| الثقافية
استطيع القول إن عرض مسرحية واحد اثنان ثلاثة وهي من تأليف الكاتب المعروف عبدالعزيز الصقعبي اخراج نايف خلف وتمثيل مشعل المطيري وصالح العلياني وعصام المهيدب مع خالد الباز وماجد الماضي وطارق الحربي وسعيد وعلي العلياني وإنتاج مكتب رعاية الشباب عبر بيوت الشباب ونادي الشباب أقول؛ كان هذا العرض اليتيم لهذا العام في الرياض الذي يستطيع كاتب الحديث عنه في سياق المفهوم المسرحي بعد أن كدنا ننسى العمل الجيد في عالم السطحي والتهريج الرخيص الذي تتبناه جهات مسرحية رسمية أخرى.
ومبادرة الكاتب عبدالعزيز الصقعبي مع المخرج نايف خلف وعدد من وجوه المسرح الجامعي خطوة تحسب للمكتب الرئيسي لرعاية الشباب بعد غياب قسم المسرح في جمعية الفنون عن الأعمال الجادة والقوية وبدأه مشروع جديد في المسرح يهتم بالجماهير كما ألمح رئيسه الأستاذ ابراهيم الحمدان وبعد أن رأينا عروضا تقدم بشكل متواضع بعيدا عن القيم الجمالية للمسرح النخبوي الذي يفترض بالجهات الرسمية تبنيه وبالذات جامعة الملك سعود.
لقد جاءت مسرحية واحد اثنين ثلاثة لتبعث الأمل بأن محاولات المسرح الجاد مازالت قائمة وأن الفن المسرحي مازال به عرق ينبض.
(النص)
كتب عبدالعزيز الصقعبي نص مسرحيته منطلقا الى الشكل المسرحي من فكرة قصة قصيرة من تلك القصص التي يحكمها محور هموم البطل وقد حاول الصقعبي تبني صورة من صور الهم العربي حيث تكرر الحياة نفسها بملل وتموت كل التطلعات العربية على صخرة المعتاد والنمطي وغير الجدوى مع وجود أناس حياتهم مستلبة بين مدعي السلطة والقوى الضاغطة التي تتقاسم الوقت الممل والمسرحية تكرر الحدث نفسه ثلاث مرات كما يبدو من العنوان ساعية الى خلق الحالة المسرحية ومعظم مقولات النص حوارية وجدانية انهزامية باسلوب المنولوج تلعبها شخصيات أراد لها المؤلف أن تكون هشة انهزامية وكأنه خلط للشخصية التشكوفية المنهزمة من الداخل مع ايحاء بمضامين انتظار جودوا حيث الزمن السائح في انتظار الذي لا يجيء وأحسب أن الكاتب بدءا لم يقرر تعداد البطل بل قرره المخرج في الكاتب ولذلك فإن ابدال تقنية القص بتقنية العرض هو من تجربة الصقعبي نفسه على الورق لما لا يمكن عرضه مما جعل الصقعبي نفسه يصرح لالجزيرة بأن نايف ألف نصا موازياً.
(العرض)
وأظن أن المخرج الفنان نايف خلف عرف بذكاء كيف يخرج من ورطة الصقعبي القصصية التي وافق على أنها مسرحية فكان العمل المسرحي الناتج بعد اعداد نايف خلف عملا مميزا للرجلين الصقعبي ونايف ورد على من يقولون إن الأعمال الجادة والمتوازنة لا تحظى بالجمهور لأن جمهورا كثيفا جاء رغم توافق عرض المسرحية مع مناسبات رياضية وترفيهية أخرى.
العرض يشي بإيمان المخرج نايف خلف بأهمية النص فهو يكرر دائما مقولة شهيرة لفريد شوقي يرددها ناصحا المشتغلين بالدراما وهي الورق الورق الورق ,, بمعنى النص أولا في أي عمل وهي نفس الكلمات التي يتبناها الفنانون الجادون ليس هذا فحسب فقد لمست من نايف حرصا غير عادي على التقيد بمفاصل النص وكتابة نص آخر ابداعي للعرض لا يقل عن نص الصقعبي روعة وجمالا وتحدثنا مرارا نايف وأنا حول مساحة ابداع المخرج على النص ولذلك فرؤية نايف بطرح أكثر من شكل للعرض امتد بين الكلاسيكي والملحمي خارج من الخشبة الى صالة المتفرج كان يشي برؤية جمالية متفوقة لهذا الفنان.
