أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 17th October,2000العدد:10246الطبعةالاولـيالثلاثاء 20 ,رجب 1421

مقـالات

شدو
من الاستشراق إلى الاستشراف (2)
د , فارس محمد الغزي
ناقشت في المقالة السابقة قدرنا مع الغرب ابتداء من الحروب الصليبية، فالاستشراق، فالاستعمار الفعلي، فالاستعمار (عن بعد)، وأخيراً العولمة, ناقشت كذلك ظاهرة إصرار الغرب على مجاهرتنا بالعداء سياسة واقتصادا وفكرا وثقافة، فضلا عن تربصه بنا الدوائر ومراقبته لواقعنا واستشرافه لمستقبلنا على الرغم من ضعفنا وتشتتنا وهواننا في هذه المرحلة التاريخية من تاريخنا, في هذه المقالة تجيب (شدو) على التساؤل المتعلق بظاهرة استشرافهم لمستقبلنا فمبادرتهم بإعلان نتائج هذا الاستشراف على رؤوس الأشهاد (ورؤوسنا!), بعبارة أخرى، ما هو سر إعلانهم لمعلومات من المفترض أن تكون سرية، لاسيما وهم مخترعو العمل (بالظلام) والسرية وكجزء من استراتيجيتهم الميكافيلية؟! بالطبع لا أحد يجرؤ على إنكار أن الغرب فهم (عقليتنا) ولذا أجاد ويجيد التعامل معها بنجاحات باهرة، بيد أن فهمه هذا قد تم بتؤدة وتأنٍ وإصرار ومثابرة وعبر مراحل تاريخية تراكمية, فاستشرافهم، إذن، لمستقبلنا لم يكن لينجح لولا (نجاح) أوائلهم في الاحتكاك بنا من خلال الحروب الصليبية فتكوين بعض الفهم عنا، ليحل عصر الاستشراق فيضيف المستشرقون المزيد من الفهم عنا, وهكذا ومع استمرار جهلنا بهم مقابل (علمهم بنا) توفرت في أيدي أجيال ما بُعيد وبعد مراحل الاستشراق (قواعد معلوماتية) موثقة عن ماضينا، جنباً إلى جنب مع ما لديهم من (معلومات) موثقة عن حاضرنا، مما مكنهم بالتالي من استعمارنا بسهولة بالغة فتأصيل (القابلية للاستعمار) لدينا، وحسب مصطلح مالك بن نبي, مضت الأيام وانحسر الاستعمار الفعلي ليبدأ الاستعمار (من بعد) على يد من حمل (راية) مسيرة فهمنا من أحفاد المستعمرين لتتواصل مسيرة السيطرة علينا من خلال استشراف مستقبلنا, جدير بالذكر أن أوائلنا، وعبر مختلف مراحل تاريخ علاقة الشرق بالغرب، لم يحاولوا (فهم) هؤلاء الغربيين وذلك مقارنة بما بذله الصليبيون، فالمستشرقون، فالمستعمرون، فأحفاد هؤلاء المستعمرين من جهود خارقة في سبيل فهمنا؛ بل إننا نحن (الأحفاد) فشلنا، ولانزال، في بذل أي جهد لفهم معاصرينا منهم المستشرفين وكما تثبت الوقائع التاريخية الحديثة والمعاصرة, لا غرابة إذن في أن يبادروا فيستشرفوا مستقبلنا بكل جرأة بل ويبسطوا نتائج وخطط استشرافهم لنا بين أيدينا وأمام أعيننا (وبكل وقاحة!) وما ذلك إلا لأنهم ببساطة يعرفون (القدر وغطاه!), إن المسألة عملية (تطبيق نظريات) اختبرت على أرض الواقع مراراً وتكراراً وأثبتت نجاحها تاريخيا: نظريات من قبيل (التنبؤ الذي يحقق ذاته Self-Fulfilling Prophecy) والتي لا يفسرها سوى نظريتهم الأخرى القائلة: )When people define things as real, they are real in their consequences(: أو النظر إلى الأشياء كحقائق يجعل من تبعاتها حقائق: فعلى سبيل المثال، يصموننا بالكسل فنكسل عن إدراك الواقع,, يحذروننا بأننا مهددون فنبادر في شراء الأسلحة مغفلين التنمية الضرورية,, يتوقعون حرباً ضروساً بين جارتين فتشك كلٌ منهما بنوايا الأخرى ويزداد التربص (والاحتكاك) وفعلا تقع الحرب الضروس,, وهكذا دواليك!!
,, نأكل مما يزرعون (وهضمناها!)، ونركب ما يصنعون (واعتدناها)، ونلبس مما يحيكون (وألفناها!),, أما أن نسلم ونذعن لمستقبل هم له (مستشرفون) فهذا لعمري هو العيب بل (والكفر بالقدرات!),, حقاً صدقت العرب حين قالت: نكح العجز التواني فولدت بينهما الندامة! .

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved