| الثقافية
اليوم هو الأربعاء يخرج شاهين من مدرسته الريفية المعين فيها حديثاً التي تبعد عن مدينته التي يقطنها أهله مسافة ليست باليسيرة.
وعلى غير عادة يقرر شاهين البقاء في القرية بعد قدوم العطلة الأسبوعية، وذلك حتى يدّخر أجرة الطريق ويريح نفسه مما قد يصيبه من عناء السفر، ويتمتع بالليالي البيض التي تصادف اجازته الأسبوعية، فيقصد منزله المنعزل الذي استأجره بثمن بخس شمال القرية.
بعد أن أخذ القمر مكان الشمس، وتوسط السماء معلناً اكتماله واحتفل بمسمى البدر سامحاً لبعض النجوم أن تشاركه فرحة اكتماله، كان شاهين يعد العدة للاستمتاع بليلته التي يقضيها وحيداً، متيقناً ان هذه الليلة كفيلة بأن تقضي على فراغه في سويعاته القادمة، فهم باشعال السراج وافترش الجودري على السرير الحديدي القابع في صحن الدار وقرب السرير بعيداً عن سور الدار الذي ما يزال دافئاً من هجير الشمس، ووضع الوسادة على طرف السرير وقرب الطاولة التي تحمل السراج بالقدر الذي ينير كتابه العتيق، والذي سيشرع في قراءة ما تبقى منه بعد أن يفرغ من تناول طعام العشاء,, فيستلقي يوسف على السرير ويتأمل السماء التي خالط مرآها حفيف شجر السدر والنخيل، فينسى ما قد هم به من قراءة الكتاب بعد أن هام في أحلامه.
أخذت ذاكرة شاهين تداعب نفسه وتلقي بظلالها على تفكيره، فأخذ يقول في نفسه: آه كيف يمكنني أن أعود إلى أهلي بتعييني في مدينة الرياض؟!، وان حصل ذلك فهل راتبي سوف يكفيني في تحقيق ما أصبو إليه؟!!
ولم تكن نفس شاهين لتنفرد بنفسها دون أن تخطئ وتقع في المحظور فيكمل ما قد بدأه قائلاً:
لماذا زملائي الذين سبقوني يحصلون على الأجر المجزي كما أرى في قائمة الأجور الشهرية؟ ولماذا تمنح لهم الدورات التدريبية الأفضل والأكثر تأثيراً في الترقية.
ولم تكن هذه النظرة الخاطئة لتتملك من نفس شاهين مع وجود بصيرة اختزلها وتشربها من واقع دينه ومجتمعه، فيقول من خلال ايمانه بالله:
ولكن هؤلاء أكثر مني خبرة، وأخذوا نصيبهم في زمن أفضل من زمني، وقبل هذا وذاك: الله عز وجل هو من قدر لهم هذا الرزق ولابد أن أحمده على ما هم فيه وعلى ما أعيشه من خير وسعادة,, فالحمد لله على كل ما قدر وشاء.
ولكن هذه البصيرة النيرة لم تكتف بعد من نفسه الأمارة بالسوء، فألهمته أن يقول: هب أنني بنفس الأجر هل كنت لأقول منكراً من القول كهذا,, استغفر الله، استغفر الله.
وتباطأ شر صاحبنا بقدر ما تسارع ليله حتى وصل به إلى سحره,, حينها رفع آذان صلاة الفجر قادماً من صوب القرية، مغيراً السكون إلى حركة ومبدلاً الراحة إلى عباده.
فتوضأ شاهين واستعد للصلاة، وركب سيارته واتجه صوب المسجد موقفاً حصاد عزلته المؤقتة إلى مساء يوم آخر.
سفيان محمد الأحمدي الرياض
***********
** اختلاجات السحر تتناول موضوعاً مهماً لأكبر شريحة في مجتمعنا وهي قضية شبابنا والتوظيف خارج المدينة سواء كانت الوظيفة عسكرية أم مدنية,, فالكل لبنة في كيان هذا المجتمع، وشبابنا يتطلعون لخدمة هذا الوطن في أي مكان أنيط بهم العمل,, ولقد وفق الصديق سفيان الأحمدي في طرح هذه الفكرة عبر هذه القصة التي جعلتنا نعايش احداثها لحظة بلحظة مع بطل القصة شاهين الذي عين معلماً في مدرسة بالقرية,, وكشف لنا القاص عن هموم شاهين واشتياقه للمدينة وتطلعه للعيش فيها، ولكنه يرضخ للمنطق والواقعية، فالوطن واحد سواء كان في المدينة أو القرية ولذلك فقد اقتنع بذلك في نهاية المطاف خصوصاً وأن شاهين وكما يقول الكاتب لم تكن هذه النظرة الخاطئة لتتملك نفس شاهين مع وجود بصيرة اختزلها وتشربها من واقع دينه ومجمعه .
ونستطيع القول ان لغة القصة جاءت معبرة ووافية في غير اسهاب أو ايجاز مخل، كما أن أدوات الكتابة القصصية مكتملة إلى حد ما في هذا النص,, وان كان الحوار غائباً عن اسطرها.
|
|
|
|
|