لكلِّ فؤادٍ من مُحبِّيه شاغلُ
فكيف تَسُرُّ الهجرَ بي وتُماطلُ؟
وكيف تلاشى عندك الصبرُ وانتهى
وواجهني منكَ الفتى المتطاوِلُ؟
عَهِدتُكَ تمشي واثقَ الخَطوِ رافعاً
بعزمكَ ما لا يَرفع المتخاذلُ
فكيف يراك الحزمُ من دون بابه
وكيف يُذيب الصَّمتُ ما أنتَ قائلُ؟
ألستَ ترى في ساحة القدس ظالماً
ينافح عن إرهابه ويُجادلُ؟
أخا الِملَّةِ الغَرَّاء، عصرك يشتكي
جفافاً وفي كفَّيك تجري الجداولُ
تشرَّبت الدنيا بسُمٍّ وعَلقمٍ
سقاها به في الليل وَغدٌ مُخَاتِلُ
ودوَّرَ هذا العصرُ رأسَ يقينها
فطافت بها بعد النَّقاء المهازلُ
وفي عصرنا للسالكينَ معالمٌ
وفيه مَفازاتُ الرَّدَى والمَجَاهِلُ
وكم عالمٍ جازَ الفضاءَ بعلمه
ولكنَّه في منطق الدين جاهلُ
يصدِّقني فيما أقول تَهافُتٌ
لأخلاق عصرٍ، ضلَّلته الوسائلُ
يقولون: هذا العصرُ عَصرُ حضارةٍ
فما بالُه تطغى عليه الرَّذائلُ
أخا الملّةِ الغرَّاء، عينُكَ لم تزل
ترى ما ترى عيني، فما أنت فاعلُ؟
إذا ما رأيتَ النَّخلَ فينا بَواسقاً
فلا تنسَ أنَّ الأصل منها الفَسائلُ
لكَ الرَّوضةُ الغَنَّاء، والمنبعُ الذي
تَجِفُّ ولا يشكو الجفافَ المناهلُ
لك المجد، والتاريخ أكبر شاهدٍ
بأنَّ حصان المجد حولك صاهلُ
لك الحقُّ، والوحيُ المبين اساسُه
وفي سنَّةِ الهادي عليه دَلائلُ
لديكَ البراهين التي تهتدي بها
عقولٌ، تغشَّاها ضلالٌ وباطلُ
فكيف ترى منك الفضائلُ ما ترى
من الَّلهو، حتى أنكرتكَ الفضائلُ؟!
إذا عرَّض الإنسانُ للذلِّ نفسَه
فلا عَجَبٌ إن هزَّ عِطفَيه خاملُ!!
وما كلُّ سَعيٍ يُبلغُ المرءَ غايةً
فيا رُبَّ ساعٍ أوقفته النَّوازلُ
وهل تستوي الأرضُ اليَبابُ تنكَّبَت
خُطى الغَيمِ عن أَجوائها، والخمائلُ؟!