والنص تتوزعه هموم عامة وهموم خاصة وكأن العرض أراد القول ان هموم الانسان العربي المعاصر مع سيارته ووظيفته وعدم ترقيته بسبب بقاء المتقاعدين في كراسيهم وعندما لا تجد موقفا مظللا لسيارتك وتوقفها تحت الشمس كل هذه الهموم ما هي إلا هم واحد لا يمكن تجزئته ولا حسابه ويأتي من الهم الكبير في الحياة العربية وهي الروتين والتسيب والغش واللامبالاة؛ ويعرج مضمون العمل على زيف الديمقراطية ولعب الترشيح وفساد الكلمة وأمور أخرى ومع كل هذا يلمح العمل بكليته مجسدا بالاخراج الى القوى الضاغطة في المجتمع التي تعيد الناس الى روتين ممل أو ترغمهم على ممارسة الدور مهما كان رفضهم له مما يجعل رتابة الحياة في صالح القوى الضاغطة التي مثلها باقتدار الفنان خالد الباز.
تميز نايف خلف منذ بداياته ممثلا بنوع من الأداء الواقعي بعيدا عن التهويمات غير المفهومة إلا أن واقعية نايف لم تخرجه من سياق روح الفن بكل إيحائه وجمالياته فقد قدم عرضا كما أشرت سابقا ينام على الأسس الكلاسيكية من جانب والملحمية من جانب آخر,, ومثل هذا الخلط في المذاهب صار شائعا هذه السنين بل يعتبره البعض إبداعاً يتجاوز النمطي.
تدور الحكاية المسرحية على فكرة البطل المكرر في ثلاث وحدات كلامية وشخصية لكنه نفس الشيء ونفس الشخص ونفس الادعاء حيث انه رغم تعدديته يأخذ اتجاه فكرة الواحد المتناسخ لهؤلاء الثلاثة اللباس والكلام المسرحي والتكرار العددي يمكن أن يزيد وينقص لكن المهم في رؤية التكرار انها الغاء لبطولة التعدد لحساب خلق معنى بطولة الفرد المتناسخ,, وهذا الأمر يؤكده عدد آخر خارج المسرح هم الجوقة.
وكان نايف يحقق تصوراته الملحمية من خلال الجوفة التي تضج وتتحرك في قاعة الجمهور وفوق المسرح وفي أي مكان يدعم اتجاهيها تماثل مزدوج للملابس والشكل البدني وهي تتحرك ازاء الفرد المكرر الذي تقول عنه المسرحية انه يعرف ويتصرف ويفهم,, الى آخر ما هنالك من المدائح وهو الأولى والأجدر والأهم إلا أن الشخص الوحيد ينافسه متفردون مثله فتزداد الدائرة انغلاقا بنفس المعطيات وهذه ما يسمى بدائرة الشر الفلسفية التي لا يتيح التوقف ولا العمل خلاصاً من شرها المستطير.
في هذه الدائرة تتقابل أربعة اشكال من الصراع هي صراع البطل المكرر وصراع البطل مع الجوقة وصراع الجوقة من طرفيها وصراع رابع تتحكم به القوى الضاغطة التي لا تسمح للناس بترك اللعبة أو ترك المسرحية التي أصرت الجوقة على نهايتها لكنها لم تنته.
(التمثيل )
بدا التمثيل قويا متزنا فالممثلون من مشاهير المسرح الجامعي بدت عليهم التجربة واضحة وأخص بالذكر صالح العلياني ومشعل المطيري وخالد الباز وعصام المهيدب والجوقة من المتدربين اضافة الى بعض العناصر الجديدة,, وقد أبدى هؤلاء التزاماً كبيراً بالعمل وتوجيهات المخرج وظهرت بصمات المخرج التدريبية بوضوح على مجريات العمل.
(المسرح)
أدار المخرج نايف خلف العمل على مساحة واسعة مكونة من أربعة مستويات ففي لوحة البداية كنا مع مشهد الجمود الطويل الذي يبدو في أعلى المسرح ثم بدا التناوب على منصة الخطابة وتحركت الجوقة على الصلة دون الخشبة مما استلزم الاستعانة بتعبير ضوئي على صالة المتفرجين أما الديكور فتجريدي بسيط لا تحكمه البهرجة ولكنه ذو دلالات مثل الطاولة ومنصة الخطابة والسلم بين الصالة والمسرح الذي لعب دور التحويل في الحدث المسرحي ومحاولة التجاوز لأكثر من حركة.
كما قلت في البداية فهذا العرض من العروض القليلة التي تستحق التقدير وهي تأتي من انتاج مكتب رعاية الشباب بالرياض بدعم الأستاذ سعد المطرودي وجهد بيوت الشباب وقد عودنا مسرح رعاية الشباب في الآونة الأخيرة على عروض مميزة من هذا النوع,, واتمنى ان فريق العمل والمخرج قد اقنعتهم تجربتهم بأن نص من يعتمد على قيم ثقافية خير من الاعتماد على وسائل ضعيفة للوصول للجمهور إذ ان العمل الجيد يفرض نفسه.
othaimm@hotmail.com
|
|
|
|
|