| الاخيــرة
كنت سأستأذن شاعرنا السعودي مسافر في تحريف العنوان الرائع لديوانه انتفضي أيتها المليحة وتحويله إلى سؤال حارق لو أن المسألة كانت تتعلق بشفافية الشعر,
أما والمسألة تتشابك مع شراسة السياسة فإن الشاعر الصالح لابد ان يتسامح مع عمليات السطو الشريفة التي ليس لها تأثير يذكر إلا محاولة تأجيل الوصول إلى سن اليأس السياسي قبل سن الحلم بتأجيج بعض الأسئلة الصغيرة التي لا إجابة لها عند الكبار.
إلى متى يجري اجهاض انتفاضات المليحة كلما فاضت بها أشواق الرفض لمشاريع التسوية المشبوهة بأبعادها الاقتصادية والمائية البعيدة وبأخطارها الاجتماعية والجغرافية القريبة, هل حقا وبعد سبع سنوات عجاف من سلسلة المفاوضات المعقدة بين الفلسطينيين وبين العدو الإسرائيلي في حضرة الحكم والخصم الأمريكي وبالمباركة السرية والمعلنة للأنظمة العربية مازال هناك من يريد أن يصدق بأسطورة السلام بين ليلى والذئب, هل بعد مجزرتين متتاليتين ومتزامنتين مع زمن التسوية داخل المسجد الأقصى وأثناء تأدية المصلين لصلاة الجمعة لا يزال هناك من يمكن أن يتمسك بسراب السلام.
هل القدس مدينة الأديان السماوية ومهد الحضارات ومعبر الرسل مجرد جسد مباح يعريه العدو متى شاء ويدفع جنوده ليعيثوا بحرمتها وحرمة مصلاها متى اشتهى، ليكتفي الخطاب الرسمي العربي والإسلامي بالتنديد بالاعتداء وانتهاك الحرمات وكأن الأمر مجرد اعتداء عرضي وليس تحديا سياسيا وعسكريا وتاريخيا لكل المقدسات الإنسانية.
لماذا وكيف يريدون ان يقنعونا نحن المواطنين الصالحين من المحيط إلى الخليج ان مشروع التسوية هو مصالحة حالمة بين ليلى والذئب شريطة ان تتنازل ليلى عن حصتها في هواء الغابة مقابل ان يقبل الذئب بمجاورة أرانب الغابة بينما دماء المصلين والأطفال والشباب من الرجال والنساء تراق على مدخل الحرم الإبراهيمي وتغسل بها طرقات مستوطنات العدو؟؟
والسؤال الذي يتجنبه المحللون الإخباريون ويروغ منه الساسة هو سؤال ساذج آخر من أسئلة الرعاع أو المواطنين الصالحين والذي يقول: من الذي فصّل لفلسطين هذا الثوب الأنثوي الأحمر القاني بقبعته الدامية وأكمامه التي تقطر دما قراحاً لشهداء لا هوية ذكورية أو أنثوية لهم غير هوية الارض التي استشهدوا من أجلها؟ ومن أعطى العدو الإسرائيلي ذلك الدور الذئبي الذكوري؟
هل يزعجنا مثل هذا السؤال، إنه حقا سؤال مزعج لانه يكشف استعدادا مريبا للاستمرار في تمثيل دور الضحية بتأنيث الهزيمة وتذكير النصر بناء على مرجعية وجدانية اعتادت العلاقة التراتبية الدونية في العلاقة بين المؤنث والمذكر.
وبرغم إزعاج مثل هذا السؤال بالذات فلقد وجدت أن باحثا قام برصد تحليلي لموقع كل من فلسطين ودولة العدو الإسرائيلي في أدبيات الصراع العربي الإسرائيلي من الشعر إلى الخطاب السياسي فوجد ان فلسطين/ القدس دائما تعطى في الأدبيات العربية دور المرأة الكليمة (الثكلى) (المغتصبة) المغلوبة على أمرها بينما يعطي انطباعا بذكورية العدو وفحولته العدوانية.
لقد برقت في عقلي تلك الإشارة البحثية وقصائد وخطابات سياسية لا تحصى لهذا النمط من رثاء الذات وتحويرها في كل لحظة كنت أتابع منها إدارة انتفاضة القدس بعد مذبحة المسجد الأقصى المبارك يوم الجمعة الماضي وردة الفعل العربي الإعلامي (ليس بالطبع أكثر) على كل من المذبحة والانتفاضة.
فعلى الرغم من أن المجزرة استجرحت الجراح الغائرة التي نفض الشعر والشارع العربي معا ايديهما من شلالات نزيفها كردة فعل صامتة على محاولة ختم تلك الجراح بالشمع الأحمر لمشاريع الاستسلام تحت شعارات السلام والمفاوضات وعلى الرغم من أن إعادة اشتعال انتفاضة الحجارة كرد شعبي عفوي على دموية المجزرة قد أعادت الروح لمرحلة السبعينات والثمانينات الميلادية يوم كان العربي والمسلم من المحيط إلى الخليج وخارجها يعادي الخنوع بشجاعة اللاءات وبمنطق أطفال الحجارة إلا أنه ليس هناك ما يبعث على الأمل بأن خيار الانتفاضة الشعبية على العدو من الخيارات التي يجب عدم استبعادها,, فكيف بها والعمل جار على إخمادها.
والمقلق ان تركيبة السلطة الفلسطينية ودرجة تورطها بالدعم العربي والضغط الأمريكي في مشروع التسوية لايبدو انه يسمح لها بأن تترك لأصحاب الأرض الحق في الخروج على دور الضحية والكف عن ارتداء رداء ليلى الأحمر.
والمؤلم أنه بينما تعمل حكومة العدو على جعل خيار حسم الصراع بالقوة خيارا استراتيجيا في قلب مفاوضتها المزعومة للسلام، فإن الطرف الآخر يحاول تحييد شعبه واجهاض انتفاضته فإلى متى يا أرباب الإبل؟!
وإن كان لبيت المقدس رب يحميه كما حمى البيت الحرام، فإن السؤال بقي: إلى متى المجازر والمذلات أرباب الإبل؟
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|
|
|
|
|