| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عبده المصطفى وبعد:
التملق صفة مذمومة ممجوجة تأباها النفوس السليمة، وتمقتها الطّباع الكريمة، صاحبها مذموم ممقوت من قِبَل نفسه ومن قِبِل من تملقّ له ومن قبل من تملق امامه وهو مسكين يحسب انه يُحسِنُ صُنعا وهو لايعلم أنه فَقَدَ من الاحباب اكثر مما جمع, بل إنَّ مَن رآه على حاله هذه يُصبحُ يتربصُ به الدوائر ويبحث عن زلاته وهفواته ليشنّع به أيما تشنيع , إنّ المتملّق عبارة عن بوقٍ من أبواقِ النفاق لايثق به من تملّق لأجله ولايرتاح لرأيه ولامشورته لانه يعلم أن هذا المتملّق لا يبحث عن الحق والمصلحة بل يبحث عن رضا وهوى هذا المسئول وذاك, بل لونصارح أنفسنا لقلنا إن المتملّق خائن للمسئول لانه لم يمحضه النصيحة ولم يكاشفه بالحق فالحق ربما كان فيه مرارة ً تحتاج الصراحة وتحتاج الى رجولة وجرأة وصدق مع الله ثم مع المسئول, فإذا طبّل هذا المتملق للمسئول وصفق له ظن المسئول انه بلغ الغاية في التمام وتوهم انه على هدى في عمله فاذا انكشفت الحقائق وتجلّت الشدائد كشّر هذا المتملّق عن انيابه وأخذ يذم ويقدح بمن غررّ به ولاتَ ساعة مندم.
يقول الفاروق الملهم عمر رضي الله عنه: الحق لم يترك لي صديقاً, إه, والوقاحة المتناهية التي تمجهّا المسامع إذا كان المتملق يكذب ويتصنّع وهو يعرف انه يكذب في حين يعرف الممدوح أنه يكذب ويعرف السامع أنه يكذب.
لِقَاصِرِ نظرٍ أن يقولَ ألم يأمرنا الله باحترام المسئول فاقول له هذا لاخلاف فيه بل هو سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن لم نؤمر بالتملق والتصنّع والكذب والذوبان في شخصية المسئول ولم نؤمر بأن نعتقد ان المسئول على كل شيء قدير بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ليس منا من لم يوقرّ أو يعرف حق كبيرنا ويرحم صغيرنا وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: أنزلوا الناس منازلهم .
إن من الامانة التي ناءت بحملها السموات والارض ان نقول الحق حيث كنا والا تأخذنا في الله لومة لائم بل هذا من البيعة التي عاهد فيها آباؤنا من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث جاء في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في عُسرنا و يسرنا وفي منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا والا ننازع الامر أهله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، وأن نقول الحق حيث كنّا والا تأخذنا في الله لومة لائم, متفق عليه, نعم أُمرنا بحُسن الأدب مع المسئول واعطائه حقه واحترامه وتقديره لا أن نتصنع له ونكذب عليه وننافق له ونخونه بعدم المكاشفة بالاخطاء إن وجدت قال الشافعي رحمه الله :
(سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدوق صادق الوعد منصفا) |
فصديقك من صَدَقَك لا من صدّقك.
وقال أيضاً:
(إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة فلاخير في ودٍ يجيء تكلّفا) |
لذلك تجد بعض الاحباب هداهم الله يأخذ بمبدأ السّمسَمة وهي في حقيقتها ضربٍ من ضروب الخيانة فالمسلمون نصحة والمنافقون غششة كما قال صلى الله عليه وسلم.
أما أن يَهتَبِل الواحد منا كل فرصة ليظهر لنا صنوفاً من النفاق اللامسئول فهذا ما تأباه الأنظمة الرسمية، والآداب الشرعية لذا جاء عن الصادق المصدوق قوله: (إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب) واستثنى بعض العلماء من لايخشى عليه العُجب والغرور أو كان في ذلك قدوة لغيره.
ومن صور التملق ان يأتي سائل عن طلب ما فاذا سأل المسئول عن طلبه وكان بحضرة هذا المتملق تجده يحاول ان يجيب عن المسئول الموجه له الطلب يحاول ان يلقمه الحجة لرد الطالب, فهو لايتورع ان يتبرع بهذه الفضولية الطفولية, ناسياً او متناسياً هدي نبيّه صلى الله عليه وسلم الذي كان اذا اقبل عليه طالب الحاجة ينظر الى اصحابه ويقول: (اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيّه ماشاء) رواه البخاري.
لايتصور قاصر نظر أننّي ادعو لمواجهة المسئول وإشهار غلطاته وتصيّد سقطاته لا والف لا لكننّي أدعو الى منحه الصدق والمصارحة بأحسن إشارة، وألطف عبارة، وأجمل اسلوب، وان تكون النصيحة غاية في السريّة والكتمان لابالمجاهرة والعصيان قال الامام الشافعي رحمه الله:
تعمدني بِنُصحِك في انفرادي وجنّبني النصيحة في الجماعه فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضى استماعه |
هذا والله نسأله أن يأخذ بأيدينا للحق والصواب ويلهمنا الهدى والرشاد والله من وراء القصد
علي محمد حسن الحماد محافظة رياض الخبراء
|
|
|
|
|