أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 10th October,2000العدد:10239الطبعةالاولـيالثلاثاء 13 ,رجب 1421

متابعة

على هامش ندوة (عقود الأداء في التشغيل والصيانة ودورها في المحافظة على المكتسبات الوطنية)
صيانة شبكة الطرق في المملكة بين عين وزارة المواصلات الفاحصة ومحفظة نقود وزارة المالية
منذ زمن بعيد وأنا أعاني من حالة عجيبة غريبة تشبه الجوع، أو الفقر، أو غلبة الدين، أو قهر الرجال، وهي ليست من ذلك جميعا في شيء، أعاذني الله وإياكم من كل ذلك جميعا، وهذه الحالة العجيبة تطورت حتى تدهور بي الحال إلى حالة أخرى أعجب وأغرب, هذه الحالة الجديدة هي نوبات مفاجأة من شهوة طاغية عارمة تنتابني بين حين وآخر لقراءة الأرقام، والتفكير فيما في الأرقام وما تحت الأرقام، وما فوق الأرقام، وما بين الأرقام، وما هو داخل إلى الأرقام، وما هو خارج من الأرقام.
وفي يوم الاحد الموافق 20 من جمادى الآخرة 1421ه وأنا أتصفح جريدة الجزيرة اطلعت على خبر منشور في صفحة الاقتصاد عنوانه (مع 29 مقاولا سعوديا، وزارة المواصلات توقع 60 عقداً لصيانة الطرق بحوالي 1,38 مليار ريال), وأنا أقرأ هذا الخبر، ثارت فجأة ثائرة شهوتي لقراءة الأرقام والدخول منها إليها، ومنها فيها، وفيما أنا مع هذه الأرقام في مطارحة حميمة، وإذا بي أمام مجموعة من الحقائق تتكشف فجأة أمامي، واحدة تصطحب أخرى، وأخرى تدفع أخرى، فما هي تلك الحقائق؟ وكيف كشفت عن نفسها عارية أمامي في عز نشوة قراءتي لتلك الأرقام؟
النسبة والتناسب بين صيانة
الطرق وكلفة إنشائها
يقول الخبر المنشور: وقع معالي وزير المواصلات الدكتور ناصر بن محمد السلوم بمقر الوزارة ظهر أمس 60 عقداً لصيانة شبكة الطرق في المملكة مع 29 مقاولا سعوديا بمبالغ تصل إلى 1381 مليون ريال لمدة ثلاث سنوات,,, وورد في بقية الخبر قول معالي وزير المواصلات: ان شبكة الطرق تجاوزت تكلفتها الاجمالية 130 مليار ريال , ومن باب التفكير في الارقام قسمت مبلغ الصيانة وهو 1,38 مليار على ثلاث سنوات فكان نصيب السنة الواحدة 0,46 مليار ريال، وبقسمة هذا الرقم على التكلفة الاجمالية لانشاء الطرق وهي 138 مليار فإن ناتج النسبة المئوية هو 0,33% ولأن ذاكرتي تجمع من الارقام مالا معنى له أحيانا فقد تذكرت ان المعدل العالمي في كثير من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة لصيانة الطرق بالنسبة إلى كلفتها الاجمالية هو من 2% إلى 3%، أي أننا أقل بكثير من المعدلات العالمية في الانفاق على صيانة شبكة الطرق لدينا حسبما تقوله هذه النسبة, والقانون الاول في صيانة الطرق يقول: ليكون أداء الطريق جيدا على مدى عمره الافتراضي يجب صرف ما نسبته 60% من التكلفة الاجمالية للطريق في اعمال الصيانة, أي أنه إذا كان العمر الافتراضي للطريق هو عشرون سنة فإنه يحتاج إلى 3% كمتوسط سنوي من قيمة التكلفة الاجمالية تنفق في اعمال الصيانة طوال حياة الطريق، وهو ناتج قسمة 60% على عشرين سنة.
