| القرية الالكترونية
حين ظهرت الانترنت كانت أمريكية الهوية والمنشأ وترعرعت في أحضان المؤسسات الأمريكية العسكرية منها ثم العلمية والتجارية, ومع تنامي حجمها وتحولها من الخاصة الى العامة وبروزها كعملاق اعلامي معلوماتي اتصالي قادم بدأ واضحا أنها أسرع نموا من القوانين التي تحكمها وأوسع نطاقا مما يمكن ان تشمله دساتير الدول التي طورتها, ففي حين ترزح الولايات المتحدة حائرة تحت وطأة آثار جرائمها المدمرة فانها فشلت في وضع ورعاية تطبيق القوانين التي تحكمها, والصورة ما تزال غير واضحة فيما يتعلق بالجريمة والقانون على الانترنت.
وحين ننظر الى قوانين الانترنت فان تطورها يظل حبيس البيروقراطية والبطء الانساني الذي لم يستطع مواكبة النمو التقني الذي قفز ويقفز بالانترنت خطوات واسعة الى الامام, وبالنظر الى القوانين التي تحكم الانترنت فاننا لا نجد سوى نسخ معدلة أو مكررة من الأنظمة الأمريكية التي وضعت لضبط عمل الانترنت والتي ما نزال نرى فشلها في ضبط الأمن المعلوماتي على الانترنت بشكل واضح لأسباب عدة أرى أن على رأسها أن القوانين الحالية غير كافية لعدم اقترانها بأنظمة للعقوبات بل تخضع لاجتهادات القضاة في حال تقديم أحد المجرمين اليها وما أقل أن يحدث ذلك, فالحالات النادرة التي قدمها مكتب التحقيقات الفدرالي للقضاء الأمريكي وعلى أثرها صدرت الأحكام الطنانة ضد أولئك المجرمين لا تكفي لنقول بأن الانترنت آمنة بعد فهي ما تزال مرتعا للعابثين وبوابة يعبر منها المجرمون الالكترونيون بالعشرات دون رقيب أو حسيب قادر على تعقبهم, ولأن الانترنت عالمية فانه يلزم عولمة قوانين تعقب المجرمين وانشاء مؤسسات عالمية قادرة على الوصول إلى أي مجرم الكتروني في العالم وفق اتفاقيات عالمية توضع لهذا الغرض, كما ينبغي عولمة تقنيات تعقب هؤلاء المجرمين والتي لا يملك زمامها سوى ندرة من الخبراء الذين تستفيد منهم الحكومة الأمريكية والذين يمثل البعض منهم في الواقع مجرمين تائبين كأولئك الذين اجتمع بهم الرئيس الأمريكي اثر حوادث الاغراق ومنع الوصول الى المواقع التي وقعت في الصيف الماضي.
ومما يؤسف له ان دول العالم دون استثناء تلقفت الانترنت واحتضنتها كخدمة لا يتردد الكثيرون في الحكم على ايجابياتها لكن قل ان سمعت بدولة وضعت القوانين التي تحكم الاستفادة منها وتضبط عملها وتحفظ الأمن للمستفيدين منها وتتعقب مسيئي استخدامها وتجرم العابثين منهم, وكثيرا ما يتلقى المشتركون قائمة بالضوابط المطلوب الالتزام بها عند الاشتراك في خدمة الانترنت أو عند الحصول على خدمة ما على الشبكة لكن هذه الأنظمة لا تستخدم في الغالب ولا يتم الرجوع اليها الا في أحيان قليلة جدا.
وهناك عامل آخر من عوامل اختلال الأمن الالكتروني وهو عدم فهم طبيعة الانترنت لدى الكثيرين ممن يستخدمونها, فهذا الفهم سبيل الى وقوعهم ضحايا لمن لا رادع ولا وازع يمنعه من العبث بمقدرات الآخرين, وما دام الوصول الى برامج العبث والتجسس ميسرا من خلال المواقع الكثيرة التي تمنحها بالمجان وما دام الكثيرون يدخلون الى الانترنت من خلال أجهزة وأنظمة غير حصينة وما دامت القوانين التي تعاقب المجرم غير موجودة أصلا أو ممكنا تطبيقها في حال وجودها فان طوفان الاجرام الالكتروني سيستمر في التعاظم وسيصل العالم يوما ما الى حقيقة مرة وسبب مرارتها هو ادراكها في وقت متأخر وهي: ان الانترنت العالمية لا ينبغي ان تحكمها قوانين محلية بل تضبطها قوانين عالمية وتتعاون في تنفيذها دول العالم أجمع في اطار منظمة عالمية تنشأ لهذا الغرض, وواقع الحال في هذا الوقت يتيح لمن يقيم في بوليفيا أن ينفذ جريمة في ماليزيا عبر شبكات وأنظمة في بلد أوروبي, فاذا كان الحال كذلك فبقانون أي بلد يمكن تعقبه؟ فلا مناص من تأسيس مجلس الأمن الالكتروني الدولي.
|
|
|
|
|