| القوى العاملة
في بداية شهر رجب من كل عام يتخرج المتقاعدون من موظفي الدولة بعد ان امضوا سنوات عديدة في مقاعد تختلف عن مقاعد الفصول الدراسية المعروفة وما اشبه الليلة بالبارحة.
بالامس القريب كانوا يتسابقون بعد انتهاء ما تيسر من الدراسة نحو الاجهزة الحكومية طالبين الوظائف واليوم ينهون مرحلة طويلة من العمر خدمة للوطن والمواطن قدموا خلالها جهوداً واعمالاً قد تقيم من بعدهم في الدنيا وفي الاخرة علم ذلك عند الله.
يوم تخرج المتقاعدين ينقسم الخريجون إلى قسمين.
منهم من تلاحظ السرور على وجهه والابتسامة لا تفارقه لأنه مقتنع بأن لكل شيء بداية ونهاية وان الوظيفة ماهي الا لفترة محددة وصلت اليه من غيره وعليه ان يسلمها لمن بعده في وقت محدد سلفا, وان المتشبث بها والمتعلق بتبعاتها كالمستأجر الذي يدعي ملك غيره, فهذه الفئة من المتقاعدين هيأت وضعها لما بعد الوظيفة فينعكس هذا الشعور على نفس المتقاعد وعلى اسرته فيستقبل في البيت استقبال العائد المنتصر ويبدأ مرحلة اخرى من عمره يخصص جلها للاولاد، وللاقارب ولفعل الخير ويعوض مافات نتيجة مشاغل الوظيفة والتزاماتها.
اما القسم الثاني من المتخرجين من المتقاعدين فتراه قبل حلول موعد التسليم يبذل قصارى جهده ويشغل جميع الواوات على اختلاف فئاتها من اجل ان يمدد له عدة اشهر على الأقل وكأنه لا يريد ان يترك الكرسي والوظيفة الا عن طريق وصية لمن يريد لأنه لم يحدث نفسه يوما من الايام انه لابد من ان يترك هذه الوظيفة لغيره كما تركها من سبقه ووصلت اليه.
واشد المتعذبين من هذه الفئة بعض المسؤولين الذين تعودوا على اعتبارات زائدة عن المطلوب في تصرفاتهم عند وصولهم إلى الكراسي والوظائف المغرية فتجد بعض افراد هذه الفئة هيأ الوظيفة لخدمته لا ان يخدمها فالخدم والحشم عل حساب الوظيفة وتعاملاته الخاصة على حساب الوظيفة وحتى تنقلاته وعائلته على حساب الوظيفة وحتى اخذ المشلح من على رأسه وتعليقه على حساب الوظيفة وفتح الباب واغلاقه على حساب الوظيفة فهذا لم يهيئ نفسه لما بعد الوظيفة وهو من أشد المتعذبين بعد ترك الوظيفة على عكس القسم الاول الذي اعد حساباً لما بعد الوظيفة فتجده متواضعاً من غير ضعف.
تراه محتفظاً بعلاقاته القديمة قبل الوظيفة فالاصدقاء ورفقاء الدرب تربطه بهم علاقات قوية مستمرة لم تتأثر بالتغيير الذي حصل بسبب الوظيفة.
وكأنه اودع ثروة ثمينة سوف يحتاج اليها بعد الوظيفة فهذا النوع لم يفقد شيئاً بسبب التخرج من الوظيفة.
قال لي صديق شاهدت فلاناً في محل بيع الخضار والفواكه يشتري بعض الحاجات من المحل ثم حمل المشتريات بيده ولم يترك لصاحب المحل ايصالها إلى السيارة، ما يوجد عنده خدم وحشم وكل يريد ان يخدمه فقلت يا اخي:
هل هذا عيب، هذا الشخص قبل ان يكون في الوظيفة ماذا كان يعمل؟ قال: موظفاً فقلت: وبعد هذه الوظيفة ماذا يكون؟ قال: شخصاً عادياً.
قلت: المفترض عليك ان اخذت رأسه وقبلته ثلاثا وقلت له شكرا على تواضعك شكرا على هذا الدرس.
وقال صديق اخر شاهدت فلاناً وهو يقوم ببعض الاعمال وسألته الا يوجد عندك من الأفراد من يقوم بهذه الأعمال عنك؟ فقال: يوجد ولكن بعد الوظيفة هل استطيع ان احصل على من يقوم بذلك علي ان اعود نفسي على الخدمة الخاصة وسبقنا من كانت بيوتهم تكتظ بالناس في جميع الايام وبعد ترك الوظيفة اصبحت الدور مهجورة وحتى لا نفقد شيئاً يجب علينا الا نتعود على اشياء لا يمكن لها الاستمرار.
فهل يعي من لا يزال على كرسي الوظيفة ويعد العدة لما بعدها.
وحتى يكون ليوم التخرج فرح وسرور يجب أن يفهم الدرس جيداً.
|
|
|
|
|