والقانون الثاني في صيانة الطرق يقول: أي تأخير في عمليات صيانة اي طريق في السنوات الاولى من انشائه يترتب عليه مبالغ مضاعفة للصيانة في سنوات المشروع الاخيرة, أي أن المبالغ المطلوبة ليكون الطريق في حالة جيدة ستكون اكبر بكثير من 60% من التكلفة الاجمالية, إلا ان قيمة عقود الصيانة وهي 1,38 مليار ريال هي قيمة عقود ما يسمى بالصيانة العادية، وإذا أضيف إليها قيمة الصيانة الوقائية وهي عادة ما تكون بحدود 0,3 مليار ريال سنويا، فإن اجمالي ما يصرف في السنة على الصيانة هو 0,76 مليار، وبذلك تكون النسبة النهائية للصرف هي 0,55% من التكلفة الاجمالية للطرق وهي نسبة مازالت اقل بكثير من النسبة المطلوبة لضمان حياة الطرق، وهذه هي الحقيقة الاولى التي انكشفت أمامي, ولمعرفة ما تحتويه صيانة الطرق من أعمال، يجب أن نعرف ما هي الصيانة العادية وما هي الصيانة الوقائية في مفهوم وزارة المواصلات.
الصيانة العادية، الصيانة
الوقائية، وصيانة الأزمات
في مصطلحات الصيانة التي تتداول في لغة وزارة المواصلات هناك مصطلحان، الصيانة العادية والصيانة الوقائية فما هما هذان المصطلحان؟
تعريف الصيانة العادية كما ورد بالنص في كتاب الدراسة التوثيقية المواصلات والاتصالات في المملكة العربية السعودية خلال مائة عام هي: أعمال الصيانة العادية وتعني كل الأعمال البسيطة التي تمارسها وحدات الصيانة المنتشرة في البلاد والأغراض المتوخاة من هذا النوع من الصيانة، هي ضمان توفير قدر كاف من الخدمة الرفيعة المستوى التي تكفل السلامة والأمان لمستخدمي الطريق وما يمتلكون من وسائل نقل وسلع وممتلكات منقولة، وفي الوقت نفسه الحد من تفشي المزيد من العطب اللازم إصلاحه, ويكمن جوهر الصيانة العادية في الفحص الدوري المتواصل للطرق وما يرتبط بها من جسور وأنفاق وعبارات وأكتاف واشارات مرورية وغيرها مع الحرص على تنفيذ المهام التالية تبعا لبرامج محددة زمانا ومكانا أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك:
تنظيف سطح الطرق.
تعبئة التشققات واصلاح العيوب البسيطة الموجودة في سطح الطريق.
اصلاح الأكتاف والميول الجانبية للطريق.
تنظيف منشآت تصريف مياه الامطار والقيام بالاصلاحات البسيطة اللازمة للمنشآت الخرسانية.
فحص وصيانة واصلاح وسائل السلامة كالحواجز الواقية والسياجات.
اصلاح أو استبدال اشارات الطرق ودهان الطريق.
الاهتمام بنظافة وتشكيل حدود حرم الطريق .
وهذا التعريف حسبما ذكر اعلاه يوجب ان يكون مسمى هذه المرحلة من الصيانة باسم الصيانة الوقائية وليس الصيانة العادية كما يرد في لغة وزارة المواصلات، ودائما يقال الوقاية خير من العلاج.
اما الصيانة الوقائية فتعريفها في مفهوم وزارة المواصلات كما ورد في المصدر السابق: الصيانة الوقائية والتي تعمل على إطالة العمر الافتراضي للطريق, ويعد هذا المطلب من الاهداف الاستراتيجية لوزارة المواصلات التي تسعى دائما لتحقيقه خدمة لمستخدمي الطرق والمستفيدين منها,, وتتألف اعمال الصيانة الوقائية من النشاطات التالية:
تغطية سطح الطريق بطبقات جديدة.
استبدال الطبقات الاسفلتية سواء باعادة رصفها او بازالتها تماما، وإعادة انشائها تبعا لحالة الرصف.
اعادة انشاء بعض اجزاء الطريق التي انهارت طبقة القاعدة تحتها.
تركيب عبّارات اضافية للصرف، وتوفير الحماية للجسور الترابية ضد اخطار السيول.
اصلاح او تجديد الجسور والعبّارات الصندوقية لازالة التلفيات العادية او الاضرار الناتجة عن السيول .
والاسم الصحيح لهذا النوع من الصيانة هو الصيانة العلاجية وليس الصيانة الوقائية، ودائما الوقاية خير من العلاج.
وأرقام الصيانة العادية وتكاليفها تفضي الى ارقام الصيانة الوقائية وتكاليفها، وهاتان تفضيان إلى نوع ثالث، أسميه صيانة الازمات، كيف ذلك؟ الصيانة العادية مطلوبة وضرورية للتقليل من تكاليف الصيانة الوقائية، وإذا لم تتم الصيانة العادية بالشكل المطلوب، فإن المبالغ المطلوبة للصيانة الوقائية ستكون كبيرة، اما إذا كان هناك خلل او تقصير في هاتين المرحلتين فإن الطريق سينهار بشكل سريع وكبير ولن تجدي الصيانة الوقائية او العادية لمعالجة الوضع وستحتاج الوزارة الى اعمال اعادة انشاء كاملة للطريق وهو ما أسميه صيانة الأزمات، لأن الطريق يكون في حالة سيئة جدا ويعاني من ازمة حقيقية يعكسها عدد حوادث المرور وفداحة تلك الحوادث، وتذمر مستخدمي الطرق، وهذه هي الحقيقة الثانية التي انكشفت أمامي.
ومهما كان مسمى الصيانة، فإنه لا يمكن تقدير حجمها وتكاليفها دون الاستعانة بآلية محددة ومفهومة وواقعية لمعرفة نوع وحجم أعمال الصيانة التي تحتاج إليها شبكة الطرق بالمملكة، وهو ما جعل الوزارة تنفق مبالغ طائلة لانشاء ما يسمى نظام إدارة صيانة الطرق Highway Maintenance Management System فما هو نظام إدارة صيانة الطرق؟ وما هو دوره ووضعه الراهن؟!
نظام إدارة صيانة الطرق )HMMS(
يقول الخبر المنشور: ان وزارة المواصلات عمدت إلى تطوير نظام حديث ومتطور وهو نظام إدارة صيانة الطرق، وقد بلغت تكلفته حوالي 90 مليون ريال ويهدف إلى توفير أساليب حديثة ومتطورة لصيانة الشبكة .
ونظام إدارة صيانة الطرق يشتمل على عدد من الاجهزة الحديثة، ومجموعة من برامج حاسوبية تعمل كمنظومة واحدة ضمن عدد من البروتوكولات والاجراءات لتحديد نوع وحجم العيوب الموجودة بشبكة الطرق، ومن ثم تحديد نوع العلاج المناسب المطلوب، وأخيراً حساب تكلفة الصيانة المطلوبة لمعالجة تلك العيوب، وتوزيع هذه التكلفة على صيانة شبكة الطرق.
وأجهزة هذا النظام الأساسية هي:
* جهاز فحص سطح الطريق:
ويقوم هذا الجهاز بقياس العيوب الظاهرة على سطح الطريق مثل عيوب التشققات والاخاديد وخشونة سطح الطريق ووعورة السير على سطح الطرق, وهذا الجهاز هو عبارة عن مركبة مزودة ب13 وحدة قياس تعمل بواسطة اشعة الليزر، وهي مثبتة في مقدمة المركبة، بالاضافة إلى اجهزة اخرى مثل جهاز قياس المسافات وقياس الحركة الرأسية بالاضافة إلى حاسب آلي لتشغيل هذا الجهاز آليا وتخزين البيانات.
* جهاز قياس مقاومة الانزلاق:
يستخدم هذا الجهاز لقياس مقاومة الانزلاق على سطح الطريق، التي تعتبر أحد أهم خواص سطح الطريق لتوفير السلامة المرورية الكافية عند كبح فرامل المركبات المندفعة على سطح الطرق، والجدير بالذكر ان الحد الادنى لمقاومة الانزلاق في كثير من المعايير الدولية هو 40% من قوة اندفاع المركبات على سطح الطريق، وبالتالي فإنه في حال انخفاض قيمة مقاومة الانزلاق عن هذا الرقم فإن الكثير من حوادث السير يعود بالمقام الاول إلى فقدان مقاومة الانزلاق على سطح الطريق، فمثلا إذا كانت سرعة المركبة 80كم/ ساعة فإنها تحتاج للوقوف الى مسافة 55 متراً تقريبا، هذا في حالة ان مقاومة الانزلاق على سطح الطريق تزيد عن 40%، اما إذا كانت مقاومة الانزلاق تقل عن هذا الرقم فإن المركبة تحتاج الى مسافة اكبر بكثير من 55 مترا وهو ما يجعل سائق السيارة ضحية خلل فني في سطح الطريق بالاضافة إلى الخطا البشري من سائق المركبة وهو ما يجعل فداحة الحادث وخطورته أكبر مما هو متوقع, والجدير بالذكر ان بعض شوارع مدينة الرياض مثلا تقل بها مقاومة الانزلاق إلى حدود 20% أو أقل بدلا من 40% الذي هو الحد الأدنى المسموح به لضمان السلامة المرورية على سطح الطريق.
* جهاز قياس الانحراف باستخدام الوزن الساقط:
يستخدم هذا الجهاز لحساب القوة الانشائية لطبقات الرصف، ومن هذه القوة الانشائية يمكن حساب السنوات المتبقية من عمر الطريق، والجهاز يعمل عن طريق اسقاط وزن معلوم على سطح الطريق، وقياس كمية الاهتزاز الناجمة عن سقوط ذلك الوزن بواسطة حساسات خاصة مثبتة بالجهاز، ومن قيمة هذا الاهتزاز يتم حساب القوة الانشائية لطبقات الرصف.
هذه الاجهزة الثلاثة وما فيها من امكانيات تستخدم لمعرفة حالة شبكة الطرق والتي تبلغ 45 ألف كيلو متر بعد تقسيم هذه الشبكة الى قطاعات صغيرة، طول كل قطاع كيلو متر واحد، ومن ثم يتم تخزين بيانات هذه الاجهزة عن كل قطاع داخل قواعد بيانات حاسوبية ضمن جداول محددة، وبعد هذه المرحلة يتم تقييم كل قطاع على حدة وتحديد حالته ونوع المعالجة المطلوبة له ضمن العديد من الاجراءات والبروتوكولات الحاسوبية التي تم تصميمها بعناية ضمن معطيات خبرات العديد من الخبراء في مجال تقييم وصيانة الطرق، وبالاضافة إلى طبقات الرصف فإن نظام الصيانة يشمل فحص وتقييم المنشآت الخرسانية ومتعلقات الطريق الاخرى مثل عوامل السلامة وغيرها.
إذن نظام ادارة الصيانة هو اشبه ما يكون بالعين التي تقوم بفحص حالة الطريق، وواقع هذا النظام الحالي هو انه لم يتم تفعيله حقيقيا رغم بدء العمل به في وزارة المواصلات منذ أكثر من 12 سنة، ومازال هذا النظام يواجه الكثير من العقبات التي يجب حلها وعلى هذا فإنه يجب تفعيل هذا النظام لتقديم كلفة الصيانة الحقيقة بدقة لمقام وزارة المالية بدلا من الاجتهاد والتخمين والمساومة من كلا الوزارتين في الوصول إلى تكلفة الصيانة المطلوبة لشبكة الطرق لدينا, ولكن كما يقال عين الوزارة شبه بصيرة ويدها قصيرة، وهذه هي الحقيقة الثالثة التي كشفت لي عن نفسها.
فقه صيانة الطرق ومستوى حالة الطريق )Pavement Condition Rating, PCR(
مستوى حالة الطريق هو مقياس يتراوح ما بين صفر إلى مائة، والطريق الذي تم انشاؤه ضمن معايير دقيقة وجودة عالية جداً يكون مستوى الطريق له الرقم 100، ثم يبدأ هذا المستوى بالتناقص مع تقادم الطريق بسبب الاستخدام والحركة المرورية على ذلك الطريق, وفي فقه صيانة الطرق، فإن الصيانة العلاجية تكون ضرورية ومطلوبة عندما ينخفض مستوى حالة سطح الطريق إلى أقل من الرقم 60 وهذا المستوى الذي يوضح حالة سطح الطريق يمكن حسابه لاي طريق بعد اجراء الفحوصات التي تقوم بها اجهزة نظام الصيانة التي ذكرت لتحديد الخواص الفنية للطريق ومن ثم حساب مستوى حالة الطريق، وبالتالي فإننا بالرجوع إلى نظام الصيانة لدينا يمكننا معرفة هذا المستوى لحالة شبكة الطرق لدينا وتناقصه الزمني مع زيادة عمر الطريق، مما يمكننا من وضع استراتيجيات مالية وزمنية اكثر دقة لصيانة شبكة الطرق لدينا, وهذه هي الحقيقة الرابعة التي ظهرت امامي.
