ كريم عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام والسلاح الفتاك ليس هو الذي يحق باطلاً أو يبطل حقاً,.
فهذا المطران جريرو يصف المسلمين الذين سموهم (الموريسكيين) في عام 1565م الموافق 973ه في كتاب باللغة الإسبانية نقله عنه محمد عبدالله عنان بقوله: انهم خضعوا للتنصير ولكنهم لبثوا كفرة في سرائرهم وهم يذهبون للقداس تفاديا للعقاب، ويعملون خفية في ايام الآحاد والاعياد ويحتفلون يوم الجمعة، أعظم من احتفالهم بيوم الاحد، ويستحمون حتى في ديسمبر، ويقيمون الصلاة خفية ويقدمون اولادهم للتنصير خضوعا للقانون، ثم يغسلونهم لمحو آثار التنصير ويجرون ختان اولادهم ويطلقون عليهم أسماء عربية وتذهب عرائسهم الى الكنيسة في ثياب أوروبية فإذا عدن الى المنزل استبدلنها بثياب عربية واحتفل بالزواج طبقا للرسوم العربية (نهاية الاندلس 378).
ولما كان العداء ضد الاسلام واهله أمراً متفقاً عليه لأن الكفر ملة واحدة واسرائيل لو لم يسكت العالم الغربي على اعمالها وجرائهما لما تجاسرت على تلك الاعمال المشينة وهم الذين ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله وهم الذين (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين) (64 المائدة), كما ألقى الله بينهم وبين بعض العداوة والبغضاء,.
يقول المؤرخ بول ديورانت في تاريخه الموسوعي: قصة الحضارة,, نقلا عن القس ريمندا الاجيلي الذي حضر المذبحة التي احدثها الصليبيون في بيت المقدس عندما دخلوه في عام 492ه: وشاهدنا أشياء عجيبة اذ قطعت رؤوس عدد كبير من المسلمين وقتل غيرهم رميا بالسهام وارغموا على ان يلقوا بأنفسهم من فوق الابراج وظل بعضهم الآخر يعذب عدة ايام ثم احرقوا بالنار وكنت ترى في الشوارع أكوام الرؤوس والايدي والأقدام، وكان الانسان اينما سار فوق جواده يسير بين جثث الرجال والخيل,, ثم نقل عن شاهد آخر قوله: ان النساء كن يقتلن بالسيوف والحراب والاطفال الرضع يختطفون بأرجلهم من اثداء امهاتهم ويقذف بهم من فوق الجسور او تهشم رؤوسهم بدقها بالعمد، وذبح سبعون الفا من المسلمين الذين بقوا في داخل المدينة (قصة الحضارة 4:25 وبالطبعة العربية 15: 25).
ويذكر ابن الاثير عن هذه المعركة في حوادث عام 492ه وصفا للمذبحة التي أحدثها الصليبيون في بيت المقدس عند دخولهم إياه، بعد حصار طويل أمورا شنيعة منها قوله: وقتل الأفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً، منهم جماعة كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم، ممن فارق الأوطان وجاور بذلك الموضع الشريف (الكامل في التاريخ 10: 282) انها صورة يحاول اليهود تكرار أحداثها.
وغير ذلك من الوقائع التاريخية التي ظهرت معالمها في أعمال اليهود هذه الايام، ضد شعب فلسطين الاعزل وهي امتحان وابتلاء يثبت الله بهما قلوب الذين آمنوا ولابد ان يأتي بعد هذا الليل من نهار، وبعد المصائب والصبر من نصر، وما ذلك على الله بعزيز وسلاحنا في ذلك مع القوة التي امر الله بها، الدعاء ورفع الأكف بالضراعة اليه سبحانه بأن ينزل الرعب في قلوب الأعداء وان يزلزل الأرض من تحتهم وان يجعل بأسهم بينهم شديداً حتى تضعف قوتهم ويفشلوا في مساعيهم,,والله قد أمر بالدعاء ووعد بالاجابة ووعده حق لا مراء فيه.
وقعة شقحب:
ذكر ابن كثير بعضا من أخبار هذه الوقعة التي انهزم فيها التتار وضعفوا في تراجعهم عن بلاد الشام، وشقحب موضع قرب دمشق وكانت في عام 702ه,, فقد دخل الشيخ تقي الدين ابن تيمية دمشق ومعه أصحابه من الجهاد، ففرح الناس به ودعوا له وهنأوه بما يسر الله تعالى على يديه من الخير,, وذلك انه ندبه العسكر الشامي ان يسير الى السلطان يستحثه على السير الى دمشق فسار إليه فحثه على المجيء الى دمشق بعد أن كاد يرجع الى مصر فجاء هو واياه جميعا، فسأله السلطان ان يقف معه في معركة القتال، فقال له الشيخ: السنة ان يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام، لا نقف الا معهم وحرض السلطان على القتال، وبشره بالنصر، وجعله يحلف له بالله الذي لا إله إلا هو: بأنكم منصورون عليهم في هذه المرة, فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله فيقول: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً,, وأفتى الناس بالفطر، مدة قتالهم وأفطر هو ايضا وكان يدور على الأمراء والقواد فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم ان إفطارهم ليتقووا على القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ملاقو العدو غداً والفطر أقوى لكم).
فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما جاء في حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه.
وكان الخليفة ابو الربيع سليمان في صحبة السلطان ولما اصطفت العساكر، والتحم القتال ثبت السلطان ثباتاً عظيماً، وأمر بجواده فقيد حتى لا يهرب، وبايع الله سبحانه وتعالى في ذلك الموقف وجرت خطوب عظيمة، وقتل جماعة من سادات الأمراء يومئذ، منهم الأمير حسام الدين الرومي، أُستادار السلطان وثمانية من المقدمين معه وصلاح الدين ابن الملك الكامل بن السعيد، وخلق من كبار الأمراء ثم نزل النصر على المسلمين، قريب العصر يومئذ واستظهر المسلمون عليهم ولله الحمد والمنة, فلما جاء الليل لجأ التتار الى اقتحام التلول والجبال والآكام فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهروب ويرمونهم عن قوس واحدة الى وقت الفجر، فقتلوا منهم ما لا يعلم عدده إلا الله عز وجل وجعلوا يجيئون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم ثم اقتحم منهم جماعته الهزيمة، فنجا منهم القليل ثم كانوا يتساقطون في الاودية والمهالك ثم بعد ذلك غرق منهم جماعة في الفرات بسبب الظلام وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة شديدة والحمد لله.
ودخل السلطان دمشق يوم الثلاثاء خامس رمضان، وبين يديه الخليفة وزينت البلد وفرح كل واحد من أهل الجمعة والسبت والأحد فنزل السلطان في القصر الأبلق، ثم تحول إلى القلعة يوم الخميس، وصلى بها الجمعة وخلع على نواب البلاد وأمرهم بالرجوع لبلادهم (البداية والنهاية 18: 27 29).

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved