| الفنيــة
المرشحون يعرفون كل شيء ومتميزون في كل شيء وهم خلاص الشعوب من همها ومشكلاتها هذا هو ملخص العبارات التي رددتها الجوقة والتي تمثل جماهير العرب بانهزامية تامة,, اعطت مؤشراً واضحاً على أن المواطن العربي لايملك من أمر الانتخابات والترشيحات سوى خيبة الأمل,, خيبة التصويت,, خيبة الوعود ,, وأكدت المسرحية التي ألفها عبدالعزيز الصقعبي واخرجها نايف خلف وقدمها مكتب الرئاسة العامة لرعاية الشباب بالرياض مساء الاربعاء والخميس الماضيين على مسرح نادي الشباب أن المواطن العربي ذات مطحونة وغير محترمة تلعب بمصالحها أيد خفية تصنع رموزها وتبرزها وتتعامل معها كدمى بلا روح.
المسرحية بدأت بلحظات ترقب وفترات خوف متقطعة وحيرة واحباط ويأس وتنافس جسدتها أنفاس الشعب اللاهثة وعيونهم الكئيبة والذين يجلسون أمام الجمهور من جهة اليمين واليسار فيما بدا اللاعبون الثلاثة ببدلات بيضاء أنيقة وبنطال أسود,, بدوا يتحدثون بأناقة عن مرشحيهم :وارث، واصل، وحيد فكل منهم يصفه ب أجمل الأوصاف وأفضل الأخلاق في وقت كانت الأيدي الخفية تجهض كل أمل يلوح عند الناخبين.
المخرج نايف خلف الذي أشبع لحظات الترقب تلك بآلاف المعاني التي اعتادتها لعبة الانتخابات كان في غاية التميز عندما اشتغلها بالمؤثرات الموسيقية العنيفة التي توحي بحدث مرتقب خطير وبالصورة الحركية الوجلة والمشاعر التائهة غير المطمئنة واستمر هذا المنظر البصري (15) دقيقة تقريباً اشاع في المكان جواً مكهرباً ومشاعر متوترة مشيراً بذلك إلى الأجواء الانتخابية التي تقلق الشارع العربي بلانتيجة صاغها نايف بوعاء فني متقن ناسجاً من مفردات العمل المسرحي قطعة حركية موحية.
أعقب تلك الأجواء العنيفة لغة متوترة هي الاخرى مشحونة بالاحباط والنغمات الكاذبة استمرت بنفس الإيقاع حتى نهاية المسرحية جسدتها شخصيات رمزية تتصارع لاهثة فيما بينها من أجل المنصب الأعلى والوظيفة الأكبر والسيادة الأشمل.
لقد سجل المخرج في طرحه الجديد نقلة نوعية في عالم الإخراج يعيها نايف خلف بدقة متناهية عندما كسر شيئاً من تقليدية مسرحنا المحلي وذلك حينما أنزل الفعل من خشبة المسرح إلى الفضاء الخارج أمام الجمهور فالتحمت القضية بالجمهور وكأنها جزء منهم، بل هي كذلك,,
حيث دخل المخرج في تجارب المسارح العالمية التي تضع الفكرة المسرحية في كل جزئية من أجزاء المسرح (الفضاء الخارج)السينوقرافيا.
لقد كان لهذا التكسير بصياغته الجديدة المتميزة تأثير فني إيجابي عند المهتمين بالمسرح حيث عدّ الجميع ذلك تقدما كبيرا في لغة الإخراج المحلي اتقنها المخرج بحرفية واعية وابدع في تنفيذها الممثلون ومهندسو الصوت والإضاءة.
لقد أقام المخرج رؤيته المسرحية على نص فكري يناقش هموم الذات العربية التي هدّها صراع الانتخابات وصراخ الناخبين وبدت بين الأمواج المتلاطمة يائسة وهشة ومحبطة, وقد نقل المؤلف الصقعبي أثر تلك الصراعات العقيمة على الشعوب العربية اللاهثة بعين الناقد وطرحها بأسلوب عقلي وشخصيات رمزية وفعل تعبيري.
في حين صاغ نايف لعبة الانتخابات بإيقاع نفسي متوتر من خلال التكوينات المسرحية المتوافقة التي يخرج منها هماً مشحوناً وعاطفة متكسرة ولغة مراوغة لاينتج منها في الواقع إلا مزيداً من الاسى في حين نتج من التكوين المسرحي والتشكيلات الجمالية لغة إخراجية جميلة وفناً راقياً اشعر كل الحاضرين أنهم امام مسرحية تحترم عقولهم ولاتعبث بمشاعرهم.
المسرحية تأليفا وإخراجاً وسينوقرافيا عززت الهزائم العربية وأكدت تقويض الإرادات ووصفت الحالة المتردية للشعوب العربية وهذا قد يزيد الحمل أحمالاً ويضيق فوهة الطموح.
فالعرض الجميل الذي صفق له الجميع يضمر حالات نفسية مشتتة لواقع الانتخابات تجعل العربي هو الآخر يعيش بنفس الشعور المحبط وكأنه أمر حتمي لافرار منه,, في وقت يحتاج العربي إلى نضج في الطرائق الايجابية التي تطرح الفكرة تأليفاً وإخراجاً بلا تأكيد الجوانب السلبية اوتعزيزها ولكن تصفها وتحللها وتناقشها وتظهر نتائجها وتجعل فيها مساحة من الانفراج.
رجاء العتيبي
|
|
|
|
|