تاريخ إنشاء الطرق/ الفترة الذهبية لشبكة الطرق السريعة
أهم فترة يجب النظر إليها بعناية عند الحديث عن صيانة شبكة الطرق هي الفترة التي تم فيها انشاء الجزء الاهم من شبكة الطرق، وهي فترة الطرق السريعة العملاقة ذات المسارات المتعددة، وهذه الفترة امتدت خلال الخطة التنموية الثالثة من عام 1400ه إلى 1405ه وشملت الطرق التالية:
طريق جدة مكة المكرمة السريع.
طريق الرياض الخرج السريع.
طريق مكة المكرمة المدينة المنورة السريع.
طريق الدمام الرياض السريع,؟
طريق الدمام رأس تنورة الجبيل السريع.
طريق الدمام الظهران الدمام الخبر السريع.
طريق الدمام أبو حدرية السريع.
طريق الرياض القصيم السريع.
طريق مكة المكرمة عرفات السريع.
ويستطيع القارئ عند النظر إلى تاريخ انشاء هذه الشبكة من الطرق السريعة ان يلاحظ ان عمر هذه الطرق يتراوح ما بين 15 إلى 20 سنة، والعمر الافتراضي للطريق عند تصميمه هو عشرون سنة وبالتالي نحن الآن نسير على الطرق السريعة وهي تقترب من نهاية عمرها الافتراضي وتلفظ انفاسها الاخيرة، فكيف سيتم اعادة الحياة والحيوية لهذه الشبكة في الوقت المناسب، هذا هو السؤال المهم والخطير في آن واحد في قضية صيانة شبكة الطرق!! وهذه هي الحقيقة الرابعة التي كشفت عن نفسها عارية امامي.
المقاول السعودي وصيانة الطرق
ذكر معالي وزير المواصلات في تصريحه للصحافة السعودية اثناء توقيع العقود ان عدد المقاولين السعوديين قد ازداد الى 100 مقاول سعودي, وإذ تتمادى بي شهوة قراءة الارقام وتصل بي إلى ذروة النشوة، فقد قسمت طول شبكة الطرق وهو 45,000 كيلومتر على عدد المقاولين الذين تم التعاقد معهم وهو 29، فكان نصيب كل مقاول من شبكة الطرق حوالي 1552 كيلومترا كمتوسط حسابي، أي ان متوسط طول عقد الصيانة هو 750 كيلومترا (واقع توزيع 60 عقدا على مشاريع الوزارة يتم حسب اعتبارات جغرافية وفنية ومناطقية وتعاقدية)، ولو فرضنا ان الوزارة قسمت عقود الصياة إلى 100 عقد بعدد مقاولي الطرق لدينا فإن نصيب كل عقد من شبكة الطرق هو 450 كيلومترا، وبالتالي تكون جهود المقاول الصغير عند حصوله على عقد واحد مثلا مركزة على مسافة طولية اقل وهو ما يعطي فرصة لضبط الجودة والتركيز على اداء اعمال الصيانة بشكل كامل ودقيق.
والسؤال المهم في هذه القضية هو: هل يقوم مقاولو الصيانة لدينا الآن بأعمال الصيانة لشبكة الطرق ضمن برانج ضبط جودة تضمن ان تكون اعمال الصيانة متناسبة مع تكاليفها؟ وما هو المستوى الحالي لجودة تنفيذ اعمال الصيانة من قبل مقاولي الوزارة؟ وكيف يتم حساب مستوى جودة تنفيذ اعمال الصيانة حسب كل مقاول؟ وبناء المقاول السعودي له قصة مهمة، فقد وضع معالي الدكتور ناصر السلوم قلبه وفكره بين يديه وهو يتحدى الكثير من المعوقات ويراهن على نجاح المقاول السعودي وقدرته على ان يقوم بصيانة الطرق لدينا رغم تخوف الكثير من مسؤولي الوزارة في ذلك الوقت، وكان لمعاليه بعض ما أراد بعد ان قام هو شخصيا وفي كثير من الحالات بارشاد هؤلاء المقاولين وتوجيههم، ولو ان جميع المقاولين لدينا استمعوا لنصائح خبراء الوزارة واستفادوا من خبرة وامكانيات مهندسي الوزارة لصار لهم شأن اكبر في تنفيذ عقود الصيانة وجودة الصيانة لشبكة الطرق، ولكن طموح بعض المقاولين وضعف امكاناتهم الفنية والبشرية تقصر عن طموح وتطلعات الكثير من مسؤولي الوزارة وهذه هي الحقيقة الخامسة.
