أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 14th October,2000العدد:10243الطبعةالاولـيالسبت 17 ,رجب 1421

الاخيــرة

أستاذنا الفلسطيني
أنور عبدالمجيد الجبرتي
لا زلت أذكر استاذنا الفلسطيني جيداً،
لقد ترك فيّ وفي كثير من زملائي انطباعا مميزا، وأضاف بعدا جديدا الى محصلتا الفلسطينية.
كان خجولا هادئا.
يغلبه خجله وحساسيته المفرطة أحيانا,, فتتوهج وجنتاه القمحيتان باحمرار تفاح فلسطين ممتزجا سُمرة أرضها الطيبة.
ويسبح هذا التوهج في سيل من قطرات العرق التي تتسابق في انحدارها على جبهته وعارضيه فتغدو صفحة وجهه البريئة مهرجانا للانفعال الانساني الصادق,, العميق,.
كان أكثر ما يكون انفعالا عندما يتذكر فلسطينه ،
وكان يحدثنا عنها حديث العاشق المتيّم.
حدثنا عن بياراتها ,, وزيتونها، وتلالها وطرقها الحجرية
وطبخاتها الشهيرة,, وأغانيها,, ورقصاتها,, وأهازيجها.
حدثنا عن عائلته,.
عن اخوانه وأبناء عمومته الذين تقاسمتهم جهات الأرض الأربع,, عن الذين سقطوا من أقاربه,, ومعارفه,.
عن أحداث الخروج الكبير عندما حمل اخته الصغيرة على كتفيه,, وجرى بها فراسخ على قدميه الهزيلتين,, باحثا عن ملجأ أمين,.
حدثنا عن الضياع والهوان,.
والجوع على أرصفة الشوارع في عواصم البلدان الشقيقة ,.
وحدثنا عن أشياء فلسطينية أخرى كثيرة.
لم يكن حديثه حديث سياسة,.
لم يكن يحب السياسة أو يأبه لها,, أو يكن لأصحابها احتراما كبيرا,.
كانت مفرداته انسانية,, بسيطة أضفت عليها دراسته وقراءته الأدبية شفافية لاذعة .
أعطتها معاناته الشخصية صدقا انسانيا عفويا,.
فاستطاع أن يقدم لنا القضية والتاريخ على مستوى شخصي مباشر,, بعيدا عن التشنجات السياسية، والشعارات الجوفاء، والأكليشات الباردة.
كان استاذنا انسانا نظيفا متفائلا،
لم تستطع النكبة أن تسلبه سماحته .
أو أن تغرقه في دوامة أحقادها ومهاويها الكثيرة,, كما فعلت بكثيرين غيره.
وكنا نحس بحبه للحياة,, وتطلعه الى الاستمتاع بأشيائها وآمالها البسيطة,, والكبيرة.
وكان أكثر ما يكون تفاؤلا عند الحديث عن فلسطينه الحبيبة التي لم ينقطع أمله رغم المثبطات والانحسارات الكثيرة في أنه سيراها يوم العودة,, كريمة ,, حرة,, أبية.
تفوح زعتراً وزيتوناً.
عندما ودعنا في نهاية العام الدراسي,, قال لنا وهو يمارس ابتسامته,, العذبة,, الحزينة:
سنلتقي قريباً في فلسطين,.
سأتجول بكم في شوارعها,, وأصعد بكم تلالها,.
وأقطف لكم من عرائشها,.
وأعبّ معكم من ينابيعها,.
كان كعادته,, متفائلا كبيرا,.
حتى وهو يحزم أمتعته الى رحيل جديد.
أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved