| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة ,,.
لست أدري من أي وجع نبدأ؟ أمن ذلك الوجع الشمالي القديم المتجدد بغياب الجامعات السعودية بوصف ما سأعرضه مخرجاً من مخرجات ذلك الوجع المزمن؟ أم من غياب التطبيق لأحد أهم وأصدق تعريفات الإدارة:الإدارة خدمة وهو محور آخر لتلك المعاناة؟
أم أبدأ من إحساس مازال يتلبسني بأن ثمة غيابا للحس الاجتماعيالعملي لدى بعض واضعي التنظيمات وهم في إطار خدمة تهدف كما يتطلع ولاة الأمر لتنمية المجتمع؟
لكنني أدري أن المعاناة الخاصة ظل لمعاناة عامة فإذا ما انكفأ كل فرد على شعوره بفردية مشكلته رغم جماعيتها وانسحب، تفصمت القضايا الهامة لتصبح تسلية درامية لمجلس، ونفثة حارة لمهموم.
وتستمر المعاناة بأثوابها الفردية المتفرقة!! وهو ما أربأ بمجتمعي وقيادته الإدارية وبسلطته الرابعة أن تذعن له!!! لذلك أكتب تعقيباً وإضافة لما سبق أن عرض في هذه الصفحة حول هذا الموضوع ولأكثر من مرة.
عزيزتي الجزيرة,, تقدمت إحدى قريباتي من القريات وهي خريجة جامعة الملك سعود لتدرس الدبلوم العام في الجامعة ذاتها, علم وليُّها أن ذلك البرنامج لم يعد مجاناً ابتداءً من هذا العام، فدفع المقابل المادي المطلوب وقدره خمسة آلاف ريال, وبعث ابنته من القريات مع أخيها ذي الثمانية عشر ربيعاً ليبلغها مأمنها السكن الجامعي ويعود لمستقبله في 4/6/1421ه وهنا فوجئ بما لم يتوقعه ولا يستطيعهلاسكن لطالبات الدبلوم العام !!
هاتفني والدها محبطاً قلقاً على مستقبل ابنته وابنه لأن ذلك يعني انه لكي تستكمل الفتاة حلقتها الدراسية لابد أن يضحي أخوها بسنة كاملة من مستقبله ليكون محرماً متفرغاً, أو أن تضحي الفتاة بمستقبلها الوظيفي فتقطع دراستها وتعود من حيث أتت!!! وللإحباط والقلق وجوه أخرى,,,, إذ كيف يؤمن سكناً مناسباً؟ وكيف يواجه هذا اليافع القروي مسئوليةالمحرم في الرياض؟ وإلى أي مدى ستكون الأعباء المادية والنفسية؟!
حملت كل هذا النبض الأبوي الحار إلى عميد شؤون الطلبة بجامعة الملك سعود فبادرني بمعروفين لم يزالا باقيين في نفسي رغم كل شيء أولهما: الاستجابة الصادقة للمعاناة، وثانيهما: السرعة في تلك الاستجابة ووجه كتاباً بإسكانها على أن تأتي بما يثبت انتظامها في الدبلوم.
فاتصلت بوالدها مطمئناً ومباركاً ومستعرضاً قدراتي في الإقناع والإبداع رغم ان الأمر لم يتطلب فالرجل استجاب بحس ديني وإنساني رفيع.
واستكملت المطلوب لكن الجهة التنفيذية لم تنفذ وتحولت أيام الانتظار إلى أسبوع فاسبوعين فثلاثة كانت كافية لتشكل جبهة من المتعاطفين مع معاناتي ابتداءً من زملائي الدارسين في قسم اللغة الإنجليزية في معهد الإدارة العامة من أهل الرياض وصولاً إلى معارفهم المؤثرين,فتأبطت شفاعتهم ونصائحهم وعدت للعميد شاكراً له ما سلف ، ومبلغاً بما خلف ، وملخصه أن قراره لم ينفذ بعد! وخرجت مقتنعاً أن حماسته وحسه لم يقلا عنهما عندما جئته بلا جبهة.
وفي اليوم التالي ضحيت لأول مرة بمحاضرتين في المعهد لكي أقابل صاحب القرار والصلاحية معالي مدير جامعة الملك سعود، وقد كان! في البدء اكتفى بعرضي الشفوي ولم يشأ أن يقبل عرضي الكتابي قائلاًلا حل عندي لمشكلة الإسكان الآن , قدمت له بعض وجوه المعاناة وذكرته أنه صاحب قرار وأقدر الناس على إنهاء المشكلة, أعجبني في ذلك المسؤول فن الإصغاء فألزمني ذلك بأن أصغي له وهو يذكرني بأن الجامعة أمنت القاعة، والكرسي، وعضو هيئة التدريس فكيف أطلب أن توفر السكن؟ تذكرت الآلاف الخمسة وقلت: نحن لا نطلب سكناً مجانياً لكننا نريد أن تكون الجامعة محرماً مأموناً ولتفرض رسومها المناسبة كما فرضت من قبل, ولا بأس فمبدأ التمويل الذاتي للجامعة يعينها أكثر على أداء رسالتها.
فأجاب معاليه بأن المشكلة تحتاج لدراسة ومشاورات وتفضل بأخذ عرضي الكتابي ليمهره بعبارة عميد شئون الطلبة، ما رأيكم؟ لحظتئذ لا اعرف كيف حالت بيني وبين معاليه مقولة قديمة متشائمة:إذا أردت أن تميت قضية فشكل لها لجنة ، ربما لأنني كنت أتوقع من صاحب صلاحية أكاديمي، يستقبل أصحاب الحاجات أن يتعامل مع الواقع بفقه إنساني وإداري أسرع وأنجع!؟ وربما أنني شعرت ببعد واقع معاناتنا عن أولوياته الهامة بالتأكيد؟ وربما لأنني فهمت أخيراً لماذا استسلمت إحدى خريجات الكيمياء المتفوقات لمأساة الإسكان، فانسحبت بعد أن دفعت رسوم البرنامج نفسه!؟
وربما لأنني استحضرت معاناة آلاف الطلبة الشماليين بنين وبنات الذين أوقفت معاناة الإسكان في الجامعات السعودية طموحهم العلمي والوظيفي لعدم قدرة أسرهم المادية!؟ وكل ذلك ربما لقناعتي أن بعض واضعي التنظيمات لا يعرفون عن الشمال أكثر من انه شمال الرياض وأحياؤه ، ولم يتذكروا بعد أنه البقعة الوحيدة التي لم تزل محرومة من فرع لأي جامعة ! فأين يذهب أبناؤها!.
اعتذاري لمعالي مدير الجامعة، فلولا الأمل بحسه المسؤول لما سعيت لمقابلته!
وتقديري لجريدة الجزيرة، فلولا الخوف من أن يتزايد عدد ضحايا تلك المعاناة لما لجأت لها بصفتها الأثيرة كسلطة رابعة.
فلم تزل الفتاة وأخوها بين فندق وشقة مفروشة، وسيارة ليموزين , وحتى نعرف مارأيكم!؟ نقول للطالبة لولوة ووالدها وكل صاحب معاناة: أعانكم الله وهو خير مستعان.
سالم بن بشير الشراري الرياض
|
|
|
|
|