خصخصة الطرق/ النسبة والتناسب
يقول معالي الدكتور ناصر السلوم في حديثه الصحفي: ان طريق القصيم المدينة ينبع رابغ جدة السريع هو احد الطرق السريعة التي سيبدأ بتطبيق الرسوم عليها وهو مرتبط بطريق جدة الرياض السريع، والرياض القصيم السريع ويشكل حلقة دائرية وهذه الطرق ستطبق عليها الرسوم ولها طرق بديلة , وعلى ضوء ما تقول الارقام في فقرة النسبة والتناسب بين صيانة الطرق وكلفة انشائها، فإنه يجب على المعنيين بالخصخصة النظر بدقة إلى هذه النسبة والتناسب ودراستها دراسة تفصيلية على ضوء ما يقدمه نظام الصيانة من ارقام التكلفة الحقيقة المبنية على واقع حالة وأداء شبكة الطرق لدينا وما بها من عيوب وما تحتاج من اصلاحات ضرورية يحددها نظام الصيانة حسب جودة الطرق المطلوبة والمرغوبة في نظر مستخدم الطريق والذي يقوم بدفع هذه الرسوم عند استخدامه للطرق السريعة, والسؤال المهم هو: هل تم وضع استراتيجية وخطط خصخصة الطرق لدينا بناء على ارقام الصيانة الحالية، أو بناء على ما يجب ان تكون عليه الطرق وما تقول تقنيات نظام الصيانة، أو بناء على اجتهادات وتخمينات غير محظوظة؟؟! وهي الحقيقة السادسة.
مهندسو المواصلات ووهم نظرية السوبرمان
كان عدد المهندسين السعوديين عند بدء بناء شبكة الطرق بالمملكة العربية السعودية لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، ثم تزايد هذا الرقم مع زيادة اطوال شبكة الطرق، إلا ان هذا الرقم بقي ثابتا نسبة إلى تزايد حجم شبكة الطرق ولم يتغير منذ اكثر من عشر سنوات رغم الزيادة الهائلة في اطوال شبكة الطرق، فكيف استطاع مهندسو الوزارة القيام بأعمالهم وحجم الاعمال يزداد مع كل زيادة كيلومتر في طول شبكة الطرق, الواقع ان كثيرا من مهندسي الوزارة صدقوا نظرية السوبرمان، وانه رغم النقص في عددهم فإنه يمكنهم اداء العمل على اكمل وجه، وصاروا يبذلون قصارى جهدهم حتى ان العمل يمتد ببعضهم إلى ما بعد وقت الدوام الرسمي، وهو ما يؤثر على دورة حياة المهندس النفسية والاجتماعية اليومية، ويجعله في جميع الاحوال يلهث ويلهث ويلهث، ويقصر في كثير من المهام الاساسية المطلوبة، وبالتالي صار هو وشبكة الطرق ضحيتين تقود احداهما الاخرى للقصور والتقصير، ورغم النقص الواضح إلا ان كثيرا من المهندسين مازالوا يركضون في وهم نظرية المهندس السوبرمان, ولضرب مثل بسيط، فإن ادارة الطرق والنقل في المنطقة الشرقية تشرف على شبكة مترامية الاطراف بينما لا يوجد بها سوى اربعة مهندسين فقط، وليس حال اخواتها من إدارات الطرق الاخرى بأفضل من حالها, وطبيعة عمل مهندس المواصلات هي مكتبية وميدانية في آن واحد، مما يجعله مضطرا لزيارة العديد من مواقع العمل في شبكة الطرق وهو بين نارين حارقتين، نار أعباء العمل المكتبي المتزايد، ونار فترة الانتداب المحدودة بستين يوما فقط دون ان تدرك وزارة المواصلات حاجة بعض المهندسين للخروج الى مواقع العمل بواقع يزيد كثيرا عن ستين يوما, ويزيد الأمر سوءا ذلك التصنيف الوظيفي بحق المهندسين بشكل عام، فبدل ان يكون لهم كادرا خاصا يليق بمكانتهم العلمية ودورهم التنموي الهام فإنهم مازالوا يرزحون تحت نير نظام الخدمة المدنية، وهو الامر الذي