أقول لمن شَدّوا رِحالَ أحبَّتي
بقلبي مضت، لا بالحبيبِ، الرَّواحلُ
مقيمٌ بقلبي أيُّها الراحلُ الذي
أحبُّ وإن مدَّت خطاها القوافلُ
مقيمٌ، وإن ارضى بكَ البُعدُ نفسَه
وإن حقَّقَت معنى الفراقِ الحوائلُ
مقيمٌ وإن كنتَ البعيدَ مكانُه
لأنك في عيني وفي القلب نازلُ
أحبكَ حُبَّاً يشهد الحبُّ أنَّه
هو الحُبُّ لا تقضي عليه الغوائلُ
أَزفُّ معاناتي إليكَ لأنَّها
لديكَ، وإن جارت علينا الشواغلُ
سلِ الرَّملَ عني والرياضَ ونخلَها
وزَهرَ الخُزامى حين تَهمي الهَواملُ
سلِ الشمس لما يكشف الفجرُ ثغرَها
ولما تُغطُّي وجنتيها الأصائلُ
ستعلم أني حيثما كنتُ لم أزل
اقاسم مَن أهوى الهوى، وأُبادِلُ
وما الشوق إلاَّ البحر، لكنَّ موجَه
دَمٌ، دَفَقُه في ُلجَّةِ القلب هائلُ
نواصل مَن نهوى بما نستطيعه
كذلك مَن ذاق الحنينَ يُواصلُ
وما شغلتني عنكَ إلاَّ حوادثٌ
جسامٌ ومقتولٌ تخطَّاه قاتلُ
تَلوحُ ليَ الشيشانُ إعصارَ حَسُرةٍ
يطاردني والأرضُ حولي مَجاهلُ
يُهتَّك فيها عِرضُ كلِّ كريمةٍ
وتُجهَضُ تحت القاذفاتِ الحواملُ
وتفتح لي كشميرُ صفحةَ قلبها
وفي قلبها المكسور تغلي المرَاجلُ
على أرضها تجري دماءٌ بريئةٌ
ومن قسوة الهندوس فيها زَلازلُ
لماذا؟ سؤالٌ لا جوابَ لمثله
سوى الهَدمِ دلَّتنا عليه المعاولُ
وفي القدسِ بيتٌ للأسى، عند بابهِ
تلاقت يَتامى أمتي والأَراملُ
عباءتُها بيعت على حين غِرَّةٍ
وأثوابُها في السوق، والجسمُ ناحلُ
لها مقلتا ثَكلَى يحدِّث دمعُها
حديثاً صريحاً صُمَّ عنه المُماطلُ
وفي شفتيها صرخةٌ جمَّد الأسى
صَداها، ولم يُسرع إليها المُناضلُ
هي القدسُ، باتت في ذهولٍ وحَيرةٍ
وكيف يذوق الأمنَ مَن هو ذَاهلُ
تسائلُنا، أين الوعود التي سرى
إليَّ بها مبعوثكم والمحافلُ؟!
تحيَّرتُ فيكم، لم أَعُد أعرف الذي
ينافح عني صادقاً أو يخاتلُ
ومَن يحمل الحبَّ النقيَّ ومَن يرى
برأيي، ومَن يَبغي الهوى ويغازلُ
وكيف نرى نصراً على الغاصب الذي
يُشارِ بنا في دارنا ويُؤاكلُ؟؟
يُدنِّس بالمستوطنات ترابَنا
وتُرسَم في القدس الشريف الهياكلُ
يغيِّر أسماء البلاد ورَسمَها
ويشتَطُّ في اقواله ويعاضلُ
يُداسُ حمى الأقصى وفي رَحَباته
بكى أهلُ مقتولٍ وعربد قاتلُ
شبابٌ وَأَطفالٌ تُراقُ دماؤهم
وقد أُخلِيَت ممَّن تُحبُّ المنازلُ
وكيف تعيش الأمنَ دارٌ، ورَبُّها
يغادرُها بالعَسفِ، واللّصُّ داخلُ؟
أسائلكم عني وعنكم وما درى
سؤالي بأنَّ العيبَ فيمن أُسائلُ
إذا عاث في الأرض الفسادُ وأهلُه
فلا عَجَبٌ إنُ زًعزَعَتها القلاقلُ
تميلون عني؟ فانظروا أين مَيلكم
فكلُّ له مَيلٌ إلى مَن يشَاكلُ
ألستم ترونَ السَّحلَ والقتلَ لم يزل
دليلاً على أنَّ اليهودَ الأَراذلُ
سَلامُهم الإرهابُ، صاغت بنودَه
على ساحة الأقصى الشريفِ القنابلُ
أحبَّاءَنا لا تمنحوا الأمرَ غفلةً
فما نال إلاَّ خيبةَ الظنِّ غافلُ