أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 5th October,2000العدد:10234الطبعةالاولـيالخميس 8 ,رجب 1421

الاقتصادية

في الاقتصاد
أزمة الرأسمالية
د, سامي الغمري
رغم انتصار الرأسمالية على الشيوعية على الساحة العالمية وبكل المقاييس إلا انه يعتقد بأنها تواجه اليوم تحديات متنوعة تختلف اختلافا كبيرا عن ما عرفته في صراعها مع الكتلة الاشتراكية منذ أربعينيات القرن الماضي.
ففي تلك الفترة قامت الرأسمالية ووطدت أركانها على أساس مقاومة الشيوعية محاولة القضاء عليها بكل الأساليب خوفا من تفشيها في نصف الكرة الشمالي, فشهد العالم آنذاك أزمات موقعية وسباقات في مجالات علمية وتقنية, أما الآن فقد تغيرت هذه الحقيقة تماما إلى النقيض, فلم يعد للرأسمالية حجج تستخدمها للتأييد العالمي أو للاستهلاك العام الغربي لتبرير صرف نفقاتها وميزانيتها المالية الضخمة لمشاريعها ذات العلاقة بمحاربة الشيوعية, فلم يعد هناك أي تهديد وارد من خصمها وبالتالي لا مبرر لصرف الميزانيات اللازمة لتحيد تهديداته, إلا أن غياب عنصر التهديد للرأسمالية أدى إلى أزمة للرأسمالية جديدة.
فانخفاض الانفاق العام خاصة على مراكز البحوث والاختراعات يتوقع منه أن تتراخى قوى الإبداع والتحديث والتجديد في العالم الغربي, كما أن انخفاض الانفاق العام على البنية الأساسية والمرافق يؤدي إلى تراجع الخدمات وتنميتها مع زيادة السكان, وفي حالة ظهور هذه العوارض السلبية سواء في هبوط المستوى التقني أو العلمي فإنه يعتقد ان الرأسمالية سوف تمر بأزمة تشابه إلى حد كبير حال أزمتها في النصف الأول من القرن الماضي, ففي النصف الأول من القرن الماضي كانت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا أكبر قوى عظمى رأسمالية, بيد أن صراعاتها الحارة في حروبها العالمية الأولى والثانية أدى إلى دمارها كلية تاركة الرأسمالية بدون منظم يحل الفراغ الذي أحدثوه آنذاك, فمرت الرأسمالية بكساد الثلاثينات انهارت على أثرها أسعار البورصات والعملات وارتفعت مقابلها معدلات البطالة والتضخم, فكانت الفرصة مواتية لقيام اقتصاديات وعقائد جديدة مثل الاشتراكية والشيوعية والفاشية والنازية لتحل محل فراغ الرأسمالية.
إن أهم مؤشرات أزمة الرأسمالية الحالية تتركز في عدة محاور:
أولا المؤشرات الاقتصادية تكاد تكون ظاهرة في ازدياد درجة عدم المساواة واتساع فجوة التفاوت والتباعد في توزيع الدخل المالي الفردي في المجتمعات الرأسمالية المعاصرة بل انها معلم من معالمها, فعلى سبيل المثال نجد ان هذا التباين يزداد وضوحا بين رؤساء مجالس إدارات الشركات وبين الموظف العادي, مما نتج عنه تركز الأموال بيد فئة محدودة من أفراد مجتمعاتها (بيل جيتس يمتلك 50 مليار دولار وبسن لا يتجاوزن الأربعين ربيعا) بينما يعاني أغلبية أفرادها من دخول مالية متواضعة بالكاد تسد حاجاتهم الأساسية, وان كان يتقاضى الفرد من النقود أكثر مما كان يحصل عليه في السابق لكن القيمة الحقيقية لهذه النقود انخفضت إذا ما قورنت وقيست بكمية السلع والمنتجات التي يستطيع الفرد شراءها, فهو يشتري الآن سلعا أقل وبأسعار أعلى مما مضى دون نظر في شكواه, ثانيا ان تفكك الاتحاد السوفيتي السابق نتج عنه ظهور جمهوريات مستقلة منتجة للخامات الاولية وللمواد الشبه صناعية واصبحت جمهورياته المستقلة مراكز إنتاجية جديدة تنافس مثيلاتها الدول الصناعية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة, ومما زاد الضغوط على الرأسمالية الحالية التقدم العلمي السريع لمراكز الأبحاث التقنية المطورة من اتصالات وسواها فأتاح للشركات الغربية أن تحقق هامشاً ربحياً كبيراً منتقلة إلى مواقع بعيدة عن مواطنها مساعدة بذلك على قيام مناطق صناعية رخيصة الإنتاج في الدول النامية.