يدفع بعض المهندسين تحت جملة الضغوط المذكورة إلى التقصير في متابعة الاشراف على تنفيذ اعمال الصيانة على اكمل وجه, وهذا المهندس السوبرمان يعاني من مشكلة نفسية اخرى حقيقة، وهي ان مبنى الوزارة قد شاخ وهرم ويعد هذا المبنى بحق نشازا في منظومة المباني الحكومية الحديثة الانيقة التي تتحدث عن تطور ذوقي وثقافي في الذهنية السعودية، ولم يعد يفي هذا المبنى القديم بمتطلبات التطور والتحديث التي يرغب بها الكثيرون، وحتى انه عند بروز فكرة لتبني تقنية حديثة، او تطوير لمختبرات الوزارة المركزية مثلا، او اي ابداع آخر فإن ذلك جميعا يصطدم بعد طول نقاش بمانع قوي وهو انه لا يوجد مكان كافٍ لاقامة هذه الفكرة او تلك الفكرة على ارض الواقع، مما يجعل الكثير من الافكار تعيش في دائرة حلم البعض ثم تموت وتفنى مثل سابقاتها, فكيف يمكن للمرء ان يتوقع ان يكون اداء مهندسي الوزارة متفوقا ومبدعا وهم يعانون من تلك المعوقات التي ذكرت؟ هذه هي الحقيقة السابعة التي ظهرت فجأة ممسكة بجملة حقائق اخرى عن مهندسي المواصلات.
صيانة الطرق والكائن الإداري المركزي
من يملك بصيرة ادارية نافذة يستطيع بكل يسر وسهولة عند اطلاعه على اجراءات ادارية ان يرى هذه الاجراءات مثل كائن حي، يتحرك ويتكلم ويأمر وينهي داخل المنشأة الادارية، وهناك كائنات ادارية مختلفة، منها الكائن الاداري البيروقراطي، والكائن الاداري الاجتماعي، والكائن الاداري التقني، الكائن الاداري المركزي إلى آخر قائمة الكائنات الادارية المرتبطة بنظريات الادارة الحديثة والقديمة, والكائن الاداري في وزارة المواصلات كائن عجيب وغريب، ففي فترة الطفرة الاقتصادية والتي شهدت بناء الطرق السريعة العملاقة، كان هذا الكائن عبارة عن مركزية إدارية، وكان لذلك الكائن الاداري المركزي دور مهم في سرعة تنفيذ مشاريع الطرق بالمملكة، وهو ما تطلبته تلك المرحلة، سرعة اتخاذ القرار وسرعة التنفيذ، وليس امثل لهذه الفترة من الكائن الاداري المركزي خصوصا إذا كان هذا الكائن محميا بشرط سرعة التنفيذ مع الكثير من التسامح وغض البصر عن ما ظهر, إلا انه مع زيادة حجم الاعمال المطلوبة من الوزارة في جانب صيانة الطرق جعل امر ضبط الجودة اثناء التنفيذ شرطا ضروريا للتقليل من اعباء الصيانة, وما حدث هو انه مع زيادة حجم شبكة الطرق لدينا، فإن هذا الكائن الاداري المركزي بدأ يتعثر وتتثاقل خطاه مع كل كيلومتر يزداد في شبكة الطرق حتى صار هذا الكائن عاجزا وسببا في الكثير من السلبيات والقرارات البطيئة والاجراءات المتأخرة، وتعاظم حتى صار شبحا مخيفا تطال يده الجميع، بما في ذلك معالي وزير المواصلات الدكتور ناصر السلوم، ولعلم القارئ فإن عنوان أطروحة شهادة الدكتوراه لمعالي وزير المواصلات الدكتور ناصر السلوم هو )Fatigue Characteristics of Asphalt Sand dunes Mixes( وترجمته: خواص الكلل للخلطات الاسفلتية الرملية, ويستطيع القرائ المختص عند قراءته لهذه الاطروحة ان يرى ان معاليه باحث علمي اصيل من طراز رفيع، واستخدم في دراسته تلك وسائل وطرق بحثية من نوع الفحوصات البحثية الراقية منذ اكثر من ثلاثين عاما وإلى يومنا هذا، وهي طرق اختبارات تتفوق كثيرا على الفحوصات