| الاقتصادية
تكاد تكون العلاقة التطويرية بين صانعي القرار في دول العالم النامي الفقير وبين التغير الاقتصادي الحاصل فيها، علاقة غاية في الصعوبة من تخطيط وتنفيذ, علاقة في الحقيقة معضلة مقفلة لا مخرج فيها في المنظور القريب, يقف حيالها صانعو القرارات ومستشاروهم حيارى نظرا لقدراتهم وامكاناتهم المحدودة الطول والحول, يحاولون امامها راجين آملين ايجاد حلول او انصاف حلول لتحقيق طموحات مستعجلة وغايات مستعصية المنال, عندها يقفون شبه مكتوفي الايدي ضعاف الحيلة محدودي التدابير, فيها يتساءلون بداية من (ماذا) ينبغي ان تفعل اداراتهم المسؤولة لحل تلك المعضلات العنيدة التي تحد دون احداث تغير تنموي شمولي, الى التساؤل (كيف) سوف تتخذ وتنفذ تلك القرارات الصعبة سواء في الاستثمارات الاقتصادية الطويلة او القصيرة المدى, الى التساؤل الى ما مدى ستكون الاجهزة متمكنة من تطبيق ما تم تخطيطه الى يز التنفيذ والوجود الى مراجعة تقيم ( بما هي) الموارد الطبيعية والبشرية المتاحة الممكن استغلالها والاستفادة منها في ترجمتها الى خير سكانها في الموقع.
فربع البشرية التي زاد تعدادها عن 6 مليارات نسمة لا يزال يعيش تحت عتبة الفقر, مضاف اليهم مليار ونصف مليار نسمة يعيشون على دخل نقدي يقل عن دولار واحد للفرد في اليوم (معظمهم في قارتي آسيا وافريقيا) وهناك مليار نسمة يعيشون في مدن الصفيح التي لا تتوفر فيها مياه الشرب الصالحة معرضين بذلك الى الاوبئة بينما مرشح اكثر من نصف مليار نسمة آخرين من بين التعداد اعلاه بالموت قبل بلوغ سن الاربعين.
ولا تقف الصعوبات التطويرية عند هذا الحال وكفى, بل تتعداه بمعضلات حضارية لا تقل عن سابقتيها, فهي تارة تعاني من الاوضاع الاجتماعية المفككة من عنصرية وعرقية قبلية لها خلفيات تاريخية متأصلة دفينة في النفوس, وتارة تعاني من تصدع البنى والهياكل والموارد غير المستقرة في كيانها, فالتنافر العرقي والتناحر القبلي لم ينته بعد, ولم تنته بعد تصفية الحسابات القديمة الى الوقت الحاضر رغم كل ما لحق بهم من اذى وتشتت ودمار (غرب افريقيا وشرقها), بها لم تتمكن اركان الادارة المسؤولة من القيام بالمهام المنوطة عليها في الاستثمار والتحول الى التغير الانمائي ونسيان المسائل الجانبية الهامشية التي قضت على كل قواها, او حتى الاخذ بأسباب التغير الايجابي الاقتصادي بالاضافة الى ان العديد منها تواجه تحديات القصور الفكري والعلمي في تخطي تلك الحواجز, فما كان عليها ان تتخطاها مسيرة بالاعتماد المكثف على الارتباطات التمويلية الخارجية والغرق في بحر من الديون والازمات الخانقة المتتالية, فكان البنك العالمي وصندوق النقد من مصادر الاسعافات الاولية التمويلية والتي تستعين بها في اطارها الاستراتيجي والمخطط له, ولوحظ ان الاهتمام كان منصبا في التوسع على المشروعات التعليمية التي كان يؤمل بقيامها قيام نهضة تنموية شاملة تتغير فيها حال البنية والتركيبة الى مرحلة عصرية متمدنة بعيدة عن احقاد الماضي وآلامه, وتلبية للمعايير الداخلية لمصادر التمويل الخارجية (وبأي شروط) فانها تتولى تنفيذها باختيارها التام بناء على اولويات مشاريعها الضرورية, فتحاول في النواحي الاقتصادية تخفيض التضخم في الاسعار الى مستويات مقبولة عند مستويات الفرد ذي الدخل المالي المتواضع كما انها تعمل على خفض اسعار الفائدة (40%) لزيادة الانفاق ولانتشال اقتصاديات المنطقة من الركود ويعتقد البنك ان انخفاض اسعار الفائدة قد يساعدها على تحسين القدرة الائتمانية وخفض تكلفة الديون, الا أنه قد يتخوف من عدم استمرار تدفق القروض الى الاقتصاديات الاكثر معاناة والتي تشهد تدهورا كبيرا عما سبق او تلك الدول التي لم تحرز اي تغيرات تنموية فيصبح من العسير عليها تلقي اي دعم عالمي مستقبلا.
