| مقـالات
أين اختبأت طوال هذه السنين؟ أين توارت حتى ظنناها قد تلاشت واضمحلت، كما تتلاشى أحلام الطفولة وتختفي الى أن يتنازل عنها الكبار بيسر وسهولة ويدعون أنه سن النضج والعقل!! لا أعتقد بأن فلسطين قد تلاشت من وجداننا وحلمنا العربي النبيل ، كنا فقط نهرب منها نتجاهلها، نكتفي بالحلول اليومية والمتع الصغيرة وجميع مخدرات الاستهلاك المغوية, كنا نخشى أن نطرق الأقبية السرية التي اعتقلناها بداخلها خوفاً من أن تستيقظ فتستيقظ معها جميع المرايا التي تعكس أحزاننا وأورامنا وخطايا النسيان وحقائب التخاذل.
فقط كنا بحاجة إلى تلك الحجارة التي حاصرت أقبية النسيان وأيقظتها، تلك الحجارة التي تحولت الى شهب حارقة أشعلت النيران في ستائر اللا مبالاة، لينهمر الشارع العربي، ينهمر بشكل عارم مدهش عظيم، وكأن فلسطين كانت تشاركنا موائدنا ولقمتنا ومقاعد بيوتنا!! انهمر وكأن فلسطين لم تغب للحظة عنا ولم تختطف في معاقل المفاوضات، وأقبية الخيبة.
إن هجمة الشارع العربي تحمل نوعا من الاحتفالية، احتفالية عودة ابن بعد دهور من الاعتقال ، احتفالية استيقاظ لغة من سباتها، اللغة الواضحة البسيطة المباشرة التي تقول بأن الأبيض هو أبيض والأسود هو كذلك، لغة البوصلة الصحيحة التي تخلصت من عطبها وصارت تشير إلى أن العدو هو هناك ولا مكان سواه، وأن فلسطين هي حلمنا الطفولي الكبير الذي استعدناه، الشارع العربي يجمح كالفرس التي كممت بلجام التطبيع وأقسرت على التهام (تبن) المفاوضات، ونامت بحسرة أحلامها المتشظية كل ليلة، تلك الأحلام التي حاولت أن تعسفها لتتحول الى أرقام في البنوك أو متع الأغاني المبتذلة والخصور الرخيصة,, لم نختلف في حياتنا على شيء سوى فلسطين، ولم نتفق قط في حياتنا على شيء مثلها!! ولم ينطلق الشارع العربي بهذا الزخم الذي يمتد من المحيط الى الخليج إلا وكانت فلسطين هي وقود هذا الشارع وبوصلته.
هنيئاً لنا فلسطين عادت لنا!! عادت الى أدمغتنا الى وعينا الى غرف أحلامنا، عادت مدماة، ملتاعة، ثكلى، منشطرة، لكن لا يهم فهي قد عادت، وبعودتها سوف تستيقظ طيور الكرامة، وتحلّق صقور الحرية ، وستضيء الجباه العربية وتشرق بعد طول سجود.
omaimakhamis @ yahoo.com
|
|
|
|
|