الروتينية التي تجريها الآن الادارة العامة للمواد والبحوث بوزارة المواصلات, فكيف تحول معاليه من باحث عريق ومفكر مقتدر يمكنه خلق استراتيجيات مهمة لاعمال وزارة المواصلات الى مسؤول تطحنه متطلبات العمل الاداري, الجواب ببساطة: إنه ذلك الكائن الاداري المركزي المخيف، الذي يستهلك الوقت والجهد، وفي كثير من الاحيان يسطو على ارادة وتفرد اي مهندس مبدع يدور في فلكه، وكان من ضحاياه ايضا العديد من مهندسي الوزارة الذين اصبحوا مثل أدوات تعمل دون ان تجد وقتا للتفكير مما جعل الكثير من الكفاءات الهندسية القادرة المفكرة تترك الوزارة في السنوات القليلة الماضية إلى قطاعات اخرى فيما يشبه هجرة عقول جماعية, والجدير ذكره هو ان نظام الصيانة حين بدأ في تطبيقه قبل 12 سنة، كان يعمل به 18 مهندسا، وكل مهندس يعمل ضمن دور محدد بعناية ويتكامل هذا الدور مع ادوار بقية المهندسين في ذلك النظام، إلا انه خلال السنوات الماضية لم يبق في نظام الصيانة سوى 5 مهندسين او اقل، مما جعل نظام الصيانة في حالة شلل شبه كاملة، فكيف سيكون حال البقية الباقية من مهندسي المواصلات وقد هاجرت عنهم الكفاءات العلمية القادرة المقتدرة، ذات الخبرة العريقة, وهذه هي الحقيقة الثامنة.
وبعد : إن صيانة شبكة الطرق لدينا تعاني حقيقة من مشاكل عديدة، تعاني من عدم تفعيل نظام الصيانة تفعيلا فاعلا ومؤثراً، وتعاني من بطء حركة الكائن الاداري المزكزي، وتعاني من شح محفظة وزارة المالية، وتعاني من وهم نظرية السوبرمان في أذهان الكثير من مهندسي الوزارة, كل ذلك جميعا يدفع شبكة الطرق لدينا إلى الموت المحقق وهو موت سيكون مفاجئا على طريق السكتة الدماغية المفاجأة دون سابق إنذار، وإذا لم نقرأ أرقامنا قراءة جيدة ونصغي جديا لما تقول، فسيكون حال هذه الارقام معنا، كحال الشاعر الذي قال لقومه يوما:
أمرتهم امري بمنعرج اللوي
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
ونحن نريد ان يكون ضحى غدنا مشرقا عامراً بإذن الله, أنا أشعر الآن بارهاق شديد بعد نشوة قراءتي لارقام عقود صيانة شبكة الطرق في المملكة السعودية، وأرجو ان نكون قادرين على قراءة الارقام وفهمها دون ان يكون لدينا فقر في الارقام، او جوع للارقام، او غلبة دين الارقام، او قهر من الارقام.
وأخيراً، أدعو الله بقلب مشرع الابواب والحجرات ان يحفظ الله لنا القائمين على امر هذا البلد وعلى رأسهم تاج الوطن المتوج بأفضال كثيرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وذراعا هذا الوطن الكريم المطوقان بسوارين من خير وبركة سيدي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد ورئيس الحرس الوطني، وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والنائب الثاني، وأدعو الله عز وجل ان يحفظ لنا كنزا عظيما كله جواهر رجال عظماء يتقدمهم سيدي ووالدي صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية، وسيدي ووالدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض, اللهم آمين, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مهندس باحث بوزارة المواصلات.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved