أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 19th October,2000العدد:10248الطبعةالاولـيالخميس 22 ,رجب 1421

الثقافية

على ضفاف الواقع
هكذا,, تكون الأسئلة,, هكذا,, يكون الألم!!
غادة عبدالله الخضير
* وبالرغم,, يا غالية من كل العبارات التي سمعت,, كل عام وأنتِ بخير ,, عام سعيد ,, عام كله فرح ,, عام,,عام,, وأمنيات,, رغم كل هذا تأملت رغبة الرد عليهم تأملتها بشرود,, لقد بلغت تلك الرغبة من العمر عتياً,, واستكانت!!
وكعادتي أيتها,, الأعرف بي,, عندما اشعل أعواد الثقاب في ذاكرتي,, صرت أردد في ذلك الضوء,, في مساحة ذلك الضوء ما العمر؟!
ما معنى العمر؟!
ما هذه السنين التي تطوى,, طياً؟!
أفكر فيها عدداً,, عدداً,, أفكر فيها بتفاصيل التفاصيل,, فلربما ارتسم على جدار الفكر,, معنى شارد للعمر؟!كيف يحسب العمر يا غالية؟!! باللحظة,, بالأيام,, بالاحساس بالفرح,, بالحزن,, بالاحتواء,, بالذكرى,, بالخذلان,, أم بعمق الصدق الذي نعيش؟!
كيف يمكن أن نحسبه؟! كيف نبرهن لأنفسنا أننا عشناه استمتعنا به,, أو تألمنا لأجله؟! كيف يمكن أن نحسب ذلك العمر الذي يستهلك في كل شيء إلا العيش؟!
يستهلك في مد,, وجزر الحياة,, يستهلك في المألوف والمعتاد,, والممكن,, يستهلك في الزيف,, في التلون في الركض,, في اللهاث,, في الرغبة,, في الحلم بلا رادع,, وفي غد الذي لا يأتي,, يستهلك حتى يتحول إلى رميم,, في حين انه,, يندر أن يعاش جزء منه ولو بسيط في التأمل في الصدق,, في النقاء,, وفي لحظة لقاء حقيقي بالروح التي,, تشاركنا المعنى الحقيقي,, للعمر,, تعلمنا كيف نحياه,, ونصفق له فرحاً!!
نعم,, يا غالية هذا,, نحن لا نتوقف عن استهلاك اعمارنا,, حتى ونحن على حافة الحياة,, على عتبة الموت,, نستهلكها بالنصح,, بالموعظة,, بالحكمة المورثة لملامح أخرى,, لها طرقها الخاصة في استهلاك العمر!؟!
أعود يا مريم,, انثر السؤال على كفيك,, في دهشة,, وألم,, هذا العمر,, فيما اهدرته؟! ليكن السؤال هكذا,, ما الحصيلة,, التي كنتها؟! وما هي الحصيلة التي أنا عليها الآن؟! وأيهما يمكن أن أحتسبه عمراً؟!
أيهما عمري,, ذلك الذي كان,, دون أن يكون,, أم هذه البلورة الحالية,, التي أنافيها؟!,.
أيهما عمري,, ذلك التلقائي,, النظر,, المقبل,, الجامح,, الحاسد أم هذا الخاضع للتفكير,, والامعان,, والهدوء,, هذا الأكثر ميلاً للحكمة,, هذا الأكثر استخداماً,, لفي نظري,, وفي اعتقادي,, وفي الحقيقة ؟!.
أيهما عمري,, ذاك الذي كانت ضرباته,, تقعدني,, أم هذا الذي فهمت فيه كيف لتلك الضربات ان تزيدني قوة,, وصلابة؟!
أيهما عمري,, ذلك الذي كنت أدون فيه تواريخ الفرح,, أشيد لذلك الفرح,, أهرامات شاهقة العلو في ذاكرتي,, أم هذا الذي صرت أكره عن وعي تام,, أن أنشئ فيه منافذ للتاريخ في ذاكرتي,, أشيد فيه اهرامات كتب عليها,, شيد في,,, من أجل,,,؟!!
أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أعيش فيه الصدق,, والنقاء,, أم هذا الذي أبحث فيه عن مثابرة حقيقية للعيش في الصدق والنقاء؟!
أيهما عمري,, ذاك الذي كان الآن بلا ذكرى,, أم هذا,, الذي يغلفه الحنين متوجا بالذكرى؟!!
أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أعيشه بصمت الخجل,, أم هذا الذي اعيشه بصمت الزهد؟!
أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أركض فيه وبقوة نحو أحلامي,, أم هذا الذي كلما حققت فيه حلماً,, تلاشى رونقه,, وقلت هيبته,, وتحول إلى الشيء العادي,, الأكثر من عادي,, هل جربتِ يوماً يا غالية كيف يمكن أن يتقلص فرح الوصول لما نرغب,, يصغر حجمه ليصبح كظل نملة عندما تقترب الشمس بمسافة من أن تكون عامودية!؟!
أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أريد فيه كل شيء,, أم هذا الذي أدرب فيه نفسي على الاستغناء عن كل ما يمكن له أن يزيد اعلامي البيضاء عدداً,, هذا الذي تعلمت فيه أن استغني قبل أن استسلم أو,, أهزم؟!
أيهما عمري,, ذاك الذي كان يستقبل الصباح ضاحكاً,, مستبشراً أم هذا الذي يجاهد النوم ليلاً,, أمسح على رأسه فتشتعل أصابعي ناراً!؟!
أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أحتفي به,, فرحاً,, أم هذا الذي اتمعن فيه بدهشة,, وأنا أشاهده يتناقص,, رغم أن شموع الاحتفاء به,, تزداد؟!! أيهما عمري,, ذاك الذي كنت أبكي لأجله,, أم هذا الذي أبكي عليه حزناً,, وأسفاً,, وسؤالاً,, ترى في ماذا أفنيته؟!!
أيهما عمري,, يا غالية ذاك الذي كنت أعيشه,, أم هذا الذي اكتب عنه؟!
*,, من,, فوضى الحواس ,.
الناس؟ إنهم لا يطرحون عليكم عادة إلا أسئلة غبية يجبرونك على الرد عليها بأجوبة غبية مثلها,, يسألونك مثلاً ماذا تعمل,, لا ماذا كنت تريد أن تكون,, يسألونك ماذا تملك,, لا ماذا فقدت,, يسألونك عن أخبار المرأة التي تزوجتها,, لا عن أخبار تلك التي تحبها,, يسألونك ما اسمك,, لا ما اذا كان هذا الاسم يناسبك,, يسألونك كم عمرك,, لا كم عشت من هذا العمر,, يسألونك أي مدينة تسكن,, لا أية مدينة تسكنك,, ولذا تعودت أن اجيب عن هذه الأسئلة بالصمت فنحن عندما نصمت نجبر الآخرين على تدارك خطئهم.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved