| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
قال تعالى (كل نفس ذائقة الموت) كان مصابا جللا ورزءا عظيما ان رصدت اعين القدر رب تلك الاسرة الوادعة لتنفّذ أيدي المنون ما خطه الباري عز وجل في اللوح المحفوظ,, فتخطف هذا الفضل المتمثل في مرب فاضل ومعلم قدير اسلم الروح فجأة والكل من حوله تخنقهم العبرات وتسبقهم العبارات داعية له بالرحمة والمغفرة مرددة قوله تعالى: (قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون) انه قضاء الله وقدره يفعل ما يشاء ويقضي بما يريد وليس للنفس المؤمنة سوى التسليم بقضاء الله,.
وما المال والاهلون الا ودائع ولابد يوما ان ترد الودائع |
في الاسبوع المنصرم رحل رجل من رجال التربية والتعليم تجمعني به علاقة حميمة قديمة منذ كنا اطفالا نلهو ونلعب ونتصيد في قريتنا حفر الباطن عندما كان يجمع اهلها مسجد واحد ومدرسة واحدة وسوق واحد وشاءت قدرة الله ان نتعلم في فصل واحد ونتخرج ونمارس مهنة من اشرف المهن الا وهي مهنة التدريس بعد ان تخصص في علم اللغة العربية وتدور السنون وننتقل من المدارس الى ادارة التعليم مع افتتاحها ليزاول الاشراف التربوي فكنت التقي به يوميا على مدى عشرين عاما كان حريصا كل الحرص على الدوام فلم يتأخر طيلة عمله عن بداية الدوام وهو الساعة السابعة والنصف بالدقيقة ولا يغادر مكتبه قبل الثانية والنصف ويعلم الله ذلك ومن الطرائف في هذا الصدد ومع بداية احد الاعوام كنت اقف في ساحة الادارة قبل بداية الدوام وقد بدأ الموظفون بالصعود الى مكاتبهم فجاءني معلم جديد يسأل عن رئيس الاشراف التربوي؟ قائلا لقد ذهبت الى مكتبه فوجدت بابه موصدا قلت له كم الساعة فأجاب انها السابعة وعشرون دقيقة قلت له تأكد بانه سيكون متواجدا عند بداية الدوام الساعة السابعة وثلاثون دقيقة لازيادة ولا نقصان وأخذت اتجاذب اطراف الحديث مع المعلم الجديد فاذا هو مقبل ودنا منا وسلم علينا فقلت سلامات اليوم متأخر؟ فطلب مني ان انظر الى ساعتي فنظرت وقلت له الساعة السابعة والنصف الا خمس دقائق فقال لا يحق لك معاتبتي الا عندما تكون الساعة السابعة وواحد وثلاثون دقيقة فقلت صدقت.
فكنت استأنس بحديثه وأتبارى معه بالمساجلة عند خروجنا في الرحلات الخلوية كان لا يقبل مني خطأً نحويا فيقوم بتعديله على الفور عند مناقشة في موضوع ما وعندما أخطىء يطلب مني اعراب الكلمة او الجملة واعرف انه على صواب فأمازحه بأن تلك الكلمة زائدة وان ليس لها محل من الاعراب ويبتسم.
كان رحمه الله حريصا كل الحرص على اداء الصلاة في وقتها في حله وترحاله وكان يختم القرآن في كل شهر اما في رمضان فله شأن آخر.
وكنت اعرض عليه ابياتاً من الشعر فيقول رأيه بصراحة.
اما في افعال الخير فهو كتوم الى ابعد الحدود لا يود ان يطّلع عليه احد حتى من اقاربه لا تثريب على كل من عرف هذا الفقيد عن قرب سواء كان من اسرته ام من اقاربه ومعارفه وأصدقائه ان يحزن ويلتاع لمغادرته الدنيا على حين غرة والذي يزيد المرء أسى وحزنا انه رحل مخلفا وراءه من هم بحاجة ماسة اليه من ابنائه وبناته فهو المعين بعد الله لهم فهو المعلم والمرشد والمربي والحاني والناصح الامين لكن:
فبعض المنايا تنزل الشهد في الثرى ويحططن في الترب الجبال الرواسيا |
كان رحمه الله معينا على الخير دالا على التقى ساعيا الى بذل العون الى كل من هم بحاجة اليه حتى صدق فيه القول:
فكان اذا الحاجات عز قضاؤها تراه لحاجات المؤمل قاضيا وكان الجريء في كل موقف تلفت فيه الحق لم يلق حاميا |
ومن ميزاته رحمه الله انه لا يقتضي لنفسه عندما يخطىء عليه احد فكان يترفع عن الصغائر وسمت به نفسه الى المعالي لانه كان يحمل بين جنبيه نفسا ابية اورثته تلك المزايا,.
لقد عاف المشارب من دنايا وصان عن القذى ماء المحيا |
جاءني ذات يوم ليخبرني عن قرار اتخذه وهو الانتقال مع اسرته الى الرياض وانه شرع في بناء منزل في مدينة الرياض فلم اصدق لاني اعرف حبه لحفر الباطن وقلت له بعد مدة ملاطفا بأن الرياض لا تصلح لك فقال ولماذا يا أخي فشرحت له الاسباب ومنها انه لا يحسن القيادة وان بصره ضعيف فأجاب مبتسما (لا يا زرقا اليمامة), والحديث عن ذكرياتي مع صديقي وزميلي وحبيبي يطول واكرر الدعاء بأن يرحم الله سعد بن عبدالرحمن الزامل الدريس ويلهم ولديه ادريس وعبدالرحمن وشقيقاتهما ووالدتهم واعمامهم المربي الفاضل الاستاذ سعود بن عبدالرحمن الزامل الدريس مدير التعليم بمحافظة حفر الباطن وشقيقه الدكتور ابراهيم وكيل وزارة المعارف المساعد وشقيقيه مساعد وعبدالله وان يلهمهم الصبر والسلوان.
عبدالله محمد العطني حفر الباطن
|
|
|
|
|