ان شح الموارد هناك يتطلب وجود مؤسسات ومنتديات مالية عالمية قادرة على معالجة الازمات ووضع حد لها وعلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي اتخاذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار الاقتصادي وهذا لا يأتي الا بتعديل بعض قوانين ولوائح بنود القروض لهاتين المؤسستين وكدعوة لمناقشة هذه القضية الحيوية والعمل على تفادي مخاطر الازمات الاقتصادية في العالم فهناك دول بنياتها الاقتصادية هشة لدرجة انها تتأثر بأقل هزة مالية فيها تنعدم المنافسة والتجارة الحرة والتصدير, فلا يفترض ان تعامل في حال اقراضها بنفس المعاملة للدول اكثر تقدما ونموا, فتماثل المعاملة قد اثار انتباه دول العالم النامي فتطالب بضرورة تطوير المؤسسات المالية حتى تتمكن من معالجة اسباب التدهور والوصول الى طرق جديدة تحقق الاستقرار الاقتصادي فترى بعض الدول النامية المقترضة انه لابد من القيام بتعديلات جذرية تؤدي الى اصلاح النظام المالي الا ان التباين يكمن في الطرق السليمة وعمليات الاصلاح التي ينبغي انجازها, وقد قدمت الولايات المتحدة اقتراحات منها ان تضع بنود الاقتراض على اساس منظم من خلال الترويج لخط الائتمان الاضطراري التابع لصندوق النقد الدولي, فأي دولة تحتاج الى تمويل لمشاريعها التنموية يمكنها ان تتقدم بطلب المساعدة الفورية خاصة وقت الازمات, كما حددت ايضا عدة مهام تقوم بدراسة التدابير اللازمة الكفيلة بالنهوض بالمناطق المنكوبة المضطرة, فصدرت عنها عدة توصيات تدعو لتحقيق التعاون الدولي وتخفيف العوائق التي لا تزال موجودة في بعض التشريعات والانظمة لتلك الدول.
وقام صندوق النقد بتزويد الدول المقترضة والتي تنتهج برامج الاصلاح الاقتصادي بمعلومات واحصائيات حول كيفية تفعيل خططها التنموية فيها بعد ان يستعرض الرؤية الاستراتيجية لتحديات كل منها على حدة بعد ذلك يمكن ان تطرح الاهداف والغايات الواجب بلوغها بناء على توفر وتعبئة كل امكاناتها الاقتصادية وتضافر الجهود والطاقات والموارد مجتمعة, ان مهمة المؤسسات المالية حاليا هو انقاذ اقتصاديات الدول النامية في افريقيا وامريكا اللاتينية والحيلولة دون الوصول الى مزيد من التدهورات والازمات فليس هناك من شك في ان دور مؤسسات التمويل في معالجة قضايا الفقر يعتبر من اهم القضايا في الوقت الراهن ولذا يجب ان تكون على صلة مباشرة بقضايا هذه الدول والنهوض بها والا تنفصل عنها في برامجها التنموية, وان كان مثل هذا الامر يتطلب جهدا شاقا وموارد كبيرة, الا ان واقع الامور يشير الى انه ليس هناك بديل آخر يقلل من حدة حالات عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي, فالتعاون مطلوب لتحسين اوضاعهم ويتوقع منه ان يمتد لابعاد اكثر ترابطا وتنسيقا, وقد اوضحت الدراسات ان التجارة والعمل الاستثماري والانفتاح على الاسواق العالمية كلها ادوات افضل بكثير من تقديم المساعدات فإذا اتحد وتوافق استعداد الدول النامية لمساعدة نفسها مع الجهود الدولية الى تخفيف الديون فيساعد القضية الجوهرية في المحافظة على تواصل النمو الاقتصادي العالمي لخير البشرية.
|
|
|
|
|