فالشركات الغربية نقلت وأعطت أسرار تصنيع المنتجات المتقدمة (عن طريق التحليل المنتج النهائي العكسي) لدول مثل كوريا واندونيسيا وتايلند من ناحية, ومؤدية إلى تقليص دخل الولايات المتحدة من 60% في الستينات من دخل العالم التجاري إلى 23% في الوقت الحاضر, واتبعه انخفاض المساعدات وبرامج التنمية التي تمنحها وتمولها لدول العالم من 10% في الخمسينات إلى 0,03% في عام 96م, أما من ناحية أخرى فإن تطوير التقنية وتوطينها صار أمرا سهلا يشابه نقل الأموال, ولم يكن من الضرورة تصنيع السلع في البلاد الرأسمالية ذات السبق والاختراع التقني والتي طورتها أصلا, فهناك العديد من المنتجات كانت أساسا اختراعات غربية إلا أنه يتم تصنيعها حالياً في منطقة جنوب شرقي آسيا وبأقل تكلفة.
كما أنه أصبح ليس حتميا ان تزدهر الصناعات داخل بلد ما بسبب تفوقه بالميزة التنافسية من توفر الموارد الطبيعية الداعي لقيامها, فقد تغيرت هذه الحقيقة فيمكن الآن الاستفادة من الموارد الطبيعية والبشرية في أي موقع استثماري وبسعر منخفض, مما دفع بعض دول العالم النامي من تصنيع أكثر المنتجات تطورا بسعر تنافسي وجودة عالية على الرغم من كونها لا تتوفر لديها أسباب الموارد المالية والتقنية, فشركة مثل تكساس انسترومنتس تصنع معظم مكونات الحسابات في الهند بينما تمتلك شركة موتورولا مراكز التصميم والتصنيع في الهند والصين, حتى ان الاقتصاد العالمي حاليا يشهد تحركات كثيرة لرؤوس الأموال والتكنولوجيا حيثما تتوافر فرص الاستثمار السهلة وحيثما تكون فيه الضرائب أقل, فقد استثمر الألمان عام 1994م ما مقداره 1,5 مليار مارك داخل بلادهم بينما بلغت الاستثمارات الخارجية الألمانية حول العالم أكثر من 26 مليار مارك, وبناء على ذلك فإن خروج رؤوس الأموال والتقنية من مواطن الرأسمالية الغربية إلى مواقع بعيدة سيؤدي حتما إلى تقليل حصيلة دولهم من الضرائب التي كانت تستحصل من شركاتهم, فتقل من جراء ذلك امكاناتهم على إنشاء البنية الأساسية والخدمات والمرافق الضرورية فيها مؤدية بدورها لمراحل متتالية من تراجع قدراتهم ومشاركتهم في المسرح العالمي, ثالثا فهويتمثل في التكتلات الاقتصادية الاقليمية سواء في أوروبا وأمريكا فدول السوق الأوروبية المشتركة تمنح فرنسا امتيازات لا تحصل عليها الولايات المتحدة الأمريكية, وعلى نقيض الحال في أمريكا فالمكسيك بصفتها عضوا في اتفاقية تحرير التجارة في أمريكا الشمالية (نافتا) تحصل على امتيازات تجارية في أسواق الولايات المتحدة وكندا لا تحصل عليها أي دولة أخرى في العالم, والذي يهم في هذا الجزء ما اتخذته الولايات المتحدة بصدد ميزان المدفوعات فيها, فقامت بخطوات لإنهاء العجز الأمريكي (150 مليار دولار) وذلك بتخفيض ان لم يكن بإيقاف الاستيراد من الدول النامية المصدرة.
وهذا بدوره سوف يختفي بموجب فائض الميزان للدول المصدرة مثل الصين وهونج كونج وكوريا, ولن تجد منتجاتها من يشتريها عوضا عن الولايات المتحدة ، وهذا ما تم بالفعل قبل ثلاث سنوات حينما ظهرت الأزمة الآسيوية, وتبدو أن بعض الحلول السريعة لتجنب أزمة أخرى للرأسمالية يتركز في التحول من الاستثمارات قصيرة الأجل إلى الاستثمارات طويلة الأجل, فعدم اقتصارها على استثماراتها قصيرة الأجل المنصبة على تشجيع الاستهلاك وشراء المنتجات قد يساعد على ظهور آمال وانفراجات في الآفاق.
فالمعروف ان الرأسمالية ترغب وتشجع الأفراد على صرف مدخولهم المالي بهدف تنشيط الدورة الاقتصادية في الموقع, فكلما زادت مبيعات المصانع كلما أدى إلى زيادة منتجاتها محققة أرباحاً تتمكن خلالها من صرف أجور العمال وتطوير منتجاتها, أما التحول إلى الاستثمارات الطويلة الأجل فيكون التركيز على البنية الأساسية وتنمية المهارات والمعرفة الفردية وهي استثمارات لها متطلباتها المختلفة على الاستثمارات القصيرة الأجل ولها فوائدها على الاقتصاد العالمي في وقت لاحق.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved