رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 18th October,2000العدد:10247الطبعةالاولـيالاربعاء 21 ,رجب 1421

مقـالات

خواطر
عنكبوت قماشة العليان
د, عبدالمحسن محمد الرشود
(1)
وجدت أحلام (الفتاة الجميلة) نفسها منذ الطفولة ضحية لأبٍ قاسٍ مادي, عامل امها معاملة قاسية وسيئة حتى اصابها المرض ثم الجنون,, لكي يحتضنها مستشفى الصحة النفسية, وأخيرا توفيت حزنا وكمدا.
(2)
أما أختها (بدور) التي عرفت بشقاوتها ومحبتها (للوناسة) واقبالها الشديد على الحياة وجذلها المتناهي,, فقد شبت النزاعات بينها وبين زوجة ابيها الجديدة بعد وفاة امها,, مما جعل الاب القاسي يضرب بدورا ضربا مبرحاً يوصلها حد الجنون ثم مستشفى الصحة النفسية بالرياض,, وأخيرا تيأس من الحياة وانتحرت بدور,.
(3)
عندما تخرجت احلام - بطلة الرواية او بالاحرى بطلة قماشة العليان - من الجامعة عينت في (هجرة بادية) تبعد عن الرياض حوالي 200 مائتي كيلو متر,, وفي هذه الهجرة المتكونة من بيوت طين بسيطة وسكان بسطاء في هذه الهجرة تدور قصة حب جارفة شريفة وطاهرة بين احلام وسعد (البدوي) اخو وضحى (الطالبة عند احلام), سعد الشاعر المهذب الرقيق,, الذي يتقدم لخطبتها,, يرفض أبوها (الديكتاتور)!!
وتزداد الاحداث الدرامية سوءا,.
(4)
في ذات يوم تغادر احلام مع زميلاتها المدرسات الهجرة في باص ابي راشد متجهين للرياض,, وجاءت المصيبة,, اصطدموا بشاحنة كبيرة فهوى بهم الباص خارج الطريق مسافة طويلة,, ويلاقي الجميع حتفهم ما عدا احلام التي عادت الى الهجرة لأنها الوحيدة على قيد الحياة ولكن برضوض وجروح وكدمات لتتلقفها ام سعد، وأخته وضحى ويعالجانها حتى خفت آلامها,, اختفت فترة عن اهلها, ولكنها لظروف يصعب ايرادها عادت الى بيت أبيها الديكتاتور.
(5)
تقدم سعد لخطبتها بمعية امه واخته وضحى غير ان اباها طرده شر طردة ورفض تزويجه على الرغم من حبها الطاهر له وحبه لها,, وتزوجت احلام من رجل سبعيني العمر (شايب) (يا خسارة) عاشت معه سوء المصير، فلا حوار ولا تفاهم ولا استمتاع ولا بهجة وانتهى امر احلام واصبح احلاما بالفعل والاسوأ من هذا حدوث مشادة كلامية بينهما لانه (عاجز) عن القيام بدوره كرجل ويتطور الامر لتقوم احلام بقتله عندما هوت عليه بعصا غليظة على رأسه ليلاقي مصيره المحتوم وأودعت احلام السجن كقاتلة ونهاية تراجيدية لها ولقصة الروائية قماشة العليان,, لله درك يا قماشة,.
هذه الرواية كتبتها الاديبة الاستاذة قماشة العليان (أنثى العنكبوت) وهي في هذه الرواية تمتح من معين اللغة العربية المعاصرة الثر، وتصور بكاميراتها الفنية ادق التفاصيل والمواقف والاحداث تنقل قارئها الى الزمان والمكان اللذين تتواجد فيهما كقاصة لديها عاطفة جياشة، وصبر على متاعب الحياة بجملتها الشهيرة لا حول ولا قوة الا بالله وشعورها بالوحدة وفقد الام والامل, انظر كيف تصف مشاعرها تجاه سعد وهي تخاطب عيني اخته وضحى الطالبة في الفصل (اليك يا رجلا يسكنني بجنون اليك رسالة حب سأسكبها في عيني شقيقتك لعلها تفهم وتوصلها لك او تأسى فتصلك دموعي في عينيها او تحلم فأصلك انا بدلا منها,, رسالتي يا حبيب العمر انني انتظرك فأدركيني يا عينيها وأوصلي عمق مشاعري وحرارتها,, أفهميه كيف ان الهجرة الصحراوية المهجورة تحولت الى جنة من بساتين في وجوده ,, افهميه كيف ان الاجواء الحارة ولفحات الصيف التي لا تطاق أصبحت نسمات باردة عليلة وزخات من مطر خفيف يندي الوجوه قبل ان يبللها),, (ص 102) الى ما في هذه الروح من ابداع وأيما ابداع,.
الرواية في تصوري تعبير عن المرأة في المجتمعات النامية المحافظة وقلة حيلتها وعدم تفهم وجهات نظرها وما تنطوي عليه من عاطفة واحاسيس ووجدانات,, احلام انتهت تلك التي أعطت لإخوانها واخواتها وتبرعت بمالها ورواتبها من التدريس رغم ان الحياة واباها على وجه التحديد لم يمنحها فرصة لاستنشاق عطور ربيع العمر,, والجميل في الرواية انها ليست بعيدة عن اجواء الكاتبة بل انها ضاربة في العمق المحلي تحس برائحة القهوة ولفح هجير الرمال وصفاء البداوة ونقائها وبساطة الاتصالات وعمق المدن الكبيرة بل انها تعرّج على كثير من ظواهر المجتمع ومشاكل المرأة المعلمة من اهل وزوج وطرق مواصلات ووسائل تعليمية وقلة وعي بعض الطالبات وهكذا,,رصد فني عميق يسجل ويحصي بدقة ادق التفاصيل كما تطرقت لمشاكل المخدرات التي عصفت بابن اختها الاخرى (سعود) الذي عاش مع امه دون توجيه ابوي وملاحظة اجتماعية مما جعله يتصرف بمراهقة ويقع في فخ المخدرات.
وعلى الرغم من ان اسلوب الرواية مباشر شديد البساطة الا انني فوجئت (بأنثى العنكبوت) الصادرة حديثا 1421ه من حيث اسلوبها الجميل والمجتمع المفرح والمحزن ,, يشد القارئ ليعيش مع الرواية 184 صفحة أولا بأول والابداع يتجلى اكثر في تنقلات قماشة بين محاور الرواية المتعددة,, سواء مع الهجرة او بيت عائلتها وام سعد ووضحى ومع المدرسة والمدرسات ومع نفسها في الديالوجات التي تحكي بها وجهة نظرها في الاشياء,, تنقلات تأخذ القارئ الى اجواء مختلفة الروح والمعنى,.
المستغرب هنا اين الملاحق الادبية والثقافية من ابداعات قماشة العليان ومثيلاتها السعوديات المبدعات,, ولماذا ننشر إنتاج ادباء آخرين ونشيح النظر عن المنتج المحلي إلا أن مزمار الحي لا يطرب,, الجدير ذكره ان للروائية قماشة روايات اخرى مثل دموع في ليلة الزفاف، بكاء تحت المطر، الزوجة العذراء,, وكم اتمنى ان تسلط الاضواء على المبدع السعودي فهو جدير بالانتشار لا سيما اذا كان ذا نضج فني واجتماعي وادبي, واخيرا هذه الرواية أضحكتني وأحزنتني اكثر وجعلتني اتعاطف مع واقع المرأة في الرواية وهذا هو هدف الرواية في نظري,, او الرسالة,, النظر الى وضع المرأة وما تعانيه اجتماعيا واقتصاديا وحضاريا فهل بحثت قماشة في هذا؟, أعتقد ذلك.
أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved