أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 15th October,2000العدد:10244الطبعةالاولـيالأحد 18 ,رجب 1421

مقـالات

أهُوَ,, وادٍ متصدع فقط,, أم,, ثقافة صحية متصدعة,,؟!
حمّاد بن حامد السالمي
* جاءت حُمى الوادي المتصدع في جازان، وفي بعض المناطق الأخرى، لتضع أكثر من علامة استفهام على أكثر من وضع قائم، ليس في المجال الصحي وحده، ولكن الأمر يتعدى إلى ما يختص بالعمران، والإعلام، والثقافة، والحياة الاجتماعية، وغيرها، وليس من العدل والانصاف، ولا من اللباقة والكياسة، أن نعلق قصورنا في هذه الجوانب، بعضها أو مجتمعة، على الماشية المستوردة والمتسللين والبعوض والمطر ,,! ولو كنا نعرف لغة نتخاطب بها مع فيروس RVF القاتل، لربما وقفنا منه على عدة أسباب مساعدة ومساندة، خلاف الماشية والمطر والبعوض والتسلل ، نقلته من وضع الاستكانة والدفاع، إلى وضع الهجوم على المواطنين والماشية، في مدينة جازان وفيما حولها من مدن وقرى وأودية، حتى تجاوز حدود المنطقة إلى نجران وعسير والقنفذة وغيرها، وان البعوض والماشية والمطر وأجسام المتسللين، لم تكن هي الأسباب الوحيدة، وان ما تُرمى به هذه من تهم في التسبب والنقل، فيه كثير من التجني، الذي لا يبرره إلا انعدام اللغة في التفاهم مع فيروس مرضي خطير كهذا,,!
* إن مدينتي جازان والقنفذة على سبيل المثال، تقومان على ساحل بحري رملي منخفض، مشبع بالرطوبة والملوحة طوال العام، والمباني السكنية في المخططات القديمة الملاصقة للبحر، تجسد تصدعاً حقيقياً واضحاً منذ أزمنة بعيدة، ويسهل على كل ذي عين ,, ترى, ,وليس بالضرورة عينين ، أن يرى هذه التشققات على جدران المباني والمنازل حتى الحكومية منها، فلا يكاد أحدهم يبني داراً في جازان، أو في القنفذة، في هذه المخططات الملحية وينتهي منها، حتى يجدها قد تصدعت، وراح الملح ينخر في طوبها وفي حديدها وصباتها، وراحت الرطوبة تذيب أسافلها، وتأكل منها، فهي لا تعمر طويلاً، اضافة إلى ما يحيط بها طوال العام، من برك ومستنقعات للذباب والبعوض والأوساخ, * هذا تصدع عمراني قديم جديد، فقد كانت هناك دراسات هندسية منذ عدة سنوات، تلح على نقل المدينتين إلى مسافة أبعد مما هي عليه اليوم، فماذا فعلت البلديات لتصحيح هذا الوضع الذي لا يساعد على توفير بيئة صحية سليمة، في مدن بحرية حارة؟ وماذا هي فاعلة غداً بعد ما حدث، خاصة وهي لا تستطيع بحال من الأحوال، نفي مسؤوليتها عن بعض الذي حدث، فأضر بالناس وبالثروة الحيوانية والبيئية,,؟
* وفي الجانب الذي يفترض أن يكون صحياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فإن ظهور وباء الوادي المتصدع في منطقة جازان وفي سواها من المناطق، كشف لنا بجلاء، أننا متخلفون في جانب الثقافة الصحية إلى حد كبير جداً، وأن ما يسمى ب الإعلام الصحي ، إنما هي ادارة صغيرة ملحقة بوزارة الصحة، ظلت وما زالت تهتم بالتمجيد والتحميد لمسؤولي الوزارة، ونشر صورهم وأخبار تحركاتهم، والنفي كل النفي كلما جاء في الصحافة اشارة تمس قطاعاً صحياً هنا أو هناك، فهي ادارة للنفي الصحي ,,!، وإلا,, فأين دورها الوطني في التعريف بهذا الوباء، وبطرق توقيه ومكافحته والتخلص منه، وأين دورها في تفهم العادات الاجتماعية والحياتية اليومية في منطقة كهذه، يسهم بعضها في انتشار المرض وتوطنه، فتبصر الناس بما يجب عليهم من تخل عن هذه وتلك من أجل صحتهم؟
* إن حاجتنا الماسة لثقافة صحية تسبق الحدث ولا تأتي كرد فعل له، لا يوازيها إلا حاجتنا إلى اعلام يعايش هموم الناس بكل دقائقها، بأن يكون معهم في مثل هذه الأزمة الصحية لحظة بلحظة، من أجل التبصير والتنوير لا التحرير والتبرير، ونقل الحقائق مثل ما يراها هو، لا مثل ما يراها الوزير فلان أو المسؤول فلان، ومع أن الإعلام المقروء مثل ما بدا لي بذل جهداً لا بأس به في هذه المهمة، إلا أن ادارات العلاقات العامة، التي لا تفهم من الاعلام سوى وظيفة النفي، بذلت جهداً أكبر,,! ولكنه جهد يصب في قناة تبرير ظواهر القصور، ونفي المسؤولية عن جهازها وملحقاته، واشاعة أجواء من التهدئة,, من مثل: الوضع مطمئن، والوضع تحت السيطرة، وكل شيء تمام ,,! لو أن كل شيء تمام كما يقولون، لما حدث ما حدث، وإذا كان كل شيء تماما، فلا داعي لوجود جهات تعمل ليل نهار، كما أن قاعدة كل شيء تمام ، ليس ظاهرة صحية في ميدان خدمي يهتم بشؤون الناس، وعكسها، أن يكون هناك قصور ونقص، فيدرك بفطنة، ويتدارك بمسؤولية، لأن الجهاز الذي لا يقصر ولا يخطئ، هو الجهاز القار الراكد الذي لا يعمل، ولا أجد عيباً في أن نتحدث عن حجم الأزمة وأبعادها، ونضع كافة المواطنين سواء داخل جازان أو خارجها في صورة الحدث، فهذا من حقهم، ومن الحق العام، أن نسمع من الآخرين وجهات نظرهم، ونستفيد من جملة الآراء المطروحة، ونطلب المساعدة في الوصول إل حلول عاجلة وأخرى مرحلية قادمة، فالمرض لن ينتظر، والسكوت لا يبرئ ساحة المسؤولين في الصحة أو البلديات أو الزراعة أو الاعلام أو آخرين غيرهم في مواقع أخرى، ومن أهم الحلول العاجلة، مكاشفة الناس بحجم الأزمة الصحية، والارتفاع بالإعلام المرئي والمسموع منه على وجه الخصوص إلى درجة المساهمة في نشر ثقافة صحية، تبدأ اليوم ولا تتوقف في أي يوم قادم، فمرض الوادي المتصدع القاتل، قد تعقبه أمراض أخرى لا يعلمها إلا الله، وفي حياتنا اليومية من العادات والسلوك ما يتنافى مع أبسط أصول الصحة الفردية، وصحة المجتمع وسلامة البيئة، وليس عيباً أن نكشف عن مثل ذلك في الصحافة والإذاعة والتلفزة، ونطالب بالتخلي عنها إلى ما هو خير منها، ومن الواجب على ادارة تتسمى ب الاعلام الصحي ، أن تتخلى عن منهجها القديم، القائم على ملاحقة ما يكتب في الصحف، ونفيه وتكذيبه، والتقليل من أهميته، مع أن النفي في حد ذاته، دلالة تؤكد حدوث المنفي في معظم الحالات,,!
* كما أتمنى,, اعادة النظر في المواقع التي تحتلها مدن برزت وأخذت تكبر بملاصقة البحر الأحمر، ومنها مدينتي جازان والقنفذة، فهذه المواقع في بقع رملية ملحية رطبة باستمرار، لا تصلح للنمو السكاني والعمراني، وفي الوضع الذي هي فيه اليوم، من عدم وجود تصريف صحي، أو تخطيط مدني حديث، سوف تظل عاملاً رئيسياً من عوامل التوطين الطبيعي للأوبئة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، معنية بهذا الأمر في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى.
* نحن جميعاً في هذا البلد، معنيون بما يجري في منطقة جازان، وللمجتع دور كبير لابد أن ينهض به في هذا الوقت، ولجمعيات البر، والجمعيات الخيرية التي تتسابق عادة لنجدة المنكوبين في قارات الدنيا السبع، مطلوب منها العمل في منطقة جازان، فهذا وقتها، وهذا وقت رسالتها الإنسانية نحو المواطنين في جزء غال وعزيز من بلادنا.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved